تبون وسياسة الهروب إلى الأمام
ليس هناك أي مؤشر على المدى القريب يبشر بتوقف رئيس الجمهورية الجزائرية في خرجاته الإعلامية عن صناعة السخرية وإنتاج خطاب يقترب من فن الكوميديا، بسبب ترديده لكلام مضحك لا يمكن أن يستوعبه هو نفسه، فالأحرى أن يقبله العقلاء من رجال الدولة.
كنا ننتظر من الرئيس تبون أن يتحلى بالجرأة الكافية للرد على مبادرة اليد الممدودة التي أعاد إطلاقها ملك المغرب، والتي تروم فتح صفحة جديدة بين البلدين الشقيقين، لما فيه مصلحة شعبيهما.
لكن الرجل الأول في قصر المرادية فضل ممارسة سياسة الهروب إلى الأمام، وخرج يقول في مقابلة إعلامية باهتة، إن بلاده واحدة من ثلاثة بلدان إفريقية هي الدول المحورية في القارة، إلى جانب جنوب إفريقيا ونيجيريا، وإنها سبب دخول الصين إلى مجلس الأمن، وإنها ناطقة باسم ثلث البشرية، وإنها المؤثر الأول في قرارات الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية.
لا ندري حقيقة المعايير التي اعتمدها تبون لإدراج دولته ضمن الدول الثلاث الكبرى بالقارة الإفريقية، ولا نظن أن هناك دولة أو منظمة دولية أو مؤسسة مالية أو وكالة تنقيط مرموقة، يمكن أن تنخدع بهذه التصنيفات الهزلية والسخيفة التي يراد بها أهداف أخرى. فالعالم اليوم يحدد أهمية الدول وهيبتها ونفوذها في قدرتها على مواجهة جائحة «كوفيد- 19»، واستراتيجية تدبيرها للوباء وتوفيرها اللقاح لمواطنيها. وكان على الرئيس الجزائري قبل أن يدخل في متاهات الدعاية السوداء، أن يطلب من محيطه بعض المعطيات حول نسب التلقيح ومعدلات التطعيم في دول إفريقيا، ليدرك بما لا يدع في قلبه ذرة شك، أن المغرب دولة متفوقة وناجحة على دولته في مواجهة الجائحة، ونالت شهادة اعتراف بشهادة العالم.
وبلغة الأرقام فإن حملة التطعيم الجماعي بالمغرب ناهزت 15 مليون شخص، في المقابل تلقى التلقيح بالجزائر منذ انطلاق عملية التلقيح مليونان ونصف المليون شخص، تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح، في حين بلغ عدد الملقحين بالجرعة الثانية أقل من مليون. وفي الوقت الذي اقتنت الدولة الجزائرية إلى حدود اليوم أزيد من 9 ملايين جرعة لقاح، فاق نصيب المغرب من اللقاح المتوصل به 25 مليون جرعة.
لكن الرئيس الجزائري كعادته لا تهمه الحقائق المدعمة بالأرقام، بل يحاول دائما صرف النظر عن المشاكل الداخلية التي تعيشها بلاده، بتعليق أسبابها على شماعة المغرب، لتغطية عجزه المزمن عن تدبير شؤون دولته والاستجابة لمطالب حراكه الشعبي الذين ناهز السنتين، وهذا أمر مألوف أن تلجأ الأنظمة المأزومة لسياسة الهروب إلى الأمام للالتفاف على أزمتها.
فالرئيس الجزائري ومحيطه العسكري يتقنون التهرب من الوقوف وجها لوجه أمام الأزمات الداخلية، ووضع الحلول الناجعة لها، ويفضلون بدل من ذلك اللعب بأوراق الصراع الإقليمي المفتعل على حساب أولوية الاهتمام بالوضع الداخلي، ولذلك فهذا النظام لا يمكن أن تتوقع منه الكثير، لأنه لا تهمه الحلول السياسية التوافقية ولا تغريه المصالحات وفتح الحدود بين جارين، لأن ذلك لا يخدم مصالحه السياسية، فهو مطمئن لما أنتجه من وفرة العداء والكراهية تجاه المغرب وتسويق سردية العدو مصدر الشرور، عساه يبقى متحكما في دواليب السلطة في غياب أي شرعية ديمقراطية أو مشروعية مرتبطة بالإنجاز .