بين زعزاع وظلمي
حسن البصري
تبدو العلاقة بين مناضل سياسي اسمه عبد الله زعزاع ولاعب دولي يدعى عبد المجيد ظلمي سوريالية، لكن خيطا رفيعا يربط الحقوقي بالرياضي ويجمع اليساري برجل لا يؤمن باليسار إلا عند تسديد الكرة صوب المرمى.
في يوم الثلاثاء الماضي توفي عبد الله زعزاع، الناشط الحقوقي والمعتقل السياسي السابق وأحد مؤسسي تنظيم «إلى الأمام»، مات الرجل الذي أقلق النظام وشكل إلى جانب أبراهام السرفاتي ثنائيا مقلقا لدفاع البصري في ملاعب درب مولاي الشريف والأقبية السرية لسنوات الرصاص.
عاش عبد المجيد ظلمي ساعات في الجحيم ذات ليلة من ليالي صيف سنة 1975، فبعد أن قضى أياما في مخيم صيفي بطماريس رفقة بعض أصدقائه اللاعبين، قرر العودة إلى بيت الأسرة في درب الميتر، هناك علم من والدة رفيق طفولته عبد الله زعزاع أن ابنها قد غاب وانقطعت أخباره، وهو ما دفع عبد المجيد إلى اتخاذ مبادرة البحث عن ولد الدرب المختفي.
في روايته للواقعة مع الكاتب الصحفي كريم إيدبيهي يقول عبد المجيد ظلمي: «كنت أعرف بأن عبد الله زعزاع يلجأ بين الفينة والأخرى، إلى إحدى الشقق في حي بوركون بالدار البيضاء، حيث كان ينزل ضيفا عند أحد الأصدقاء ويدعى محمد، وكم فوجئت وأنا أطرق باب الشقة بأن يفتح لي الباب رجل أمن سري، حيث انقض علي ووضع القيد في يدي، فهمت أن رجال الأمن قد ألقوا القبض على زعزاع، وأنهم كانوا في انتظار رفاق آخرين، وضعوا على عيني سترة سوداء، وشرعوا في استنطاقي دون أن يمنحوني فرصة الكشف عن هويتي».
تدخل اللاعب جواد الأندلسي بمجرد علمه بالواقعة، فاتصل بمسؤولي الرجاء البيضاوي المعطي بوعبيد وعبد اللطيف السملالي وعبد الواحد معاش، حيث تم توضيح الواضحات، وتبين للجميع أن كل ما يربط ظلمي بالقيادي زعزاع صداقة في درب بوشنتوف، وعلاقة ود خالية من المواد السياسية الحافظة.
كان عمر، والد عبد المجيد، مقاوما وفيا لنادي الشعب إلى أن انتقل إلى حي عين الشق، حيث تسرب إليه الوهن ومات بداء الشيخوخة، فيما كانت الأم عائشة حريصة على تطعيم ابنها ضد حمى السياسة التي كانت تأتيه من رفقة يساريين في الحي. كان ظلمي مطلوبا من المنتخب الوطني وزعزاع مطلوبا من الأمن السياسي، ما يجمعهما هو تمرد صامت يغالبانه باستحضار جاذبية ذكريات الطفولة والشباب.
اصطف زعزاع في التنظيمات اليسارية وانتهى به المطاف عنصرا أساسيا في تشكيلة اليسار الموحد، فيما وضع ظلمي مسافة الأمان بينه وبين السياسة. كان الأول يناضل من أجل مواقفه الثابتة فيما لا يؤمن الثاني إلا بالكرات الثابتة، لكن أم المفارقات أن يموت عبد المجيد في شقة بعمارة المارشال أمزيان حيث يوجد المقر المركزي للحزب الاشتراكي الموحد، ومنها خرج جثمان اللاعب الدولي إلى مثواه الأخير، وفيها أقيم حفل التأبين بعدما تفهم السياسيون الأمر وأغلقوا مقر الحزب اضطراريا.
بعد خروج زعزاع من السجن مستفيدا من العفو الملكي، أعاد ربط وشائج علاقة قديمة مع ظلمي، وكلما اخترقا جدار ذكرى الاعتقال المرير، وطالب عبد الله عبد المجيد، مازحا، بوضع تظلم لدى هيئة الإنصاف والمصالحة كان ظلمي يرد عليه بابتسامته العميقة.
بين السياسي والرياضي تنافر في الحياة وفي الممات، فجنازة عبد الله زعزع بمقبرة الغفران اكتفت بالنصاب «القانوني» لجنازة، حضرها أهل الفقيد وثلة من رفقة أيام المحن. كثير من المواكب الجنائزية أريد لها أن تخضع لنظام «الوي كلو»، وأخرى أجريت بشبابيك مغلقة، فيما ظلت المواكب الجنائزية لنجوم الرياضة حدثا يستنفر الصحافيين ويجد فيه كبار القوم فرصة للعودة إلى الواجهة ولو بين القبور.
هنا فقط يمكنهم أن يستمعوا إلى حقيقة ما تمليه عليهم ضمائرهم إذا كانت لديكم ضمائر على قيد الحياة.