شوف تشوف

الرئيسية

«بييريت».. أرملة المسرحي التي استجاب الملك لملتمسها فأطلق اسم «عفيفي» على مسرح الجديدة

حسن البصري
ولد محمد سعيد عفيفي سنة 1933 بالدار البيضاء، وعرف عنه في طفولته تميزه في تجويد القرآن الكريم، إذ كان يفتتح الحفلات بترتيل آيات بينات من الذكر الحكيم ويختتمها بعرض مسرحي فردي أو ثنائي أو جماعي، لذا فقد لفت إليه الأنظار مبكرا بميولاته المتنوعة التي حولته وهو تلميذ إلى طالب كامل الأوصاف. فهو الشاعر في المناسبات الوطنية، الرسام المميز، العازف الموهوب والمجود البارع، ثم الممثل الكفء الذي اجتمع فيه ما تفرق في غيره من زملاء الفصل الدراسي.
استحق في شبابه لقب «الممثل العصامي»، وانفتح على تجارب المسرح العالمي من خلال اطلاعه المعمق على المسرح الفرنسي والياباني. وحين التحق بمعسكر تدريبي بالمعمورة في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، إلى جانب الطيب الصديقي وأحمد الطيب لعلج وحسن الصقلي والعربي الدغمي، لفت عفيفي الأنظار إليه بتميزه وتنبأ له الجميع بمستقبل باهر فوق الخشبة.
لكن الرجل لم يتقيد بأبي الفنون ولم يتمرد عليه، حيث اقتحم عوالم السينما والتلفزيون مبكرا، وتحول من ممثل إلى مخرج في كثير من المحطات، لكنه برع أكثر في الاقتباس والتأليف والقدرة على مغربة الكثير من الأعمال الأجنبية الفرنسية والروسية. ناهيك عن تألقه كمنشط إذاعي بمحطة «إم إف إم»، لكن رفاق دربه يجمعون على تميزه في الشق النظري البيداغوجي، خاصة حين أصبح مشرفا على فرقة مناجم جرادة ومؤطرا لتداريب وطنية حول تقنيات المسرح ثم مديرا للمسرح البلدي بالجديدة.
خلال زيارته لفرنسا وتحديدا لمدينة أفينيون سنة 1964 حيث خضع لدورة تكوينية في المسرح، التقى الفنان المسرحي بطالبة الفن المسرحي التي كانت تدعى ماري بيريت قبل أن يحدث تعديل على اسمها، وتصبح بعد اعتناقها الإسلام كريمة عفيفي، وفي السنة نفسها قررا الزواج، لأن المسرح هو القاسم المشترك بينهما.
قالت كريمة، عن هذه اللحظة التاريخية في حياتها: «كان عمره يزيد بقليل عن الثلاثين سنة، وكنت أصغره ببضعة أعوام، لكن السن ليس مشكلة، الأهم هو أنني أعجبت به من أول نظرة، وحين عاينته فوق خشبة المسرح آمنت بأنني أمام رجل استثنائي، عملت على مساندته خلال فترة عصيبة من حياته في فرنسا وفي المغرب، ظلت يدي ممدودة إليه إلى أن مات وكفي ملتصق بكفه».
رافقت بييريت زوجها عفيفي في محطاته المهنية، وانتقلت معه إلى أقصى الشرق في مدينة جرادة، وعايشت حياته في كنف دكالة حين كان مديرا للمسرح البلدي بالجديدة، كما كانت بوصلته كلما سافر إلى فرنسا، وظل على امتداد ارتباطهما الزوجي يصر على مناداتها «أوبرييت» عوض «بييريت».
بفضل زوجته قدم عفيفي جولة مسرحية في مدن فرنسية، كانت مناسبة لتقريب المسرح إلى الجالية المغربية المقيمة في فرنسا. واكبت الصحافة الفرنسية الحدث حيث كتب الناقد جان جاك غوتييه، في الصفحة الأولى من جريدة «لوموند»، مقالا حول المسرح المغربي، وعلى المنوال نفسه تناولت مجلة «باري ماتش» في يونيو 1956 تجربة عفيفي بمقال تحت عنوان: «موليير بنعله يؤرخ لميلاد المسرح المغربي».
أخفى محمد سعيد عفيفي مرضه الفتاك على زوجته، وظل يناشد الألم كي يرحل عنه لكنه أبى، وحين أفشى سر مرضه لزوجته كان الموت يداهمه جسده، ليلتحق بالرفيق الأعلى في 6 دجنبر 2009، ويوارى جثمانه في مقبرة «الشهداء» إلى جانب رواد عايشوا تجربته الفنية الرائدة.
بعد وفاته ظلت زوجته الفرنسية الجنسية المغربية القلب، تطالب بتخليد اسم الراحل صونا للذاكرة المسرحية، بل إنها رفعت ملتمسا إلى القصر بعد أن أعياها التردد على مكتب وزير الثقافة. وإثر الملتمس الذي رفعته زوجة المرحوم محمد سعيد عفيفي إلى الملك محمد السادس، بخصوص تسمية معلمة المسرح البلدي بالجديدة باسم زوجها، تمت الاستجابة للمطلب. وبعد أيام توصلت بجواب الموافقة من وزير الثقافة الذي أكد لها أن «صاحب الجلالة قد أنعم على معلمة المسرح البلدي بأن تحمل اسم «مسرح محمد سعيد عفيفي»». وعرف الحفل حضور شخصيات فنية وازنة، سيما وأن الافتتاح والتسمية تزامنا مع احتفالات الشعب المغربي بعيد المسيرة الخضراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى