حسن البصري
حين كان المغاربة يستمتعون بسخاء لاعبي المنتخب المغربي وهم يمطرون شباك منتحب ليسوتو مثنى وثلاث ورباع وسباع، كان مصطفى الزاهي والد لاعب الفريق الوطني “ماسينا” يتابع المباراة من مدرجات الملعب الشرفي بوجدة وهو ينفث دخان سيجارته وعيناه لا تفارقان حركات وسكنات ابنه آدم، حين يستوي في جلسته على كرسي البدلاء أو حين يدعوه الناخب وليد لوجبة إحماء أو عندما تلمس أقدامه الكرة..
ما أن علم الزاهي وهو الأب البيولوجي للاعب الدولي آدم، بعودة ابنه لصفوف المنتخب المغربي حتى شد الرحال إلى المغرب، أملا في لقاء فلذة كبده ومصافحته عن بعد والتملي بطلعته الكروية البهية.
لم يكتب للوالد أن يصافح ابنه أو يعانقه أو يضمه إلى صدره، لسبب بسيط هو الجفاء الذي ميز علاقة الزاهي بآدم منذ أن توفيت أمه وأحالته أخصائية اجتماعية على أسرة إيطالية، على سبيل الإعارة، تعهدت برعاية الولد وشقيقه، مع إمكانية إطلالة أسبوعية من الوالد.
جمعتني جلسة استماع مع الزاهي “الأب البيولوجي” للاعب المنتخب الوطني “ماسينا”، أعاد فيها عقارب الزمن إلى سنة 1994، تاريخ ميلاد آدم بمستشفى الحسن الثاني بمدينة خريبكة، والأيام الجميلة في كنف أسرته التي هاجرت إلى بولونيا الإيطالية والعطل الصيفية في المغرب، وعشق الولد للاسفنج والشباكية، قبل أن يختطف الموت زوجته ويصبح مسؤولا عن تربية ابنيه.
تشعر وأنت تتحدث إلى الوالد، كأن عبوة ناسفة تسكنه، يمتلكك شعور بالأسى وأنت تحاول مساعدته على تقليص حدة الضغط الذي يسكنه. فاسم “ماسينا” المكتوب في أعلى ظهر قميص المنتخب الوطني ونادي تورينو الإيطالي يستفزه حد الغثيان.
“كيف يحمل ابني اسم “ماسينا” على ظهر قميص منتخب بلادي؟ لماذا لا يستبدله بقميص يحمل اسم “آدم الزاهي”؟
يقول الوالد وهو ينفث زفيرا من دواخله ويصادر مصادر الدمع في عينيه.
من هو “ماسينا” إذن؟
هو اسم الرجل الإيطالي الذي تسلمه من الأخصائية الاجتماعية، على سبيل الإعارة، كي يرعاه إلى أن يعيد والده الزاهي ترتيب حياة جديدة ويوفر ظروف تربية ابنيه.
لذا سارع الزاهي إلى الزواج من شابة مغربية، وأعاد ترتيب حياته على نحو جديد، وتقدم بطلب للمصلحة الاجتماعية من أجل استرجاع ابنيه من جزيرة “ماسينا”، لكن يبدو أن الزوجة كانت تريد الزوج الأعزل وليس لها استعداد لتربية “ربيبيها”.
في تقريرها كتبت الأخصائية الاجتماعية الإيطالية، “إن الوضع في عائلة الزاهي غير مستقر”، ولم تساعد الوالد على انتشال ولديه من مبشرين يتربصون بهما ويطمسون كل يوم هويتهما ودينهما ويقطعون ما تبقى من خيوط جذورهما الخريبكية.
عندما سئم الزاهي “مونوطونية” الانتظار، وبيروقراطية مساطر فك العزلة وتخليص ابنيه من عائلة تلعب دور “العائلة البديلة” وترسم صورة قاتمة عن مغاربة “الطليان”، بحث عن نصف فرصة للقاء ابنه في معسكر المنتخب الوطني، في وجدة وسلا وفي أي مكان، لكن لبوابة المعسكر حراس لا يرفعون الحاجز إلا لمن يحمل تأشيرة العبور.
لو لجأ الزاهي إلى قارئة فنجان لما عثر عن جواب للجفاء الوجداني الذي يرمي به في عتبة النسيان، “لكن سماءك ممطرة وطريقك مسدود”. لو طرق باب العرافين لتبين أن آدم مفقود وحبل “ماسينا” مشدود إلى ثقافة أخرى وأسلوب حياة آخر.
لا تملك الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مصلحة اجتماعية تعالج القضايا الاجتماعية للاعبي الفريق الوطني بجميع فئاته، ففي معسكر المعمورة عشرات من “ماسينا” و”الزاهي” وممن يركضون خلف الكرة وعقولهم مثقلة بالنكسات.
عاد الوالد إلى أوربا مكسور الوجدان، وقبل السفر اقتنى قميصا للمنتخب الوطني طبع في أعلى ظهره اسم “آدم الزاهي”، ومزق بعنف مخطوط “ماسينا” الدخيل.