أمل عبد العزيز الهزاني
«مسلمو أوكرانيا سيضطرون إلى حماية أرضهم في هذا الشهر الفضيل»… الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. «من يعمل مثقال ذرة خيرا يره»، الرئيس الأمريكي في تهنئته للمسلمين بشهر رمضان. «قال النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – إن هذا الشهر حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر»، أنتوني بلينكن. «لم تنضم أي دولة في العالم، يسودها الإسلام، إلى العقوبات المفروضة على روسيا»، الرئيس الشيشاني رمضان قديروف…
الصدفة وحدها جعلت رمضان حديث السياسيين. لو كان موسم الحج، لكانت التصريحات عن هيبة التجمع الإنساني في زي بسيط بلا تفرقة أو عنصرية، ومناشدات ليكون السلام عاما كما يهدف الحج.
المغزى هو إقحام المؤثر الديني في المشهد كأحد أهم العوامل التي ينجذب إليها الناس، والتحكم في ميولهم الفكرية والسياسية بالتلويح بشعار الدين.
زيلينسكي يهودي الديانة، يتمنى أن يصوم الأوكرانيون المسلمين في أجواء من السلام والاستقرار. لكن لا يوجد في أوكرانيا عدد معتبر من المسلمين للاستعانة بهم في الترويج الإعلامي، نسبتهم من الإجمالي العددي للسكان نصف في المائة! كما يبدو، الرئيس الأوكراني يستعطف المسلمين بروسيا وشرق روسيا، وليس بأوكرانيا. في روسيا 24 مليون مسلم، إضافة إلى دول الاتحاد السوفياتي سابقا، كثافة عالية للمسلمين في دول لا تزال تدين بالولاء لموسكو، طوعا أو كرها. الرئيس الأمريكي جو بايدن يحاول انتهاز فرصة الشهر الكريم، لتلطيف الأجواء مع السعودية، قبلة المسلمين. العلاقة التي شابها التوتر، إثر تغير منهجي بسياسة واشنطن في الشرق الأوسط، خاصة ما يتعلق بإيران وأفغانستان. الرياض أظهرت في أكثر من مناسبة أنها غير راضية عن التحول الأمريكي الجديد. اعتذر السعوديون عن زيارة وزير الخارجية الأمريكي، وبدت العلاقة باهتة حتى على مستوى الاتصال الهاتفي. ومع اشتعال حرب أوكرانيا اشتعلت أسعار الطاقة، فتطلع الجميع لمنظمة أوبك، لزيادة إنتاجها من النفط لكبح الارتفاع. لم تنجح المحاولات، وظهرت «أوبك بلس» بقيادة المملكة العربية السعودية متماسكة في رفضها، أكثر من أي وقت مضى.
الرئيس الشيشاني بدا الأكثر غرابة، فهو مسلم، رفع راية الجهاد بمعركة لا علاقة لها بالهوية الدينية مطلقا، لكنه أيضا رئيس واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق التي تتمتع بغالبية مسلمة، وهو هنا يستقصد المسلمين بدول غرب آسيا، ومسلمي روسيا، بثنائه على رأي الرئيس الروسي الإيجابي في الإسلام.
حرب أوكرانيا مثل أي حرب، تستخدم فيها كل الأدوات الممكنة، بما فيها الدين، للظفر بحصة أكبر من الجمهور.
قوبلت هذه التصريحات لأول مرة بالاستهجان والسخرية، وإطلاق النكات. هل هو وعي ثقافي، أم حصيلة اكتساب الخبرة؟ حالة إفاقة عمت الرأي العام العربي والخليجي تحديدا، حول هذه المحاولات لتسييس رمضان. لكن ماذا عن المسلمين في غرب آسيا؟ هل يشعرون بالاستفزاز تجاه إقحام الإسلام في حروب القومية والطاقة؟ الأغلب أن درس الدمار في أوكرانيا كفيل بتخويف الناس من التجربة. ومع الاعتقاد بأن الدين نقطة خلاف دائمة إلى يوم القيامة، يختلف عليها الناس ويتخالفون ويتخاصمون، لكن الإدراك بأهمية فصل الدين عن كل ما هو سياسي، سيخفف من استخدامه عصا ضد الخصوم.