أحد الأمراض القاتلة التي أصبحت تودي بحياة المغاربة بشكل متزايد هو السرطان الذي يخطف سنويا حياة 40.000 مغربي ومغربية، وخصوصا سرطان القولون، والمتهم الأول في نشوء هذا المرض هو المواد الغذائية الخارجة عن أية مراقبة والتي حددتها ONSA على مستوى اللحوم مثلا في كون حوالي 45 بالمائة منها مجهولة المصدر.
ثم هناك الجشع الذي يدفع مربي الدجاج مثلا إلى حقن طيورهم بمواد كيماوية لزيادة وزنها في ظرف قياسي، ثم إخراجها للبيع دون احترام الآجال القانونية.
أضف إلى ذلك حقن العجول والأبقار بكل تلك الهرمونات التي تسمنها ومنها هرمونات محظورة أوروبيا بسبب تأثيراتها المرضية على صحة المستهلك.
ويبقى السرطان الأكبر الذي يهدد المغاربة هو استعمال مواد كيماوية محظورة أوروبيا في القضاء على الحشائش الضارة في الحقول.
وقبل أسبوعين أتلفت المصالح البرتغالية شحنة من الخيار المغربي بسبب كمية المبيدات المرتفعة المتواجدة فيه والتي تفوق الحد المسموح به. وفي تارودانت دخلت عائلة كاملة في غيبوبة بالمستشفى خلال رمضان بسبب الفراولة.
خلال شهر شتنبر 2020، وبمجرد صدور تقرير خطير لمنظمتي «غرينبيس» (green peace) و«بابليك آي» (Public Eye) حول تصدير أطنان من المبيدات الخطيرة إلى 85 دولة بالعالم، من بينها المغرب، على الرغم من أنه تم منع تسويقها بأوروبا، نشر المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، الجهاز الحكومي المكلف، بالإضافة إلى مراقبة المنتجات الغذائية وحماية الصحة الحيوانية والنباتية، بالترخيص للمبيدات الفلاحية والأدوية البيطرية، بلاغا صحفيا يطمئن فيه الرأي العام الوطني.
وكشف المكتب ساعتها أن واردات المغرب من المبيدات الزراعية لا تمثل سوى 2 ٪ من إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي، وأن القطاع الفلاحي المغربي معني بـ8 مواد فعالة فقط من بين 41 مادة فعالة واردة في التقرير المذكور، حيث تم سابقا سحب أربع منها من السوق الوطنية Propargite، Atrazine، Carbendazime وAcetochlo في حين برمج أونسا مراجعة كل من paraquat و1.3 Dichloropropene، و Cynamide (H&CA cynamide)، وtriasulfuron خلال سنة 2021.
إلى هنا تبدو الصورة وردية، لكن الحقيقة أن هذه المواد الفعالة الثمانية التي جاءت ضمن تقرير المنظمتين ليست المواد الوحيدة التي منعت في الاتحاد الأوربي أو تمت مراجعتها بعدما كشفت الدراسات العلمية بأنها قد تشكل خطورة على صحة الإنسان، بل هناك مواد فعالة أخرى تدخل في تركيبة المبيدات الفلاحية تم منعها أيضا في دول الاتحاد الأوربي لمخاطرها الصحية المحتملة، مثل الفشل الإنجابي واضطراب الغدد الصماء أو السرطان، أو للمخاطر البيئية المتمثلة في تلوث المياه الجوفية، لكنها للأسف ماتزال مرخصة للاستعمال في المغرب ويتعلق الأمر بالعشرات.
نعم عشرات المواد التي تتدخل في تركيبة مبيدات ممنوعة في أوروبا لازالت مرخصة في المغرب، وبالضبط 37 مادة فعالة بالإضافة إلى المواد الأربع التي جاءت في التقرير الدولي لمنظمتي غرينبيس وبابليك أي. وبالتالي فإن العدد الإجمالي للمواد التي تحتاج بلادنا إلى منعها على وجه السرعة هي 41 مادة فعالة، أي ما يعادل 300 مبيد زراعي.
في نهاية شهر دجنبر 2020 سيخبر المكتب الوطني للسلامة الصحية الشركات المغربية المستوردة للمبيدات الزراعية ببرمجة 31 مادة فعالة للمراجعة بالإضافة إلى العشر التي سبقت برمجتها للتداول بشأنها خلال دورة مارس 2021، حتى تتوقف هذه الشركات عن استيراد كميات جديدة من المبيدات التي تدخل في تركيبتها هذه المواد الفعالة المزمع مراجعة تراخيصها.
وبرمج المكتب أربع دورات خصصت خلال سنة 2021 من أجل مراجعة التراخيص الممنوحة لمجموعة من المبيدات، حيث سيقوم المكتب خلال هذه الاجتماعات بعرض التقارير حول هذه المواد الفعالة على اللجنة الوزارية التي ستقرر وفق ذلك إما سحب الترخيص للمواد الفعالة أو تقييد استعمالها.
الغريب هنا هو أنه وبمجرد إعلان المكتب نيته منع هذه المبيدات المحظورة أساسا في أوروبا من خلال برمجتها للمراجعة حتى بدأت اللوبيات تتحرك لتضييق الخناق على المكتب الوطني للسلامة الصحية من أجل التراجع عن قيامه بواجبه في حماية صحة المواطن المغربي من خطر المبيدات، وهنا نتحدث عن “اتحاد كروب لايف المغرب” croplife maroc العضو في كروب لايف انترناشونال croplife international، وهو بالمناسبة اتحاد دولي للشركات العاملة في مجال تصنيع منتجات المبيدات الزراعية وهو مدعوم من أكبر وأهم الشركات المصنعة في هذا المجال.
ويعتبر هذا التجمع المهني الأكبر والأقوى من نوعه في المغرب، حيث يستحوذ “كروب لايف المغرب” على 70 في المائة من سوق المبيدات الكيماوية بالمغرب.
على البرلمان أن يستيقظ من نومه وأن يقف سدا منيعا أمام ترويج هذه المواد الخطيرة التي تسمم المغاربة، كما أنه على جميع جمعيات حماية المستهلك التحرك من أجل حماية المواطنين من تغول مستوردي المبيدات الفلاحية. وإذا كان المدير التنفيذي في كروب لايف المغرب يعتبر في إحدى المراسلات بأن جمعيته تحتفظ لنفسها بالحق في الدفاع عن مصالح منخرطيها فعليه أن يعلم أن 40 مليون مغربي يحتفظون لأنفسهم بالحق في الدفاع عن صحتهم، وندعو البرلمان إلى التسريع بإخراج مشروع القانون 18-34 الذي يسعى لضبط أفضل للمبيدات الزراعية ويفرض على بائعيها الحصول على الترخيص من طرف ONSSA بهدف ضبط طرق بيع وتوزيع المبيدات التي تعتبر الحلقة الأضعف حاليا في المنظومة المعتمدة، وليس تشجيع البيع في الأسواق كما دعا المدير التنفيذي لكروب لايف المغرب في أحد البرامج الإذاعية. فالمبيدات الكيماوية مثلها مثل الأدوية، والأدوية غير مسموح لها بأن تباع خارج الصيدليات، والأمر نفسه يجب أن يطبق بصرامة على المبيدات حتى يتوقف بيعها أينما اتفق.