جمال أكاديري
تظهر نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في إسبانيا تشرذم المشهد السياسي.
لم يأت كما كان منتظرا حزب العمال الاشتراكي الإسباني، بقيادة بيدرو سانشيز، على رأس القائمة، لكنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة، مسجلا انخفاضا طفيفا مقارنة بالانتخابات السابقة.
تقدم الحزب الشعبي اليميني، مستفيدا من سقوط شعبية اليسار الراديكالي، بينما حافظ الاستقلاليون الكتالونيون على مواقعهم المعتادة في كل استحقاق انتخابي منذ قرارهم التاريخي بولوج هذا المعترك من بوابته التشريعية، المفاجأة الكبرى جاءت من صعود حزب فوكس اليميني المتطرف، بقيادة سانتياغو أباسكال، والذي أصبح القوة السياسية الثالثة في البلاد.
هذه النتائج تعقد مسار تشكيل حكومة مستقرة، ثلاثة سيناريوهات ممكنة:
– تحالف كبير بين حزب العمال الاشتراكي والحزب الشعبي، لكن يتوجب عليهما التغلب على خلافاتهما حول قضايا مثل كتالونيا، ومدى أهمية مساهمات إسبانيا في مجموع أنشطة دول الاتحاد الأوروبي.
– تحالف بين حزب العمال الاشتراكي، وبوديموس وحزب مواطنون، والتي سيكون معها أغلبية مطلقة، لكن الحزبين الأخيرين سيفرضان شروطا يصعب قبولها.
– انتخابات جديدة في غضون شهور، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، لكن قد يعاني الاشتراكيون والحزب الشعبي من العزوف القوي عن التصويت، مما يعود بالفائدة على حزب فوكس.
تُظهر هذه الانتخابات التقدم المستمر لليمين الإسباني المتطرف، وتشكل تحديا كبيرا للأحزاب التقليدية لتشكيل أغلبية مستقرة وطموحة، في سياق اقتصادي واجتماعي صعب تعرفه الشؤون الداخلية في شبه الجزيرة الإيبيرية.
صوت غالبية الإسبان للمحافظين لعدة أسباب،
أولها طبعا ما يتعلق بالاقتصاد. التضخم العام منخفض، ولكن التضخم الأساسي مرتفع، مما يرفع تكلفة المعيشة.
ثم حكم سانشيز لمدة، ضد اتجاهات جزء من تيارات البلاد، بدعم أقصى اليسار حزب بوديموس. أصدر كذلك، عفوا عن الانفصاليين الكتالونيين المدانين، وغير بعض القوانين، هذا القرار صب في صالح السياسيين الفاسدين.
وخفف قانونه الخاص لمناهضة العنف ضد المرأة، الأحكام الصادرة بحق مئات معتقلي الحق العام.
تحالفه مع الذراع السياسية الجهوية لمنظمة إيتا في إقليم الباسك، كان يُنظر إليه على نحو سيئ.
كل هذا جعل جزءا من ناخبي إسبانيا يصوتون بشكل مغاير ومفاجئ.
يمكن أيضا تفسير صعود حزبVox اليميني المتطرف، بهيجان خطابه المناهض للهجرة، بعدما صار يتشوف لأن يصبح حزبا مهما لحكم إسبانيا.
فالمشهد السياسي الإسباني معقد بالفعل ويقدم مفارقات مثيرة للاهتمام. كملكية دستورية، يحكم إسبانيا ملك، لقبه فيليب السادس، وله ثقل رمزي بشكل أساسي في خلق التوازن الداخلي بين كل التيارات والقوى. ومع ذلك، على الرغم من هذا الحضور الملكي البارز، فإن الأحزاب السياسية ذات الميول الجمهورية صار لها تأثير حاسم على الانتخابات وتشكيل الائتلافات الحكومية.
حزب Juntas Catalanes، على سبيل المثال، هو حزب استقلال كتالوني يطالب بفصل كتالونيا عن إسبانيا. وعلى الرغم من أنه سيشغل سبعة مقاعد فقط من أصل 350 مقعدا في مجلس البرلمان، إلا أن تموضعه السياسي يمكن أن يكون حاسما في تشكيل أغلبية حكومية، كما كان الحال في انتخابات 2019. وبالتالي فإن دعمهم مرغوب فيه جدا من قبل الأحزاب السياسية الإسبانية الأخرى.
يتميز الظرف السياسي الحالي في إسبانيا بالقضية المثيرة للجدل، والمتمثلة في استقلال كتالونيا. الرئيس السابق لـلتيار الانفصالي الكتالوني موجود حاليا في المنفى في بلجيكا، بعد تنظيم استفتاء على استقلال كتالونيا في عام 2017. هذه القضية الشائكة تقسم الإسبان بشدة، وستجعل من الصعب تشكيل ائتلاف حكومي مستقر وبدون بلبلة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود قوى سياسية مختلفة في إسبانيا، بما في ذلك الأحزاب الجمهورية اليسارية وأحزاب الاستقلال الكتالونية، يمكن أن يحدد اتجاهات متنابذة في ظل النظام الملكي الإسباني. من ناحية أخرى، ترى أحزاب اليمين المتطرف الفاشية، مثل Vox، أن هذا الوضع يمثل تهديدا لوحدة الوطن، وتستخدم بوفرة الخطاب العدائي لتصوير الآخر المهاجر على أنه يحمل غزوا حقيقيا لحواضر مدن البلاد الكبرى. وهكذا يصير هذا التقاطب السياسي المحتد، تحديا كبيرا للاستقرار السياسي في إسبانيا.
باختصار، يتميز المشهد السياسي الإسباني الحالي بالمفارقات والقضايا المحلية التي لها تداعيات مهمة على تشكيل الائتلافات الحكومية على المستوى الوطني. مسألة استقلال كتالونيا هي مثال على هذه القضايا التي يمكن أن تقسم الإسبان بشدة، وتجعل من الصعب حكم البلاد. فهل يجب على الأحزاب السياسية أن تتنقل بحذر في هذا السياق المعقد لتحقيق حكم مستقر وفعال؟ للإشارة، لا تتجاوز مجموع أصوات أحزاب الاستقلال الكتالونية الثلاثة 25 في المائة من الأصوات. ومع ذلك فهم من يمتلكون مفتاح عودة قوية لليسار الإسباني إلى دفة السلطة، وبذلك دحر الأحزاب الشعبية المتطرفة، لكن بأي ثمن؟
نافذة:
يتميز المشهد السياسي الإسباني الحالي بالمفارقات والقضايا المحلية التي لها تداعيات مهمة على تشكيل الائتلافات الحكومية على المستوى الوطني