تاء التأنيث المُغيَّبة
لا توجد، في ما يناهز الأربعين مليون نسمة التي أحصتها المندوبية السامية للتخطيط، ولا في ما يناهز الأربعين حزبا «المتبارية» على مقاعد الجهات، امرأة واحدة يمكن لها أن تترأس جهة من جهات المملكة الحديثة والحداثية. هذا ما تبينه الخريطة الجهوية «المُشَوْرَبَةُ» (من الشارب) التي أفرزتها انتخابات هذه السنة بما شابها من توافقات وتسويات وتآلفات وحتى صفقات.
المثير في الأمر هو كل اللغط الممجد لحضور المرأة ولإلزامية إشراكها في الشأن السياسي وكل المزايدات المعقولة وغير المعقولة التي شنفت بها أحزابنا آذاننا خلال العشرية الأخيرة، وبجرعة أكبر قبيل الاستحقاقات الأخيرة. يتضح الآن أن تمثيلية النساء لا تعتبر أكثر من حطب لصناديق الاقتراع، مجرد تكملة عدد أو نسب صورية تشي باحترام شكلي لمبادئ «الكوطا» و«الموضة» إشراك النساء في العمل السياسي. والحقيقة أن الأمر لا يتعدى أن يكون مجرد استعمال لتاء التأنيث استعمالا رقميا دون أية نية في تبويئها منصبا من مناصب التسيير أو المسؤولية.
يعزو البعض تغييب النساء عن رئاسة الجهات (وحتى عن الترشح لها) إلى أزمة نخب نسائية داخل الأحزاب، والحقيقة أن هذا التبرير يدفع للضحك وللتساؤل هل ما تقدمه لنا الأحزاب من «أيقونات» ذكورية يمكن اعتبارها نخبا سياسية؟ طبعا لا، فباستثناء خلودها على المكاتب التنفيذية وإتقانها لعبة أخذ الأماكن لعقود متوالية، لا يمكننا أن نعترف للكثيرين بأي نوع من الأهلية التدبيرية والقيادية والسياسية، اللهم إلا امتلاك آليات التواصل العبثي وميكانزمات الخطاب السياسي العادم الأجوف.
يطرح هذا التغييب الممنهج ملفا مهما للنقاش، وهو أزمة الأحزاب في التعامل مع المرأة، فما دمنا نتوفر على الكثير من الآليات القانونية والهيآت التي توهم بتبني مملكتنا الحديثة لمبادئ المناصفة والمساواة، ينبغي أن نفهم أولا كيف أن نسبة الترشيحات النسائية بالكاد تتجاوز نسبة العشرين بالمائة، ثم ثانيا كيف لأحزاب تقف قواعدها (وليست قممها) على انخراط النساء ونضالهن وجهودهن دون أن ينعكس ذلك في تمكينها من مسؤوليات الشأن العام؟ طبعا لا يمكن هنا الوقوف في محطة الانتخابات الأخيرة فقط ولا يمكن الادعاء أيضا أن تغييب النساء مرده تراجع اكتساح أحزاب اليسار لأن هذه الأخيرة لم تصنع أفضل في انتخابات سابقة، لكن يمكن الجزم بأن كل الأحزاب لا تزال تتعامل مع المرأة بشكل فيودالي ممتص لجهودها ولكفاءتها ولتعطشها لخدمة هذا البلد.
إن تغييب المرأة بهذا الشكل المكشوف لا يضع الأحزاب المغربية في حالة خصام مع المرأة فقط، بل يضعها في حالة خصام مع الديمقراطية، وفي حالة استغلال بَيِّن لـ«بياض» صحف النساء ومصداقيتهن والثقة التي يتمتعن بها لاستدرار الأصوات. وهو ما يمكن أن نعتبره ميكيافيلية خبيثة بتقنيات نصب قانونية.