شوف تشوف

الرأيالرئيسية

تحالف «أوكوس»

كشفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، الشهر الماضي، عن خطة لبناء أسطول جديد من الغواصات العاملة بالطاقة النووية، بعد 18 شهرا على توقيع ميثاق «أوكوس». وبينما كان الرئيس بايدن يستضيف رئيسي وزراء بريطانيا وأستراليا، بقاعدة سان دييغو البحرية، كان مسؤول من وزارة الدفاع الأسترالية يكشف لوسائل الإعلام الأوروبية أن برنامج الغواصات العاملة بالطاقة النووية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قد تصل كلفته إلى 368 مليار دولار أسترالي (245 مليار دولار أمريكي) على مدى الثلاثة عقود المقبلة، ليكون بذلك أكبر مشروع دفاعي في تاريخ أستراليا. ويُنظر إلى هذا الاستثمار باعتباره خطوة مهمة لمواجهة تطوير الصين لقواتها البحرية في المحيط الهندي، عبر تزويد أستراليا بغواصات هجومية تشتغل بالطاقة النووية. وفي إطار الاتفاقية نفسها، وافق البنتاغون على بيع ما يصل إلى 220 صاروخ «توماهوك» بكلفة 1,3 مليار دولار في صفقة ستشمل كذلك دعما تقنيا.

روسيا وصفت الاتفاقية بأنها تمدد للبنية التحتية العسكرية لحلف «الناتو» إلى آسيا، في حين وصفتها وزارة الخارجية الصينية بأنها تمثل «عقلية الحرب الباردة»، مضيفة أنها «خطوة تفتح برميل بارود، وستؤثر بشكل خطير على السلام والأمن الإقليمي والعالمي».

صفقة الغواصات النووية الأسترالية من المتوقع إكمالها خلال العقود الثلاثة المقبلة، وفق خطة من أربع مراحل. ففي المرحلة الأولى، ستبيع الولايات المتحدة إلى أستراليا ثلاث غواصات مستعملة تشتغل بالطاقة النووية من فئة «فرجينيا»، خلال أوائل الثلاثينيات، مع إمكانية شراء أستراليا لغواصتين إضافيتين إن لزم الأمر. وتصاحب ذلك مبادرة أمريكية بريطانية مشتركة لبناء الغواصات، إلى جانب جهود لتدريب البحارة الأستراليين. وفي المرحلة الثانية، سيستمر العمل بخصوص التصميم والتطوير الخاصين بغواصة جديدة، تسمى «إس إس إن – أوكوس»، بهدف استبدال غواصاتها من فئة «أستوت». وستشرع أربع غواصات أمريكية وغواصة واحدة بريطانية في الانتشار عبر غرب أستراليا بشكل متناوب بحلول عام 2027، وستعرف بـ«قوات الغواصات المتناوبة غرب». أما المرحلة الثالثة، فستشهد نقل غواصات «إس إس إن» من فئة «فرجينيا» إلى أستراليا، بموجب اتفاق يقضي بأن تستثمر كانبيرا في قطاع بناء السفن في الولايات المتحدة. وبحلول المرحلة الرابعة، سيتم تسيير غواصات من فئة «أوكوس» من قبل كل من المملكة المتحدة وأستراليا، باستخدام أنظمة قتالية أمريكية، حيث سيتم بناء غواصة كل عامين، من أوائل الأربعينيات إلى أواخر الخمسينيات.

ووفقا للرئيس بايدن، فإن «أوكوس لديها هدف رئيس واحد هو: تعزيز استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وسط ديناميات عالمية سريعة التحول». وستقوي الشراكة الأمنية العسكرية التعاون بين البلدان الثلاثة في المجال الأمني. وحالما تكتمل قدرات أستراليا الخاصة بالغواصات العاملة بالطاقة النووية، ستنضم إلى القوات التي تعمل في غواصات الدفع النووي في المنطقة، مثل المملكة المتحدة والهند وفرنسا والصين وروسيا. وهكذا، تشكل «أوكوس» مكونا حيويا ضمن الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، مع تركيز عسكري قوي.

عدد من المراقبين السياسيين والعسكريين ينظرون إلى هذه الاستراتيجية باعتبارها سيرا في طريق محفوف بالمخاطر ومخاطرة تنذر بسباق تسلح جديد. وفيما يبدو ردا عليها، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، أخيرا، أن بلاده ستسرع زيادة إنفاقها الدفاعي، وأشار إلى الأمن القومي باعتباره مصدر القلق الرئيس خلال الأعوام المقبلة. والواقع أن أستراليا كانت على الدوام تواجه اختيارا اقتصاديا صعبا مع الصينيين، لكن هذه الاتفاقية تضع أستراليا على الخط الأمامي للتنافس الأمريكي الصيني. وبإمكان المرء توقع أن يسهم اتفاق الغواصات في خدمة المصالح الأسترالية في الدفاع عن نقاط الاختناق الرئيسة، والمساعدة على القيام بدوريات في غرب المحيط الهادئ وشرق المحيط الهندي. المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية دعا في بيانه البلدان الثلاثة إلى الكف عن اتباع سياسة المحاور، والامتناع عن إجبار الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الموافقة على صفقتها المتعلقة بالغواصات النووية. كما أشار إلى أن من شأن أجندة «أوكوس» تعطيل التعاون الإقليمي بين بلدان «آسيان»، من خلال إضعاف جهودها الرامية إلى إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب شرق آسيا.

وتعد البلدان الثلاثة أعضاء نشطين في مجموعة تقاسم المعلومات الاستخباراتية «خمس أعين». وإلى جانب «الرباعي» والتغييرات في استراتيجية اليابان الأمنية وصفقة «أوكوس»، يبدو أن هناك كتلتين قويتين أخذتا تظهران في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وهناك ثغرة في اتفاقية حظر الانتشار النووي لعام 1968 تسمح بإعفاء الوقود النووي الذي يستخدم استخدامات عسكرية غير متفجرة، مثل الدفع البحري، من عمليات تفتيش الوكالة الدولية. وقد مكنت هذه الثغرة من إبرام اتفاق «أوكوس». وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت، أخيرا، أنها ستفحص استخدام الوقود في وحدات الطاقة المغلقة للتأكد من أنها لا تتعارض مع التزاماتها بشأن حظر الانتشار النووي. لكن بالنظر إلى امتلاك سبعة بلدان حاليا لهذه القدرات الخاصة بالغواصات، فقد لا يكون التحقق على أساس كل حالة على حدة ناجعا وفعالا على المدى الطويل.

ذكر الرحمن 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى