حسن البصري
في هذه الزاوية تناولنا عنف البطولة المغربية والعالمية مرارا، في هذا الركن رصدنا شظايا عنف المسؤولين في المقصورات «الشرفية» تكرارا، وتناولنا شغب التلاميذ في الفصول الدراسية اجترارا، ووقفنا عند الصيحات الأخيرة من عنف المستشارين الجماعيين بكرة وأصيلا، وكلما ظهرت بؤرة شغب قلنا «كفى من هدر الجهد وسفك الدماء»، وانتظرنا بلاغات الانفلات وتسريبات باعة الإعلام المتجولين.
لكن ما لم يكن في الحسبان، هو أن تمتد عدوى عنف الملاعب وتتسلل إلى دوريات رمضان. لقد تناقلت الصحف الإلكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي مقاطع لأحداث شغب شهدتها أولى مباريات دوري في كرة القدم بشفشاون، تعرضت فيها الروح الرياضية للجلد قبل موعد الإفطار.
تدخلت سلطات المدينة واللجنة المنظمة فتقرر إلغاء الدوري الرمضاني، وأغلق الملعب بعد أن يئس المنظمون من هدوء الفضاء الرياضي، وفشل ذوو النيات الحسنة في تجسيد شعارات الدوري، وتبين لهم أن تربة بعض الملاعب لا تصلح لزراعة نبتة القيم.
ما حصل في مدينة شفشاون من «ترمضينة» يغضب مولاي علي براشد والسيدة الحرة، ويصادر فينا أغنية «ياشفشاون يا نوارة» ويجعلنا نخاف على القلاع الصامدة ضد الشغب من العدوى المستوردة من مدرجات الملاعب.
نحن اليوم في حاجة إلى جهاز لكشف البلطجة، والإشعار المبكر بها، بعد أن تناسلت أحداث دوريات رمضان، ووضع دفتر تحملات بشروط صارمة يعيد انتشار هيئات التأديب والروح الرياضية في ملاعب القرب، حتى تتسلل السكينة إلى فضاءات قيل إنها للتنشيط الرياضي، ويتحول البلطجيون إلى كائنات مهادنة.
ما حصل في شفشاون يحصل في مدن أخرى ربما بصيغة أفظع، لكن حين تتحول مدن هادئة تنام على وسادة الهدنة، يتبين أننا فعلا أمام عنف لا يميز بين دوري ظاهره الود والإخاء ومباراة رسمية حاسمة محشوة بالديناميت.
حين يبحث المحققون في هواتف المتهمين عن دليل إدانة، لا يعثرون إلا على قصائد التهييج وأناشيد مستوحاة من معلقات فطاحلة شعر المدرجات، فيساقون إلى الزنزانة بتهمة قرض شعر الصعاليك في واضحة رمضان.
لا يمكن للمحققين مصادرة رؤوس مثيري الفتن وصناع البلطجة الكروية، فاكتفوا بمصادرة الكرات وقانون اللعبة ومنحوا الحكام سراحا مؤقتا، ووضعوا في الطريق المؤدي إلى الملعب علامة «اتجاه منحرف»، وطالبوا نعمان لحلو بتعديل كلمات قصيدته حتى لا تختلط «ليغارة» بالغارة.
باسم «الترمضينة» توقفت دوريات رمضانية وأرسل حكام مبارياتها اللاعبين والمتفرجين إلى بيوتهم، وبعد الإفطار وجدوا أنفسهم مجبرين على لعب مباريات «الرامي» في المقاهي متحملين رائحة الدخان.
باسم «الترمضينة» يلتمس دفاع الأظناء الصفح عن المشاغبين، فيكشفون عن حسن السيرة والسلوك في باقي الشهور. ويقدمون ملتمسات بتأجيل التباري إلى أن يذهب الظمأ وتبتل العروق ويثبت الأجر.
حين تتناسل لجن الأخلاقيات وتصبح لها صلاحيات تفوق صلاحيات لجنة برمجة المباريات، فاعلم أن الأخلاق في خطر وأن القيم مهددة بالتشرد وأن الدوريات الرمضانية لن تنتهي إلا إذا أريق حول جوانبها الدم.
لا يبحث جمهور المباريات الرمضانية عن متعة كروية افتقدها في الدوريات الرسمية، فهمه الوحيد «قتل» الوقت دون نية إحداثه، أما المتعة فتستورد عن طريق الفضائيات من الملاعب الأوربية. لذا سيكون من العبث إجراء مباريات رمضانية للكرة بدون متفرجين.
لولا هدوء مدينة شفشاون لما توقفنا عند شغب الكرة في يوم رمضاني، ففي المدن الكبرى يرابط آباء وأولياء المدانين في ملفات عنف الكرة أمام المحاكم، هناك تتصيدهم صحافة «الميكرو طروطوار»، لتسلبهم تصريحات دامعة وملتمسات بالإفراج ودعوة بالحرية في هذا الشهر الفضيل، وقبل الانصراف تجفف منابع دموعهم الساخنة.
كلما توقف دوري رمضاني ارتفع مؤشر الترمضينة في باقي دروب المدينة، وتحول التلميذ المشاغب من سارق أقلام إلى زارع ألغام.