تفاصيل معاناة أسر التوحديين ومحاولة رئيس مجلس الفنيدق إجهاض حلمهم بمركز للعلاج
الفنيدق : حسن الخضراوي
لم يكن من السهل التصديق بأن رئيس مجلس الفنيدق عن العدالة والتنمية، يمكنه أن يوقع قرارا يقضي بإجهاض حلم أسر الأطفال التوحديين في الاستفادة من مركز للعلاج بمواصفات دولية. لكن رئيس جمعية الأمل للأطفال التوحديين فوجئ خلال الأسبوع الماضي بمباشرة شركة للاتصالات أشغال تشييد وبناء أساس من أجل وضع لاقط هوائي داخل البقعة الأرضية التي استفادت منها الجمعية لغرض تأسيس مركز العلاج. وعند استفسار المعنيين ومهاتفتهم لم يجد رئيس الجمعية جوابا شافيا لدى أعضاء المجلس وتقنيي البلدية، فيما أكد له مسؤول الشركة أن المشروع قانوني ويتوفر على الرخصة الضرورية ومحضر المعاينة. هذا الأمر شكل صدمة لدى الرأي العام المحلي وأسر التوحديين التي عبرت عن غضبها من المجلس الذي أقحمها في ما قالت إنه تصفية حسابات سياسة رخيصة، دون مراعاة لمعاناتها القاسية، فيما كانت تنتظر دعمها من مؤسسة البلدية تنزيلا لمضامين الخطب الملكية.
وذهب فاعلون بالمدينة إلى أن ثمة خلطا بين العمل الجمعوي ومشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقها الملك من جهة، والهواجس الانتخابية ومحاولة تطويع التوجهات المعارضة مهما كلف الثمن للفوز بالأصوات وتوسيع القاعدة الانتخابية من جهة أخرى.
من يسمع بالتوحد ومعاناة أسر الأطفال التوحديين ليس كمن يعيش الوضع بكل تفاصيله ومعاناته، لذلك يقول مصطفى والد ابتسام التوحدية إن وقع القرار الذي وقعه الرئيس كان كارثيا على الحالة النفسية لأمهات الأطفال ممن يعانين في صمت، وظل حلم تواجد مركز للعلاج بمواصفات مقبولة بالمدينة يراودهن لسنين.
يحكي مصطفى أنه قصد العديد من أطباء الأطفال المختصين، لكنهم لم يتوفقوا في كشف الاضطراب الذي تعانيه ابتسام، وكانوا ينصحونه بالتريث حتى بلوغها خمس سنوات لإجراء بعض التحاليل الضرورية. كانت عزيمة مصطفى قوية في ايجاد علاج لفلذة كبده وكل ما نصحه به الأطباء قام به، من إجراء «الشبكة» مرات متعددة لفحص المخ، والسكانيرات الباهظة جدا والمكلفة لميزانيته دون جدوى. اكتشاف إصابة ابتسام بالتوحد كان بسيطا للغاية، والصدفة وحدها هي من قادت والدتها الى متابعة برنامج تلفزي خاص بالتوحديين تقدمه قناة تبث من الشرق الأوسط، حيث ارتفاع نسبة الإصابة باضطراب التوحد.
عند حديث البرنامج الخاص عن الأعراض وتفسير ذلك من طرف الأخصائيين بتفصيل عرفت والدتها أن ابتسام توحدية، وهنا ستبدأ معاناة أخرى في البحث عن العلاج داخل مجتمع لا يعرف الكثير عن الاضطراب.
كانت ابتسام حسب والدها تفضل الوحدانية على الاندماج والمشاركة، كما كانت تستعمل لغة خاصة بها في التواصل ما يعقد عملية فهمها وما ترمي اليه، ويزيد الطين بلة، روتينية الى أبعد حد في كل ما يتعلق بها ولا تحب تغيير نظام الأكل أو اللباس والغطاء أو ما شابه، وهنا تتحمل الأسر مسؤولية كبيرة ومعاناة قاسية لفهم تصرفات التوحدي وكيفية التعامل معه دون السقوط في فخ التسبب له في نوبات غضب يصرفها بإيذاء نفسه غالبا بعض أصابعه بشكل عنيف والصراخ بشدة.
ويضيف والد ابتسام في سرده للمعاناة أن ابنته لم تكن تصعد الدرج أو تبادر إلى ركوب السيارة إذا لم يجعلها أحدهم تفعل ذلك، وكان نومها مضطربا حيث كان والدها ووالدتها يقتسمان الليل لمراقبتها كي لا تصاب بأذى ولك أن تتخيل المداومة على أمر مثل هذا.
يكشف مصطفى أن اضطراب التوحد علاجه مكلف جدا حتى بالنسبة للأسر متوسطة الدخل، فما بالك بالفقراء وقد كانت ساعة واحدة مثلا للقاء مختص تكلفه أكثر من 350 درهما دون المصاريف الأخرى لبعض الأدوية التي كانت تصل إلى 4000 درهم فما فوق، فضلا عن المراكز الخاصة التي لا سبيل للوصول إليها وتكلف 7000 درهم في الشهر.
في ظل كل هذه الإكراهات والمعيقات يقول والد ابتسام اتصلت بجمعية بحي للأطفال التوحديين بتطوان وكنت أستفيد مما تقدمه من خلال تنسيق الجهود بين الأطر والأسرة من أجل تقويم سلوكات معينة وإطفاء أخرى، ومرت الأيام فلاحظنا أن الأطفال التوحديين المستفيدين ترهقهم مسافة السفر من الفنيدق إلى تطوان ويؤثر فيهم العياء ما يعقد عملية استقبالهم المعلومة، فقررنا أن نفتح جمعية بالفنيدق تحت اسم جمعية الأمل للأطفال التوحديين. هذه الجمعية التي أتشرف برئاستها، يقول المتحدث، مضيفا «من خلالها تعلمت ابتسام والعديد من الأطفال التوحديين الشيء الكثير. نعمل على تعديل السلوك ونقدم خدمات مجانية لبعض الأسر فيما يخص التشخيص المبكر، فابتسام في بادئ الأمر لم تكن توظف الألعاب وبعض الأشياء الأخرى التوظيف الصحيح، كما أنها لم تكن تتعرف على الشيء ووظيفته، فضلا عن عدم تعرفها على أسماء أعضاء جسمها حتى، والآن والحمد لله الحالة في تحسن مستمر شأنها شأن الأطفال المستفيدين».
أمام كل هذه المعاناة القاسية والمختصرة بشكل شديد يستغرب مصطفى كيف لرئيس انتخبه المواطنون للدفاع عنهم أن يضيع آمال الأطفال التوحديين التي انتظروها لسنين بجرة قلم خلفيتها حسابات سياسية ضيقة، منبها جميع الأسر التي تشك في إصابة أطفالها باضطراب التوحد التوجه إلى زيارة مختص أو جمعية مهتمة قريبة من محل السكن، لأن الكشف المبكر له أهمية كبيرة جدا في العلاج، فضلا عن تحذيره من طرق أبواب الخرافة والشعوذة من أجل العلاج، لأن ذلك مضيعة للوقت والجهد والمال دون أي نتيجة تذكر سوى الجري وراء السراب.
التوحد والفقر
لا شيء أقسى من أن يجتمع اضطراب التوحد والفقر في بيت واحد، والحالات التي تستقبلها جمعية الأمل بالفنيدق كثيرة ومتعددة حتى أن المكتب والأسر يعملان أحيانا بتنسيق لحل بعض المشاكل الاجتماعية لأسر الأطفال التوحديين بغية ضمان مواصلة العلاج واستمرار استفادة الطفل التوحدي من الخدمات التي تقدمها الجمعية في ظل إكراهات ومعيقات عمقها المجلس أكثر بممارسته الانتقام السياسي في حق الجمعية عوض مساعدتها ودعمها.
تقول أم لطفل توحدي إن مدخولها يكفي بالكاد لتوفير لقمة العيش لأبنائها، وأن مصاريف الكراء تراكمت عليها حتى أن مالك المنزل رفع دعوى قضائية ضدها من أجل الافراغ والتنفيذ يعني تشريدها وضياعها رفقة أطفالها.
وتضيف المتحدثة نفسها أن أعضاء الجمعية قاموا بحملة لجمع التبرعات والتضامن في ما بينهم لحل المشكل المادي وقد خفف عليها ذلك عبءا ثقيلا ومنحها أملا جديدا في مواصلة رحلة علاج ابنها.
وكشفت المتحدثة ذاتها، أن المعاناة المادية ليست كل شيء، لأن المعاناة النفسية مع الطفل التوحدي أقسى وأمر ولا يمكن تحملها إلا بمساعدة مختصين والتنسيق بين كل المعنيين والمؤسسات المسؤولة، مستغربة نسيان ممثلي السكان لهذه الفئة سنين متعددة وتذكرهم مؤخرا الجمعية لتصفية حسابات سياسية ضيقة وإجهاض حلم أطفال ملائكة لا حول لهم ولا قوة.
وقال مصدر للجريدة إن مجموعة من الأسر تأتي من بليونش والمضيق ليستفيد أطفالها من خدمات الجمعية وجل هذه الأسر فقيرة وذات دخل محدود، فضلا عن قائمة الانتظار التي تزداد يوما بعد يوم، وسط إكراهات مادية ومعنوية تتطلب تضافر جهود الجميع لما يكتسي الأمر من أهمية بالغة تتعلق بحق هذه الفئة في الاندماج داخل المجتمع والتمتع بكافة الحقوق التي يضمنها الدستور.
صرخة أم
بعد انكشاف أمر الرخصة وتسريب نسخة من محضر المعاينة، حاول رئيس المجلس الهروب إلى الأمام بادعاء أن الأمر مسيس وأنه مستهدف من بعض المنابر الصحفية، لكن ذلك لم يقنع أمهات الأطفال التوحديين وخرجت أم لتصرخ بشدة وتقول إن أسر الأطفال التوحديين لا تستغلهم أي جهة سياسية، وأن اللوحة الإشهارية التي علقها بعض أعضاء المجلس البلدي ويروجون من خلاها منحهم الجمعية 120 ألف درهم في 3 سنوات كدعم، ليست إلا تضليلا للرأي العام ومحاولة للتغطية على الخطأ الفادح.
وأضافت الأم ذاتها، أن الدعم يقدم من المال العام وليس من جيب أحد، لذلك لا يمكن لأي جهة كانت أن تمن عليهم حقا يعتبر من الحقوق الأساسية لأطفالهم، منبهة إلى أن 40 ألف درهم في السنة لا تكفي مصاريف الجمعية حتى لشهرين متتاليين.
واستغربت الأم توقيع المجلس لشراكة مع الجمعية يوم الأربعاء، وبداية أشغال إنجاز اللاقط الهوائي يوم الخميس بالبقعة الأرضية المخصصة لمركز علاج التوحديين، متسائلة عن جدوى التركيز على مقال صحفي تناول الموضوع وإهمال معاناة الأسر والاكتضاض الذي تعرفه الجمعية التي تقدم خدمات لما يقارب مائة طفل في مساحة لا تتعدى ستين متر مربع.
ورفضت المتحدثة نفسها بشدة تبرير المجلس منحه رخصة اللاقط الهوائي لشركة الاتصالات بمبرر توفير المداخيل والمصلحة العامة، مشددة على أن من يخدم الصالح العام ينصت إلى هموم المواطنين المستضعفين ومعاناتهم، وموجهة أسئلة إلى المجلس البلدي إن كان يعرف شيئا عن اضطراب التوحد، وهل حضر أحدهم لتكريم هؤلاء الأطفال خلال المهرجان الذي نظمته الجمعية والاحتفال بهم على غرار ما يتم فعله مع الأطفال الآخرين.
مناورات فاشلة
بعد انكشاف أمر رخصة اللاقط الهوائي وانتشار الخبر الذي أثار سخط وتذمر المواطنين، حاول رئيس المجلس والكتائب الإلكترونية لحزبه القيام بمناورات للتغطية على الخطأ الفادح، وذلك برمي الكرة في ملعب شركة الاتصالات وادعاء أنها وقعت في خطأ تحديد المكان مع التأكيد على أن الرخصة احترمت الضوابط والشروط القانونية.
وهاجمت الكتائب جريدة «الأخبار» بالمواقع الاجتماعية مدعية أن الأمر لا يعدو كونه تصفية حسابات سياسية وأن المقال كاذب من الأصل وفيه تحامل كبير على الرئيس والمجلس، قبل أن تظهر نسخة من محضر المعاينة التي أثبتت المكان والزمان وتوقيع تقنيي البلدية على المشروع.
وحاولت الكتائب مرة أخرى الهروب إلى الأمام بادعاء أن المكان به قطعتان أرضيتان، وأن الشركة ستنتقل إلى القطعة الثانية لإقامة مشروع اللاقط الهوائي، قبل أن يرضخ الرئيس إلى الأمر الواقع ويباشر إجراءات سحب الرخصة نهائيا بعد اجتماع مع ممثلي جمعية الأطفال التوحديين ووعده لهم بعدم إقامة أي لاقط سواء بأرض المركز أو المحيط القريب.
وقال أحد المهتمين إن الكتائب الإلكترونية وجدت نفسها في موضع لا تحسد عليه عند انتشار خبر سحب الرخصة، ما يدل على أنها لا تتوفر على معلومات دقيقة في الملف وتدافع باستماتة لمجرد توجيهها من رؤسائها بادعائهم المظلومية واستهداف الحزب.
وأضاف المتحدث نفسه، أن الذي يفكر قليلا يمكنه أن يصل إلى معطى عشوائية الرخصة التي منحت إلى شركة للاتصالات لوضع لاقط هوائي تحيط به مؤسسات متعددة من كل جانب، وهي المدرسة الابتدائية بنعجيبة والمركز الصحي ودار الطالبة، إلى جانب المركز الخاص بعلاج التوحديين المنتظر إنجازه في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وكشف المتحدث ذاته، أن قرار الرئيس جر عليه سخط المواطنين وتذمرهم، الشيء الذي جعل المجلس وأعضاء العدالة والتنمية يفعلون ما بوسعهم لتدارك الأزمة والحد من سلبياتها، خاصة خلال هذه المرحلة الحساسة التي تسبق حملة الانتخابات البرلمانية، وإمكانية خسران عدد كبير من الأصوات تعاطفا مع أسر الأطفال التوحديين وأسرهم.
مطالب بالتحقيق
طالب أعضاء بجمعية الأمل للأطفال التوحديين السلطات المختصة بفتح تحقيق لكشف ظروف وحيثيات الرخصة التي منحها الرئيس واستفادت منها شركة للاتصالات لإقامة مشروع لاقط هوائي، فضلا عن التحقيق في بعض العراقيل التي يضعها المجلس أمام أنشطة الجمعية من خلال التعامل باستهتار مع طلباتها، عوض الاستجابة وتقديم كامل الدعم الذي تحتاجه هذه الفئة تنزيلا للتوجيهات الملكية التي تدعو كافة المؤسسات إلى خدمة التوحديين، حسب الاختصاص ومساعدتهم للاندماج داخل المجتمع.
وقال عضو من مكتب الجمعية إن قرار الرئيس انتقامي وجاء تتويجا لمجموعة من القرارات الأخرى منها سحب سائق الجماعة الذي استفادت منه الجمعية في المجلس السابق، وعدم الاستجابة لرفع الدعم رغم تقديم برنامج مفصل يشرح المصاريف المكلفة للجمعية وارتفاع عدد المستفيدين والباقين على لائحة الانتظار أمام ضعف الموارد المالية وتراكم الإكراهات والمعيقات.
وكشف المتحدث ذاته، أن الاتفاقية التي تم توقيعها مع المجلس وستحصل الجمعية بموجبها على 4 ملايين سنتيم كدعم خلال ثلاث سنوات، هي اتفاقية مجحفة في الأصل وقد تم إنجازها من طرف المجلس دون مراعاة لاقتراحات الجمعية، والأخذ بها أو جزء منها، ما يعني أن الأغلبية تفكر بمنطق توزيع الصدقات وليس الحقوق التي يكفلها القانون.
وكشفت مصادر الجريدة، أن عامل المضيق الفنيدق يتابع الملف شخصيا، وقد أمر المصالح المسؤولة بتشكيل لجنة والخروج لمعاينة القطعة الأرضية المعنية مع إنجاز تقرير مفصل، قبل زيارته لمقر الجمعية للوقوف على الاكراهات والمعيقات التي تواجهها خلال تقديمها لخدمات العلاج الخاص باضطراب التوحد والتنسيق مع المصالح المعنية من أجل التخفيف منها وتجاوزها في انتظار خروج المشروع الخاص بمركز لعلاج التوحد بمواصفات دولية في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
إلى ذلك، قالت المصادر ذاتها إن البقعة التي تم الترخيص لإقامة لاقط هوائي فوقها تعود للمبادرة وليس للجماعة، ما يطرح علامات استفهام متعددة حول الوثائق التي اعتمدها الرئيس لتوقيع الرخصة.