شوف تشوف

الرأي

تفاعل الدين مع المستجدات وتغير الظروف

علي محمد فخرو

قال الإمام محمد عبده إن الأحكام تتغير بتغير الأزمان، والعبرة بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني، والضرورات تبيح المحظورات. وقال الشيخ عبد الله العلايلي إن التنظيم الاجتماعي العام خاضع للمتغيرات، فإذا أفرغت في قوالب وأغلق عليها، تفانت وذوت. واستنكر الشيخ عبد الله عقوبة الرجم، وطرح مفهوم «الشريعة العملية» في وجه المفاهيم المتزمتة، وأن الشريعة هي «بمنطق محمد ومنطق العلم في معرض تكيف وتجدد دائمين».
وكتب جمال البنا أن الإسلام يجمع بين الثبات والوحدة والموضوعية في الكليات، والمرونة والذاتية في التفاصيل. وكتب أنه ما لم يوجد المجتمع العادل، فإن آثاره تنعكس على العقوبة، كما حدث في الماضي من إيقاف مؤقت لحد من الحدود. ولنتذكر ما كتبه الطاهر الحداد، المفكر الإسلامي التونسي المستنير، من أن الإسلام دين الواقع وبتطوره يتطور، وذلك سر خلوده. ونقده العميق للسائد على أفكارنا في مصادرة الفاحشة وعامة الجرائم، أن نتجه إلى تقرير العقوبات الصارمة.. فيما يجب علينا أن يكون اهتمامنا بعلاج التربية البيتية والمدرسية والشعبية، التي تحيي في المرء أصول الكمال، كما تميت فيه «عاطفة السوء».
وأخيرا لنراجع مجموعة كتب الباحث الإسلامي نيازي عز الدين، الذي راجع نصوص الكثير من الأحاديث المغلوطة المنسوبة إلى الرسول الكريم، أو الخطب المفتراة المنسوبة إلى الخليفة عمر بن الخطاب، بشأن موضوع عقوبة الرجم، ليخرج بنتيجة مؤداها افتراء البعض على الدين الإسلامي «الذي لا يحوي موضوع الرجم إطلاقا، وإنما كان الرجم لأهل الكتاب وفي التوراة فقط»، ويعيد ما قاله الآخرون الكثيرون من إن «شريعة الإسلام تتطور مع كل الأزمنة.. وإن القاضي غير ملزم بالشريعة الحدية، بل عليه أن يتحرك ضمن الحدود حسب الحالة التي أمامه.. لذلك يجب أن لا ننسى أبدا ظروف الزمان والمكان، وملابسات القضية وأسباب الجناية وظروفها».
كان مهم جدا إبراز الأهمية الكبرى لتفاعل الدين مع المستجدات، وتغير الظروف من أجل التذكير بما طرحه الكثيرون من الكتاب الإسلاميين والمثقفين الملتزمين، من ضرورة إجراء قراءات جديدة قد تختلف عن قراءات الأجيال التاريخية السابقة، سواء من ناحية فهم واستيعاب المقاصد الكبرى لنصوص القرآن الكريم، وللأحاديث النبوية المؤكدة، وللاجتهادات الفقهية التي هي اجتهادات بشرية تصيب وتخطئ.
وحتى نربط تلك القراءات والمراجعات بالواقع، فإنها على الأخص يجب أن تعطي الأولوية لمواضيع، مثل أساليب ووسائل إقامة الحدود، ومثل قوانين الأحوال الشخصية للأسرة المسلمة، ومثل مقارعة الفهم الجنوني للإسلام من قبل بعض جماعات الجهاد الإسلامية المتطرفة التي شوهت هذا الدين، وجعلته موضوع تندر وتعصب على مستوى العالم كله. ونعتقد أن الجهود الفردية، هنا وهناك، لن تكون كافية، إذ هناك حاجة إلى مؤسسة مشتركة، مستقلة وشفافة، وغير متأثرة بتقلب السياسة ومشاكلها، تنشئها مثلا منظمة التعاون الإسلامي، أو مؤتمر قمة لرؤساء الدول الإسلامية، وتدعمها ميزانية رسمية وتبرعات مجتمعية. ومن المهم جدا أن تكون مكونة من علماء دين وعلماء اجتماع واقتصاد وسياسة وعلوم طبيعية وغيرها. وبالطبع فقيام مؤسسة كهذه لا يقصد منه الحلول محل المؤسسات الدينية القطرية الموجودة، ولا الدخول في منافسة معها. هذا موضوع لا يهم المسلمين العرب فقط، إنه يهم كل عربي، لانعكاسات أي جوانب سلبية له على الحياة العربية برمتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى