تقرب تركيا من مصر
عمر الرداد
بصورة لم تثر كثيرا من الغرابة والمفاجأة توالت إعلانات عن القيادة التركية «مستشار الرئيس أردوغان، وزير دفاعه ووزير خارجيته» تتضمن رسائل تهدئة مع القيادة المصرية، التي يناصبها أردوغان العداء المعلن، منذ الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 2013، وفي العديد من الجبهات بما فيها دعم الإخوان وتوفير الملاذات الآمنة لهم، ناهيك عن دور تركي في ليبيا وسوريا والعراق وفي شرق المتوسط، يتعاكس مع مصر.
التودد التركي «المفاجئ» لمصر، والكشف عن تنسيق ولقاءات بين المخابرات المصرية والاستخبارات التركية، والإطراء الواسع والمديح بالجيش المصري لم يكن معزولا عن «سياقات» تنازلات تركية واسعة، كان عنوانها سحب سفن التنقيب التركية عن النفط في شرق المتوسط، بعد تهديدات تركية بأن وقوع الحرب مع اليونان والدول الأوربية «قاب قوسين أو أدنى»، وتنازلات أخرى في ليبيا، فيما كشفت تسريبات حول اللقاء الأخير بين موسكو وأنقرة أن القيادة التركية تواجه ضغوطا واسعة حول وجودها وموقفها ودورها في إدلب السورية، قد تفضي لإجبار أردوغان على تقديم تنازلات غير متوقعة، تضرب عميقا كل المقاربات التي طرحها على مدى عمر الأزمة السورية، وتضع حدا للتفاهمات «القلقة» مع موسكو، خاصة بعد تصاعد التوتر بين موسكو وواشنطن في سوريا.
لكن السؤال سيبقى مطروحا حول مدى جدية أردوغان في رسائله الجديدة للقيادة المصرية، وفيما إذا كانت تعبر عن إدراك القيادة التركية لضرورة المراجعة لسياساتها في الإقليم أم مجرد مناورة، فرضتها التطورات وجاءت في ظل اعتراف تركيا بأنه لا يمكنها أن تعادي كافة الدول في المنطقة؟
انقلابات أردوغان على مواقفه وقراراته، لا ترسل أي رسالة إيجابية، بل إنها ترجح كفة الشكوك بمواقفه، وإنها على الأرجح مجرد مناورة قد يتراجع عنها في أي لحظة، خاصة وأن هذه المواقف تأتي بعد ضغوط أمريكية على تركيا، عبرت عنها زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى قبرص ورفع حظر بيع الأسلحة عنها، واحتمال نقل قاعدة «أنجيرلك» إلى اليونان، إلى جانب موقف أوربي تقوده فرنسا عنوانه دعم اليونان بمقاتلات «رافال» الفرنسية، والدفع باتجاه عقوبات اقتصادية أوربية ضد تركيا، بالإضافة إلفى التوافق المصري – اليوناني على ترسيم الحدود البحرية، فيما تزداد الشكوك بالخطوات التركية، بعد رفض أنقرة بحث كافة القضايا العالقة مع مصر كما طلبت القاهرة، بما فيها تدخل تركيا في ليبيا ودعم الإخوان المسلمين، والإصرار على حصر التواصل بين الجانبين في إطار القنوات الاستخبارية، وهو ما دفع القيادة المصرية إلى الإعلان عن تجميد التواصل مع أنقرة.
ورغم اتساع رقعة الصعوبات التي تواجه المحللين في قراءة «الاستدارة» التركية لجهة الوثوق بها والبناء عليها، أو التشكيك بها، فإن تاريخا من «استدارات» الرئيس أردوغان وانقلاباته على مواقفه وتبدل قوائم الخصوم والأصدقاء بين عشية وضحاها، يوفر أرضية صلبة لطرح تساؤلات وشكوك عميقة بخطواته، والتي أبرزت التطورات في ليبيا وشرق المتوسط وفي سوريا، وشمال العراق، إضافة إلى صعوبة الأوضاع الداخلية وعنوانها الأزمة الاقتصادية التي تتفاقم يوما بعد يوم، وتتعدى مظهرها الأبرز بانخفاض قيمة الليرة التركية مقابل الدولار، أنها لا تصب في صالحه.
الخطوة التركية غير موثوقة من قبل القيادة المصرية، لأن هدفها تخفيف الضغوط على أردوغان، وهي خطوة تهدف إلى عزل مصر عن حلفائها في الخليج، ومواجهة الخسارات التركية شرق المتوسط وفي شمال إفريقيا، فالعلاقة مع تركيا أصبحت عنوانا لخلافات في تونس والجزائر وليبيا، فيما خسارتها في السودان تقدم شهادة لنتائج السياسات التركية في الإقليم، فيما تطرح تساؤلات حول انتقاد الرئيس أردوغان للتطبيع الخليجي مع إسرائيل، في الوقت الذي يرفرف فيه العلم الإسرائيلي في سماء أنقرة، وبحجم تبادل تجاري بمليارات الدولارات مع إسرائيل، إلى جانب تعاون في مجالات عديدة بين الجانبين.