“تشبيب” التعاضدية
ما يجري في كواليس التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية لا يبدو أنه يهم ممثلي الشعب في الغرفتين، والدليل على ذلك أن ما ننشره في هذه الجريدة من ملفات مدعمة بالوثائق حول طريقة تسيير رئيسها التي تحوم حولها الكثير من علامات الاستفهام لم يحرك منهم أحدا، وعوض ذلك فالوحيد الذي يحاول أن يبيض سيرته هو رئيسها، ولأجل هذه الغاية فقد “ارتكب” بلاغا إنشائيا طويلا عممه على جميع المواقع يتحدث فيه عن تعرض المؤسسة التي يديرها للابتزاز من طرف أزلام الإدارة السابقة وأنه يواجه حملة تبخيس لمنجزاته العظيمة على رأس التعاضدية، التي منها طبعا إنفاق 264 مليونا في ثلاثة أيام دراسية بفندق في مراكش.
يعتقد السيد الرئيس أن تلويحه باللجوء إلى القضاء من أجل إخراس هذه الجريدة وثنيها عن مراقبة طريقة صرفه لأموال المنخرطين سوف يخيفنا. “كان غيرك أشطر”.
وبالمقابل على السيد الرئيس أن يكون شجاعا ويكشف للرأي العام عن طبيعة واسم هذه الجهات التي تحاربه، وإذا كان يتعرض للابتزاز فما عليه سوى أن يضع ثقته في القضاء ويتجه إليه ويحمل إليه أدلته ويضع شكاية بهذه الجهات.
ومن جهتنا فنحن لا نطالب سوى بشيء واحد وهو أن يرسل وزير المالية بالنيابة السيد عبد القادر عمارة مفتشي وزارة المالية لكي يراجعوا حسابات التعاضدية ويدققون في مدى سلامة المعاملات التي قام بها رئيسها منذ تعيينه وإلى اليوم.
وإذا قالت هذه اللجنة في تقريرها إن معاملات رئيس التعاضدية كانت سليمة فإننا سنعتذر له، هذا كل ما نطلبه، فهل هذا شيء مستحيل ؟
نعم لقد كانت هذه المهمة مستحيلة طيلة سنوات نظرا للضغط الذي ظل يمارسه إدريس لشكر على وزراء المالية لكي لا يحشر مفتشوها أنوفهم في ملفات التعاضدية، لكن اليوم هناك وزير بالنيابة سبق له أن أرسل تفتيشية لوزارة الصحة عندما تسلم حقيبتها بالنيابة بعد إعفاء الوردي، ولا نعتقد أن التعاضدية سوف تغلبه.
أما زميله في الحكومة وحزب العدالة والتنمية، محمد يتيم، فقد بلع لسانه بخصوص ملف التعاضدية، بمجرد حصوله على كرسي وزارة التشغيل باعتبارها الوزارة الوصية، وانقلب على مطالبه بافتحاص التعاضدية وإحالة تقارير المفتشية العامة على القضاء، عندما كان نائبا برلمانيا ورئيسا لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب.
نقول هذا الكلام لأننا صراحة فقدنا الأمل في قيام هيئات الرقابة وغرفتي البرلمان بمسؤولياتها في مراقبة صرف أموال التعاضدية، وعندما بحثنا عن السبب اكتشفنا أن رئيس التعاضدية الذي يدعي تعرضه للابتزاز خضع للابتزاز فعلا، لكن ليس من طرف من يكشفون فضائحه بل تحديدا من الذين يتسترون عليها في البرلمان بغرفتيه.
وعندما نراجع لائحة التوظيفات في التعاضدية وأسماء بعض المحظوظين نكتشف أن السي عبد المولى وظف ابنة اللبار عبد السلام في فرع التعاضدية بمكناس، والذي ليس سوى رئيس فريق حزب الاستقلال بالغرفة الثانية، والذي استغل جلسة برلمانية دستورية خلال الدورة التشريعية الأخيرة لتبييض صفحة رئيس التعاضدية عوض المطالبة بالكشف عن مصير أموال المنخرطين الذين يدعي هذا النقابي المتقاعد تمثيلهم باسم نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب.
ووظف السي عبد المولى أخ البرلماني نور الدين مضيان، الذي ليس شخصا آخر غير رئيس الفريق الاستقلالي بالغرفة الأولى بالبرلمان.
أما إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ومحامي التعاضدية، فقد وظف له عبد المولى أحد مقربيه مديرا ماليا بالتعاضدية، كما وظف له في منصب نائب رئيس التعاضدية أخ إمام شقران رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب الذي سبق أن وضعه لشكر على رأس لائحة الشباب لمجرد أنه كان محاميا متدربا في مكتبه.
وفِي “السلك النقابي” وظف عبد المولى ابنة علي لطفي رئيس نقابة ODT الذراع النقابية لحزب الأصالة والمعاصرة وعضو المكتب السياسي للحزب.
كما وظف عبد المولى، بتوصية من لشكر، بديلي ليلى إحدى مقربات بديعة الراضي المحسوبة على الاتحاد الاشتراكي التي اكتشفت مؤخرا “منافع” التعليق على الفيسبوك، وعضوة المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية والتي كانت تستفيد من بطاقة الإنعاش الوطني في الداخلة قبل أن تطلب اللجوء الاجتماعي في بيت بديعة الراضي.
ويبدو أن الأخت بديلي ليلى شعرت بالحماس الزائد بعدما نشر رئيسها في التعاضدية البلاغ الذي يتهم فيه جهات بابتزازه، وشجعتها تدوينات رفيقتها في الشبيبة إيمان زوجة رئيس هيئة للرقابة على صرف المال العام، تراقب كل شيء إلا أموال التعاضدية، والتي أعطاها عبد المولى وعدا بتشغيلها هي أيضا في التعاضدية بعدما تخلى عنها الوزير بنعبد القادر ولم يلحقها بديوانه بعدما دخلت في تشابك بالتعليقات في الفيسبوك مع إحدى عضوات ديوان الوزير، ولذلك تبلي البلاء الحسن في الفيسبوك في “لحس الكابة” لعبد المولى ولطريقة تسييره.
وطبعا فحلمها الكبير الذي يسيل له لعابها هو أن تلتحق برفيقها في الشبيبة الاتحادية، ابراهيم عباد، الذي عينه عبد المولى براتب لا يقل عن 9.000 درهم بتوصية من لشكر في قسم الشؤون القانونية بعدما تخلى عنه البنك الذي كان يشغله.
وهكذا تحولت التعاضدية إلى قلعة اتحادية يستعملها لشكر لترضية خواطر أعضاء شبيبة حزبه الذين لم يستفيدوا من “ريع” الدواوين، مقابل توفير حماية “مزيفة” من مقصلة المحاسبة لرئيسها.
وهذا طبعا ليس سوى غيض من فيض مما لدينا من ملفات حول هذا الرئيس المدلل الذي لفرط تضخم أناه أصبح يطرد وينقل مستخدميه مثلما يغير ربطة عنقه، فتدفع التعاضدية تعويضات كبيرة لهم عن الطرد التعسفي بعدما يلجؤون إلى القضاء ويربحون قضاياهم ضد عبد المولى، الذي يدفع دون تردد، “ومالو مخلصهم من جيبو، ياك غا فلوس التعاضدية”.
والحمد لله أن المحكمة الإدارية حكمت مؤخرا ببطلان هذه التنقيلات التي استهدفت مستخدمات متزوجات اشتغلن لسنوات طويلة في التعاضدية أراد سعادة الرئيس إبعادهن عن أزواجهن وأبنائهن بتنقيلهن نحو مدن بعيدة لمجرد أن سعادته لم يعد يطيق رؤية وجوههن ويريد “تشبيب” التعاضدية، نسبة إلى الشبيبة الاتحادية طبعا وليس الشباب.