في سياق الأزمة العالمية التي سببها فيروس «كوفيد – 19»، أظهرت المملكة المغربية استجابة ملحوظة، سواء من الناحية الصحية أو من الناحية الاقتصادية والمالية. وقال تقرير لمكتب «ديلويت» تحت عنوان «المغرب.. من الصمود إلى النشأة»، استطاعت المملكة إعادة تنظيم النسيج الإنتاجي لصد موجات الأزمة الصحية، مع اتخاذ إجراءات مهمة تهدف إلى امتصاص الصدمات الاقتصادية والصدمات الاجتماعية الكبيرة الناجمة عن إجراءات الحجر الصحي. كما استفادت الدولة من هذه الأزمة من أجل الشروع في إصلاحات أساسية، مثل تعميم الحماية الاجتماعية، التي تم إطلاقها في ربيع عام 2021، بالإضافة إلى الرقمنة التدريجية للخدمات العامة.
عرف المغرب، وبحسب رأي غالبية الخبراء، «أفضل مقاومة» للوباء. لذلك يعتبر البنك الدولي في تقريره السنوي لعام 2020 المخصص لتطور الوضع الاقتصادي في المملكة، أن استجابة المغرب لوحشية الوباء كانت متناسبة: «حتى الآن، كانت استجابة الحكومة سريعة وحاسمة».
ويقول التقرير إن هذه الاستجابة الاستباقية للبلاد مكنت من تجنب انتشار وباء أكبر، وبالتالي إنقاذ الأرواح. بالإضافة إلى سرعة إغلاق الحدود وتعزيز النظام الصحي، أنشأت الدولة صندوقا خاصا للتخفيف من الآثار الاقتصادية، تشمل تدابير لتعويض الأسر المتضررة من الوباء، بما في ذلك تلك العملية في القطاع غير الرسمي، وتعديل قانون المالية، وهو الأول منذ 30 عاما.
بعد عام من الأزمة الصحية، في وقت إجراء التقييمات، ذهب البنك الدولي إلى أبعد من ذلك في تحليله، مقدرا أن «المغرب برز كدولة استفادت من أزمة فيروس كورونا، لجعلها فرصة لإطلاق برنامج طموح للإصلاحات التحويلية»، مضيفا أنه «في حال نجاح تنفيذها، يمكن أن تؤدي هذه الإصلاحات إلى مسار نمو أقوى وأكثر إنصافا».
من جهته، أشاد صندوق النقد الدولي باستجابة المغرب للأزمة قائلا: «في ما يتعلق بالسياسة النقدية والوضع المالي للمغرب، فقد اتخذت البلاد الخيارات الصحيحة لمواطنيها»، على حد تعبير كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي.
وقال مدير المكتب المركزي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا: «لقد كان الاقتصاد المغربي من أكثر الاقتصادات ديناميكية للتكيف مع القيود، ولكن أيضا مع الفرص التي تطرحها الأزمة المرتبطة بوباء فيروس كورونا الجديد». ومع ذلك، إذا كانت الاستجابة الدورية والإصلاحات الهيكلية الجديدة التي تم إجراؤها تشكل عوامل ذات مصداقية للأداء والجاذبية على المدى المتوسط والطويل، فقد تعرضت البلاد مثل عدد كبير من الاقتصادات الناشئة الأخرى لصدمة اقتصادية ومالية، يمكن أن تكون مادية تلقي بثقلها على آفاق التنمية المستقبلية.
وعلى الرغم من أن المغرب شهد فترة من النمو الاقتصادي القوي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلا أن وتيرته تباطأت بعد ذلك في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لأسباب خارجية (تباطؤ ملحوظ على المستوى الإقليمي والعالمي)، وأسباب داخلية (مكاسب إنتاجية منخفضة، وانخفاض في هامش الميزانية واستقرار الاستثمار الأجنبي المباشر).
وقد أدى التحول الهيكلي البطيء للاقتصاد المغربي- سواء كان سببا أو نتيجة لتباطؤ النمو – إلى استمرار ثقل الاقتصاد غير الرسمي، وارتفاع معدل البطالة بين الشباب الخريجين وانخفاض مشاركة المرأة في العمل. لقد انخفض المحتوى الوظيفي للنمو بشكل حاد بالفعل، حيث انتقل من 0.31 إلى 0.16، بين الفترتين 2000- 2009 و2010- 2019.
علاوة على ذلك، وعلى الرغم من الجهود المبذولة في المجال الاجتماعي والاستراتيجيات المنفذة لهذا الغرض، ما زالت نسبة كبيرة من المغاربة لا تستفيد من الحماية الاجتماعية الحقيقية. لذلك فإن إطلاق مشروع تعميم الحماية الاجتماعية على جميع المغاربة بحلول عام 2025، له أهمية حاسمة.
مناخ الاستثمار ..تقدم وإصلاح
إدراكا منه لضرورة دعم تطوير نسيج الشركات الخاصة، وتقديم حلول لرواد الأعمال والمستثمرين، ذكر التقرير أن المغرب قاد على مدار العقدين الماضيين مشاريع كبرى تهدف إلى تحسين مناخ الأعمال. وتم وضع مجموعة من الآليات والمؤسسات التي تهدف إلى تعزيز المنافسة والشفافية والحرية الاقتصادية. وتوجت الجهود المستمرة للإصلاح والتحسين على مدى العقد الماضي، بكسب المغرب 75 مرتبة في تصنيف ممارسة أنشطة الأعمال، ليحتل المرتبة 53 في عام 2020.
وأضاف التقرير أن أداء المغرب جيد في مواضيع معينة، لكنه يظل غير كاف من حيث الوصول إلى القروض ونقل الملكية وإدارة حالات التخلف عن السداد لدى الشركات. بالنسبة لنقل الملكية، استطاع المغرب تسريع الموعد النهائي للتسجيل من خلال تقليص الوقت اللازم للحصول على شهادة عدم الرهن. ومع ذلك، خسرت الدولة نقاطا من حيث الشفافية وعدم نشر إحصائيات حول عدد الصفقات العقارية والمنازعات على الأراضي. لا يزال مؤشر الوصول إلى الائتمان متأخرا، بسبب الإصلاح المتأخر للأوراق المالية المنقولة. ومع ذلك، فقد شهد عمل هذا الإصلاح تقدما ملحوظا على مدار العامين الماضيين، مع اعتماد القانون الجديد رقم 18. 21 المتعلق بالأوراق المالية المنقولة في عام 2019، ونشر المرسوم المتعلق بالسجل الإلكتروني للأوراق المالية المنقولة أيضا.
تصنيع اللقاح في المغرب
وقع المغرب من قبل الملك محمد السادس في يوليوز 2021 ثلاث اتفاقيات لتطوير تصنيع اللقاحات، من خلال القدرات الصناعية والبيوتكنولوجية الكاملة والمتكاملة. وتهدف هذه الخطة إلى وضع المغرب على المدى القصير والطويل كمركز قاري للقاحات والعلاجات الحيوية، قادر على تلبية احتياجات القارة الإفريقية. يدمج المشروع أيضا أبعاد البحث الصيدلاني والتطوير السريري، وتصنيع وتسويق المستحضرات الصيدلانية الحيوية الأساسية في القارة السمراء. يتطلب المشروع استثمارا عالميا قيمته 500 مليون دولار، أي ما يزيد على 4.4 مليارات درهم، يمول جزء منه صندوق محمد السادس للاستثمار، وآخر من قبل كونسورتيوم من ثلاثة بنوك مغربية (التجاري وفا بنك، مجموعة بنك أفريقيا ومجموعة البنك الشعبي المركزي). سيتم نشر هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص البالغة 4.4 مليارات درهم، والممول جزئيا من صندوق محمد السادس، على ثلاث مراحل. تتمثل الخطوة الأولى في الاستجابة لحالة الطوارئ الصحية الحالية، من خلال تطوير القدرة على تعبئة قوارير للقاح المضاد لفيروس كورونا، عن طريق اتفاقية بين الدولة ومجموعة الأدوية الصينية «Sinopharm»، والمختبر الصيدلاني المغربي «Sothema». تتكون الخطوة الثانية من هذه المبادرة من تطوير وحدة إنتاج تعبئة معقمة جديدة، تتطلب استثمار 100 مليون دولار، وتتحقق من خلال مذكرة تفاهم بين الدولة ومجموعة الأدوية السويدية «Recipharm». ستقدم هذه الأخيرة المساعدة في قيادة المصنع وإدارته، وكذلك في التدريب ونقل المعرفة.
وتهدف المرحلة الأخيرة من المشروع إلى تطوير مركز ابتكار الأدوية البيولوجية واللقاحات الإفريقي القادر على إنتاج العلاجات الحيوية وmRNA والمكونات النشطة. وسيشمل ذلك خلق بيئة مواتية قادرة على جذب تركيب البحث والتطوير من قبل شركات الأدوية متعددة الجنسيات، وتشجيع الاستثمار في مشاريع التكنولوجيا الحيوية.
ويعتمد هذا المشروع الاستراتيجي للمغرب على عائدات نجاح الالتزامات التي سمحت سابقا بتطوير صناعة السيارات والطيران، بهدف إنشاء نظام بيئي للصناعات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية، وجذب المستثمرين والشركات متعددة الجنسيات والمهارات العالية.