شوف تشوف

ثقافة وفن

تزامنا مع عيد الأضحى.. كتب مدرسية «جديدة» ابتداء من شتنبر المقبل

تتسابق 44 مطبعة ورقية مع الزمن لتحضير الكتب المدرسية مع بداية الدخول الدراسي المقبل، وذلك بعد أن توصلت بالنماذج التي تم إنهاء تأليفها قبل شهر. هذه العملية انطلقت تحت إشراف مديرية المناهج، بعدما قررت الوزارة إجراء ما أسمته «تجديد» المناهج «تجاوبا مع المستجدات الدستورية التي حملها دستور 2011، لكن دون المساس بالبرامج الدراسية»، كما صرح مدير البرامج والمناهج بالوزارة فؤاد شفيقي، باستثناء البرامج الدراسية الخاصة بمادة التربية الإسلامية، والتي ستحمل ابتداء من السنة المقبلة اسم «التربية الدينية». ويتعلق الأمر بـ«تغيير» شامل للكتب المدرسية، بدءا من كتب التعليم الابتدائي، وصولا لكتب التعليم الثانوي، مع تسجيل استمرارية الاختلالات نفسها التي سبق للرأي العام التربوي أن سجلها طوال السنوات العشر الماضية. ففي الوقت الذي انتظر الرأي العام التربوي تجديدا في منظور الوزارة لوسائل التدريس، تماشيا مع التصورات الحديثة للتدريس، وأيضا مع الثورة الرقمية، والتي غيرت بشكل جذري منظور المربين على مستوى العالم للوسائط التعليمية والمعينات الديداكتيكية، فإن مديرية المناهج في وزارة التربية الوطنية أصرت على تكريس المنظور التقليدي نفسه للكتاب المدرسي، والذي حولته إلى مقرر، بل وأصرت أيضا على العمل بأسلوبها القديم نفسه، حيث تغليب الاعتبارات الشخصية في تكوين لجان التأليف، وهي الحقيقة التي وقفت عليها جريدة «الأخبار» عن كثب، بخصوص تتبع المسارات المهنية لأغلب هؤلاء، إذ يرتبط كل رؤساء لجان التأليف بعلاقات شخصية مع مدير هذه المديرية، والذي يصر من جهته على تكريس المنظور الريعي نفسه الذي يسم عمله منذ تعيينه من طرف الوزيرة السابقة لطيفة العبيدة في 2008، ثم عدم إخضاع عملية اختيار المطبعات لمناقصة تأخذ بعين الاعتبار معياري الجودة ونقص الأثمنة، حيث تم اختيار المطبعات نفسها التي كانت تحتكر سوق الكتاب المدرسي منذ 2004، مع القيام بعملية تغيير شكلية همت توزيع بعض العناوين لمطبعات غير التي كانت تطبعها.

مديرية توزع الأدوار
أكدت مصادر لجريدة «الأخبار» أن عملية تأليف الكتب المدرسية الجديدة لم تعرف أي تجديد على مستوى اعتماد معايير علمية في التأليف، فكما كانت الاعتبارات الشخصية حاضرة في اختيار أغلب الكتب المدرسية «المحظوظة»، بسبب قرب مؤلفيها من مدير مديرية البرامج والمناهج، فإن الوقت الذي قضته لجان التأليف يعتبر قياسيا جدا، إذا استحضرنا المعايير الدولية في هذا المجال، حيث لم تتعد ثلاثة أسابيع فقط، إذ تمت المناداة على رؤساء اللجان، وكلهم بدون استثناء سبق لهم أن استفادوا من ريع الكتب المدرسية المعمول بها حاليا، بل ويعانون كلهم من «تراكم الأعمال» لكونهم مكلفين من طرف المديرية نفسها بمهام أخرى، سواء مركزيا أو جهويا، وهؤلاء نادوا على 50 شخصا ينتمون لتخصصات مختلفة، وكلهم معروفون بكونهم «مضمونين» ولا يخشى جانبهم، إما لكونهم مقربين من رؤساء اللجان أو من مدير مديرية البرامج والمناهج شخصيا، وتم تجميعهم لمدة ثلاثة أسابيع بأكاديمية الرباط، لتنتهي أشغالهم بـ«أشياء» سموها «كتبا مدرسية»، وبعدها تم إرسالها لدور نشر معروفة بكونها تحتكر سوق الكتاب المدرسي منذ ما يزيد عن عشر سنوات، في أفق إخراجها للسوق في شتنبر المقبل، علما أن الزمن الذي استغرقه التأليف يعد فضيحة حقيقية. ففي الوقت الذي نجد هذه المدة تصل لثمانية أشهر على المستوى العالمي، كما أن العملية ذاتها تكلف في فرنسا 14 شهرا، فإن مديرية المناهج اختارت أسلوب التسرع في «طبخ» ما تعتبره كتبا مدرسية. كل هذا التسرع، والذي رأى فيه كثيرون من متتبعي الشأن التربوي، دليلا على أن إصلاح التعليم لن يتحقق في ظل استمرار المسؤولين الحاليين أنفسهم.
فإذا عدنا إلى التقويم الذي أجرته «الهيئة الوطنية للتقييم» للمثياق الوطني للتربية والتكوين، والذي قامت به بأمر من الملك محمد السادس، فسنجد في الصفحتين 64 و65 ملاحظات سلبية سجلتها الهيئة بخصوص الكتب المدرسية، همت مضمونها ومنهجية تأليفها وكذا منهجية توزيعها على المطبعات، وهي الملاحظات التي لم يعرها مدير مديرية البرامج والمناهج أية أهمية. ومنها، مثلا، عدم قابلية الكتب المدرسية المقررة لإدماج التجديدات البيداغوجية، وخاصة تنمية الكفايات، ففي الوقت الذي كلفت الكتب المدرسية المقررة قبل 2011 أربعة أشهر في تأليفها، فإن مدير البرامج والمناهج يعترف بكون لجان التأليف اشتغلت فقط ثلاثة أسابيع.

الريع بـ«العلم والخبرة»
سنة 2010 وقع الوزير الأول آنذاك، مقررا يقضي بمراجعة دفاتر التحملات الإطار، ودفاتر التحملات الخاصة المتعلقة بمجال إنجاز الكتاب المدرسي، على أساس التدقيق واعتماد الوضوح في المعايير الواردة في هذه الدفاتر، مع الحرص على ضمان الملاءمة والانسجام في ما بينها، وتبسيط المساطر وتوحيد المرجعيات.. حيث شدد المقرر على «ضرورة إعادة تنظيم لجان التقييم والمصادقة واعتماد الكفاءة العلمية والنزاهة وضمان الشروط الملائمة لمزاولة مهامها بالنجاعة والفعالية المطلوبتين»، كما حدد طريقة عمل لجنة التقييم والمصادقة»، لكن الملاحظ، من خلال تجربة اختيار لجان التأليف وكذا اختيار المطبعات، أن هذه اللجنة تبقى شكلية تماما، حيث يسيطر مدير مديرية المناهج بالوزارة على العمليات برمتها، فهو من يختار لجان التأليف وهو من يختار المطبعات، في حين تبقى مسألة كفاءة أعضاء اللجان وكذا احترام المطبعات لدفاتر التحملات مسألة شكلية تماما، دون الحديث طبعا عن وجود شبهات فاضحة في علاقة بعض أعضاء هذه اللجنة مع بعض المطبعات، يتجلى هذا بشكل واضح في استفادة البعض منهم من طبع كتبهم الشخصية وكذا كتبهم الموازية عن مطبعات تستفيد من «كعكة» سوق الكتب المدرسية بأثمنة تفضيلية، وبعضهم يحصل سنويا على أموال طائلة من بعض المطبعات نتيجة لهذا التعامل التفضيلي في طبع هذه الكتب. كما أن هناك حالات لبعض أفراد هذه اللجنة تربطهم علاقات عائلية مع بعض أعضاء لجان التأليف (الجريدة تملك لائحة أسمائهم بتفصيل، وهي مستعدة لوضع اللائحة رهن إشارة الوزارة في حالة إجراء تحقيق نزيه في الموضوع).

خرق قانون حرية المنافسة والأسعار
مديرية البرامج والمناهج لا تحترم أيضا قانون حرية المنافسة والأسعار، وخاصة صيغته المحينة سنة 2011، في مادتيه 6 و7، وبدل أن تعمل الوزارة على حرمان المقاولات التي لا تحترم هذا القانون من المشاركة في طلبات العروض المتعلقة بالكتاب المدرسي، فإن المديرية ذاتها هي المسؤولة عن خرق هذا القانون. وفي متابعة للأسلوب الذي اتبعه مدير مديرية المناهج أخيرا في توزيع «كعكة» الكتاب المدرسي على المطبعات، يلاحظ عدم احترام تام سواء للمقرر السابق الذكر، حيث إن فتح طلبات العروض تكون شكلية تماما، بحيث يتم تغيير فقط عناوين الكتب المدرسية التي يتم إسنادها لكل مطبعة، فمثلا يتم تكليف مطبعة معينة كانت مكلفة بطبع كتاب مدرسي معين في التربية الإسلامية بطبع كتاب آخر في مادة العربية بدلا عنه، في حين يتم إسناد طبع الكتاب الأول لمطبعة أخرى كانت مكلفة بطبع كتاب النشاط العلمي، وهكذا في عملية دائرية فاضحة، بحيث يظهر للمدرسين الذين يحتكون بالكتب المدرسية وجود تغيير في أسماء المطبعات، في حين أن الحقيقي هو أن المطبعات نفسها التي كانت تحتكر سوق الكتب المدرسية منذ عشر سنوات، هي نفسها بدليل استقرار العدد نفسه الذي كان يحتكر هذا السوق وهو في حدود 44 مقاولة. وفي ما يتعلق بالمادتين 6 و7 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، فنجد أن مديرية البرامج بالوزارة تتواطؤ مع المطبعات في خرق هذا القانون بشكل سافر، ومنها الحد من دخول السوق، أو من الممارسة الحرة للمنافسة من لدن كتب مدرسية أخرى، وعرقلة تكوين الأسعار عن طريق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها، وحصر أو مراقبة الإنتاج أو المنافذ أو الاستثمارات أو التقدم التقني، فضلا عن تقسيم الأسواق، فالكتب التي توزع في مديرية إقليمية تابعة لجهة معينة ليست نفسها التي توزع في مديرية أخرى تابعة للجهة نفسها. في عملية فائقة التنظيم، تضمن لجميع المطبعات أرباحا مضمونة، بسبب الاستقرار الذي يعرفه سوق الكتب المدرسية، والذي يتجاوز ما يفوق 50 مليون كتاب ورقي. تكلف الأسر المغربية في شهر شتنبر عشرات الملايين من الدراهم. كما أن خرق قانون المنافسة يظهر أيضا في وضع كل المطبعات في وضعية المهيمنة في السوق الداخلية أو جزء مهم من هذه السوق، ما يجعل التلاميذ والأسر المغربية في حالة تبعية اقتصادية وليس لديهم حل مواز. وهي الملاحظة نفسها التي سبق للهيئة الوطنية للتقييم أن سجلتها في تقريرها الصادر سنة 2015، حيث لم يتم احترام مبدأ إخضاع طلب عروض الكتب المدرسية للفحص من جديد بعد انقضاء مدة ثلاث سنوات المحددة للنشر والتوزيع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى