شوف تشوف

الرأي

تخليدا لنهاية سنة أخرى

 

بريكي

لقد كانت سنة غريبة بالفعل، أقف على أعتاب نهايتها مشدوهة باسمة. كم قلبا نحتاج لتقبل كل هذه التقلبات، وكم صديقا ستتحمل أكتافهم رؤوسنا المثقلة بالحياة.
لقد صار من الواجب علينا تحمل ما لا نطيق، كيف؟ وحتى متى؟ لا أحد يعلم.
أراقب نجاة – اسم غير حقيقي- تقاوم
الموت وتتشبث بالآلات والأطباء. تنظر إلي وتحاول إخراج الحروف من فم يخترقه أنبوب مثبت بإحكام يسمح لها بالتنفس، أنبوب يبقيها حية. أعرف جيدا ما تريد، الماء. أضع يدي على رأسها وأطلب منها أن تهدأ. لا ماء الآن، تنفسي جيدا أرجوك.
لا تكف عن طلبها،
فأحاول إلهاءها بدعوة ابنها لتراه. كم يصبح الود رائعا على حضور الألم. بعض المرضى يتحولون لعائلة رغم محاولاتك اليائسة في التجرد من المشاعر تجاههم. كم روحا تحتاجها لتحمل أوجاعهم فوق أوجاعك؟
القلم بيدها لكي تكتب ما تريد، تريد الليمون والإجاص. أضحك وأشد على يدها فتحكم قبضتها علي. الوعود تنهال من فمي كسيل جارف بالليمون والإجاص وكل أنواع الفواكه. تماسكي فقط وتنفسي ولك بستان فاكهة طرية. عيناها العسليتان تحدقان داخل أحداقي، فأحاول التخفيف من حدة نظراتها ممررة يدي على جبينها برفق. تنجح خطتي وتغمض نجاة عينيها كطفلة أنهكها الزكام.
السنة تسابقني وتسبقني، تخطف الطيش وتمنحني خصلا بيضاء. مشكلة السنوات أنها تحرمك حقك
في الطيش والعته. أنت الآن ناضجة رغما عن أنفك الصغير، لا مكان لهلوسات المراهقة ولا لغراميات مرحة عابرة. الجد والمسؤولية قدرك في عالم الكبار، والسنوات المتعاقبة فوق رأسك تجرك جرا لأن تأخذي مكانك بينهم وتربطي حزام الانضباط بين صفوفهم العريضة. كم روحا حالمة فقدناها في عالم الكبار؟
خالطت الموت
كثيرا هذه السنة، أنهكني وأضحكني. كان رحيما في حالات كثيرة وفظا غليظا في حالات أخرى. نجاة لا تستحق الموت، تستحق الحياة. تستحق بستان الفواكه الذي تطالب به، تستحق التحرر من أنابيب الإنعاش التي تخرج من كل جسمها المتكدس. تستحق العودة لبيتها رفقة زوجها وابنها. الأمهات كلهن لا يستحققن الموت، كان يجب أن يخلدن إلى ما لا نهاية. كم دمعة تكفي لبكاء أم ميتة؟
على أبواب سنة
أخرى أواصل فيها مغامرة الحياة مازلت أبحث عن الأمل في قطة تتقرب مني رغم تجاهلي المتواصل لموائها، في رضيع يجلس أمامي يبتسم لي غير آبه برأيي في أمه البغيضة. في رسم دقات القلب وحقن المهدئات، أبحث عنه عند ممرضة تترك رضيعها لتهتم برضيع امرأة أخرى ينافس التشوهات الخلقية التي أهدتها له الحياة.
الأيام الأخيرة في سنتي هذه تعاملني بصرامة زائدة، لا أعلم إن كانت تُعدني لشيء أكبر أم
تعاقبني على ما فات أم أنها لا تكترث لا بي ولا بغيري.
أبحث عن الأصدقاء لأتوارى خلف عواطفهم، ولأقتبس من فرحهم شيئا يحيي البهجة النائمة بداخلي، أبحث عن التائهين لنتعثر معا ونقف معا ونسخر معا. أبحث عني في دموع المعذبات في الحب وفي كبرياء المقهورين بالأمل وفي حديث المنهكات بالأمومة.
أبحث عن الحب في الشوارع المبللة والإشارات المنطفئة والمآذن الصامتة، في بوح السكارى وصدق المنهزمين. في الشموع الثائرة بوجه السواد والموسيقى الخفيفة التي تخترق ثقل الصمت.
أبحث عن سنة أكثر هدوءا وأقل تراجيديا. أكون فيها ابنة جديرة بالحب وصديقة جديرة بالوفاء، وحبيبة جديرة بالاهتمام. أعاند القدر فيها بشكل أقل ويحالفني الحظ أكثر مما اعتاد. أنهي رحلات توقفت بمنتصفها وأفكارا تركتها معلقة بين قلبي وعقلي ومعتقدات هربت من تحديد موقفي منها لسنوات.
أراقب نجاة، نبضها وتنفسها، خديها المتوردين وشعرها الأبيض. تشير لي أن تعالي، تطلب الهاتف فأضع يدها على لوحة المفاتيح ثم تكتب رقما وتشير لي أن اتصلي به. أتصل ليجيبني زوج متردد، يرعبه صوت طبيبة يمكن أن يحمل خبرا موجعا. زوجتك تريد رؤيتك ! لا تتأخر.
يأتي مسرعا نحو حبيبة قديمة شابا
معا، تصارع من أجل البقاء وكل مطالبها زوج وإجاصة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى