شوف تشوف

الافتتاحية

ترجمة النموذج التنموي

أسدل الستار، أول أمس بالقصر الملكي بفاس، على التقرير النهائي للنموذج التنموي، الذي سيؤطر السياسات والقرارات والبرامج والتدابير العمومية، خلال عقد ونصف العقد المقبل. لقد بدا واضحا من خلال مضامين التقرير الذي قدم إلى الملك أن النموذج الحالي وصل إلى درجة الإشباع، وأصبح غير قادر على مسايرة الطلب المتنامي في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
بدون شك أن إعداد وثيقة مرجعية بمواصفات عالية وبمنظور شمولي تؤطر نموذجنا التنموي، يبقى إنجازا كبيرا، لكن ليس هدفا في حد ذاته، بل المهم أن يتحول إلى سياسات عمومية تصل إلى موائد وجيوب وصحة وتعليم المواطن، والأهم من ذلك هو من سيتكلف بتطبيق النموذج التنموي، وإيصال خيره ونفعه العام إلى المواطن البسيط في المداشر والجبال والقرى ودور الصفيح، والمستشفيات والمدارس. ويبقى التحدي المنتظر هو مع من سيعمل الملك على تنزيل هذا النموذج؟ وهل الأحزاب والمؤسسات الدستورية بوضعها الحالي قادرة على إنجاح هذا الورش الاستراتيجي؟
لا أحد ينازع بأن النخبة الحالية على المستوى السياسي والإداري والاقتصادي، تتحمل جزءا من المسؤولية مما آلت إليه الأوضاع اليوم، وبعض تفاصيل التقرير كانت واضحة وصريحة، حينما عبرت بما لا يدع مجالا للشك أن لا شيء ينتظر من القادة السياسيين، وللأسف فإن جزءا كبيرا من هاته النخبة في غياب دوران طبيعي داخلها وتعطل مصاعد تدوير القيادة داخل الأحزاب والنقابات هي من ستتحمل مسؤولية التنزيل، والتخوف أن نعود إلى السباحة مرتين في النهر.
في كثير من المحطات المفصلية في حياة الدولة المغربية ظلت الملكية تقوم بدورها الاستراتيجي في الإشراف على الاختيارات الكبرى للدولة بمنطق تشاركي، كما حدث مع تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية ووضع الدستور، والآن مع النموذج التنموي الذي يضع تصورا لتحديث الرؤية والخطة الاستراتيجية بالتركيز على استشراف المستقبل، وتبني المشاريع الاستراتيجية الداعمة للاقتصاد والاجتماع ومواكبة التوجهات العالمية والمستقبلية، لكن المعضلة كما عبر عنها التقرير ذاته، هي عدم التناسب في الإنجاز بين الطموحات والواقع، ويقع حينما يتحول مشروع دولة إلى لعبة أطفال تستغل في صراعات سياسية وحزبية وانتخابية ضيقة.
ولترجمة هذه الرؤية الملكية المليئة برسائل التفاؤل والأمل وبناء الثقة في المستقبل إلى واقع ملموس، فإن هذا الطموح لا يخلو من رغبة في تحقيق قطيعة فعلية مع الماضي بوجوه جديدة، ونماذج سياسية واقتصادية ذات كفاءة ومصداقية ووطنية صادقة من أجل مغرب متكافئ، لا خيار أمام تحدي النجاح سوى تحقيق قطائع مع النخب المستهلكة والأحزاب المهترئة وتدابير الترقيع وخطاب العدمية والتبخيس وازدواجية الأقوال والأفعال، فصياغة المستقبل والاستعداد له معركة شاقة ومجهود جبار، يبدأ باختيار مع من سيعمل الملك لمغرب أفضل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى