شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

تسمين العجول 

 

 

يتعرض جنود الكلمة في ساحات الحرب، اليوم، إلى الحصار والمضايقة والتعتيم والاغتيال المعنوي والجسدي. نشاهد مباشرة كيف يخاطر معتز عزايزة بحياته لنقل وقائع التقتيل والتهجير، وننصت بحسرة لقصص بيسان، حكواتية غزة، وهي تلاحق الحقيقة بين ردهات المستشفيات المنكوبة.

نتذكر بفخر جنود الخفاء من الصحافيين الاستقصائيين المغاربة، وهم يخوضون في خبايا حقول الألغام المحظورة، بشجاعة لافتة جلبت عليهم الويلات. إنهم المحاربون الذين يقدمون حياتهم وحريتهم مقابل نقل الخبر. في الوقت الذي يحصل فيه هؤلاء الشجعان على مكافآت، تكون غالبا عبارة عن رصاصة أو زنزانة أو وثيقة لطلب اللجوء، يحصل نوع آخر من ناقلي الخبر في بلادنا على جوائز قيمة نظيرا لمجهوداتهم العظيمة في «التبركيك وتوصال الهضرة». إذ يشهد الإعلام السمعي والبصري في المغرب، اليوم، دخول عصر «الباطرونيزم»، وهو عصر تتربع فيه العاهرات وراقصات الملاهي التايلاندية على عرش الكلمة والصورة.

أحدث ظهور شرذمة من الساقطات والساقطين في حفل مشبوه يدعي زورا حماية ودعم الفنان المغربي، امتعاض قطاع كبير من المغاربة من أصحاب الفطرة السليمة. حيث تمخترت جحافل المحترفات والمحترفين في الدوريات الخليجية والتركية والآسيوية (توسع رقعة الاحتراف اللهم بارك)، على البساط الأحمر، تحت «فلاشات» الكاميرات البراقة، وصراخ المصورين وهتافات المعجبين. مشاهد سريالية يصعب على العقل البشري استيعابها، إلا في حال توفره على خلايا دماغية مغربية خالصة.

إنها الكوميديا الإنسانية في أبشع صورها.

هل أصبحت صناعة «الشوهة» جنسا صحفيا ينافس الصحافة الاستقصائية المهنية؟ لماذا يتكالب المستشهرون على صفحات «ضريب الطر»، في الوقت الذي تعاني فيه الصحافة الجادة من أزمات مالية بسبب شح الدعم العام أو الخاص على حد سواء؟ أليس في أصحاب «الشكارة» رجل رشيد؟ أسئلة محيرة، لكن تبدو إجابتها واضحة وفاضحة.

ماذا سيستفيد المستشهر من دعم مؤسسات صحفية مهنية تغطي مواضيع تتعلق بالصحة والتعليم والتثقيف وتسيير الشأن العام؟ في الوقت الذي يستطيع فيه «مول الحبة» الاستثمار في صفحات وقنوات تتاجر في المؤخرات والمقدمات؟

لقد أصبحت تجارة تسمين الخدود والزنود والعجول البشرية تجارة مربحة تستحق صاحباتها شهادات تقديرية نظير خدماتهن الجليلة في النفخ والشفط والتكبير والتصغير.

يجب التنويه إلى أن وزارة الثقافة أنكرت جملة وتفصيلا منحها شهادة تقديرية لإحدى العجلات.. عفوا المؤثرات. هل الأمر لا يعدو أن يكون مجرد «فوطوشوب»؟ أم أن الشهادة التقديرية كانت مجرد ظلال خادعة تتراقص في كهف أفلاطون؟ من الملاحظ أن وجوها عديدة حضرت حفل التكريم المخجل. وعلى رأسهم إحدى المشوهات ممن يحترفن التشهير بالعباد.

نتساءل بحيرة عن الهدف من تكريم هؤلاء المجرمين الذين يمارسون أساليب الابتزاز والترهيب في حق المواطنين؟ لقد ثبت تورط هذا النوع من الصفحات في قضايا جنائية، بل وتسبب هؤلاء المنحرفون، قبل سنوات قليلة، في فضيحة وطنية كبرى لازال أثرها السيئ مستمرا إلى حدود اليوم. هل أصبح «حمزة مون بيبي» مرجعا فكريا لهؤلاء الجرذان على مرأى ومسمع من القانون؟ لا أعتقد أن منصات التكريم هي المكان المناسب لفلول عصابات التشهير، بل مكان هؤلاء المشوهين هو السجن مع التوصية بالأعمال الشاقة.

تجدر الإشارة إلى أنه تم إقصاء فئة عريضة من صحاب الحسنات من حفل نجوم الشوهة. فما دام الأمر يتعلق بالاحتفاء بالنميمة والحضية، كان حريا بالقائمين على هذا الحدث الوطني السمين، أن يقوموا باستدعاء بركاكات الأحياء الشعبية، إضافة إلى النساء اللواتي يعشقن المضاربة فالحمامات العمومية، دون إغفال مهنيي الجيلي الأصفر، باعتبارهم متمرسين في البلطجة والاعتداء على المواطنين. شعارنا لا للإقصاء، لا للتهميش.. نعم للتسمين.

في الوقت الذي تحدث فيه مثل هذه التفاهات صدى واسعا وجدلا كبيرا في أوساط العباد، يمر الحفل السنوي اليتيم الذي يحتفي بخجل بالصحافة المهنية مرور الكرام. إنه حفل بمثابة حصة صعق كهربائي، يتم فيها بث الحياة في أوصال مهنة تتعرض لأسوأ أنواع التضييق والإهمال والتهميش الممنهج. لقد أصبحت حماية الصحافة الجادة مهمة القارئ، الذي يتهاون في تقديم الدعم المعنوي للسلطة الرابعة، ويفر منها هاربا نحو مستنقع الفيديوهات الراقصة. غير أن تحميل القارئ هذا النوع من المسؤولية الرمزية يتطلب وعيا علميا ورصانة أخلاقية. وهي المعادلة التي أصبحت شبه مستحيلة مادام المواطن/القارئ يتعرض لحملات مركزة من التجهيل والتكليخ.

إن عمليات تدمير الوعي الجمعي تنتج لنا جحافل من المغيبين يصعب إقناعهم بالقراءة، بينما يسهل اقتيادهم لصناديق الاقتراع مثلا. إنها أحد تمثلات الدائرة المفرغة التي تحدث عنها فرج فودة. لقد كان امتهان الدعارة والاتجار في البشر، إلى حدود وقت قريب، أمرا مخجلا يجلب لصاحبه العار والإقصاء الاجتماعي. غير أن الخلل الكبير الذي أصاب الموازين الأخلاقية، في الفترة الأخيرة، جعل من «الباطرونيزم» مهنة تستحق التكريم والاحتفاء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى