شوف تشوف

الرأي

بين الهيني والزاكي

حين أقدم وزير العدل على عزل القاضي محمد الهيني وضمه إلى جيش المعطلين على غرار قضاة آخرين، لم يتفاعل الرأي العام المغربي بحرارة مع الإقالة وأدار ظهره لها، بينما امتلأت حقينة مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات التضامن حين تعلق الأمر بمدرب المنتخب المغربي بادو الزاكي، ولم نعرف ما إذا كان واضعو عبارة «جيم» من المتضامنين أو الساخرين.
حاولت العثور على خيط ناظم بين عزل القاضي والمدرب، لكنني لم أعثر عليه، فبين العزل دستوريا والإقالة كرويا مسافة تتجاوز خط التماس، لذا سيكون من العبث أن نقارن بين الهيني والزاكي، بين أهل القضاء وعشيرة الكرة، وحدها البطاقة الحمراء هي التي تجمع قطاعي القضاء والكرة وتوحدهما.
في القانون يكون الشك غالبا لصالح المتهم، لكن في الكرة الشك يصبح ضد المتهم، فحين تسربت الشكوك إلى وجدان عشيرة الكرة وأصبحت قاعة الشرف للمطارات المغربية مغلقة في وجه المنتخب الوطني، وامتلأت زوايا قراءة الطالع في الصحف والمجلات بتنبؤات الأوجاع والجروح، وتشتت أحلام الظفر بكأس إفريقيا بسبب ركلة جزاء مباغتة أبعدت كثيرا من المدربين عن محيط الناخب الوطني، أصبح طلاق الشقاق أمرا مكتوبا.
يحمل المسؤول في جيب سترته مسدسا كاتما للصوت يطلق في صمت رصاصة العزل، فيسميها حواريوه «رصاصة الرحمة»، كما يحمل قناصو الفرص عازلا طبيا في جيوبهم السرية تحسبا لأي طارئ، إلا أن الحواريين لم يمارسوا حق النصح المخول لهم طبقا لقوانين الجامعة، ولم يطالبوه بتأجيل القرار إلى ما بعد عيد الحب أو يدعون نظار المملكة إلى صرف النظر عن الموضوع حتى تتبين لهم رؤية هلال «سان فالانتان»، فالإقالة والحب لا يلتقيان. كما لم ينبه المستشارون رئيسهم بتزامن العزل مع ذكرى الحراك المحلي وإمكانية انخراط الموالين لحكم الزاكي في نظم قوافي الهجاء يوم 20 فبراير ذكرى احتلال الشباب الغاضب للشارع العام.
نحمد الله أن في صيدلياتنا مرهم سحري اسمه «التراضي»، يباع بسعر تفضيلي، فحين يحضر مفعوله ويجثم على بيانات الإقالة، ينتهي السجال والجدل، لكن التراضي هو صيغة أخرى لعمولة تحت الطاولة تخرس الألسنة وتبطل لغة الاحتجاج أو تؤجلها إلى ما بعد مرور العاصفة.
نادى المدرب فخر الدين رجحي بتوزيع ريع تدريب المنتخب بالتساوي على كل المدربين المغاربة، حيث يمكن الاستفادة من الراتب الشهري السمين لمدة سنة واحدة غير قابلة «للتهديد»، ويترك مكانه لمدرب آخر ينال نصيبه من الكعكة وينصرف إلى حال سبيله شاكرا للمسؤولين حسهم التضامني ولله نعمته.
هذا هو المفهوم الحقيقي لكلمة «بارطاجي» وهذا هو تصريفها النحوي بين الكائنات التي أعياها الانتظار في مدرجات الملاعب بحثا عن نصف فرصة للجلوس على دكة البدلاء، والقطع مع عتاب المدربين العاطلين لبني جلدتهم المستخدمين، وبالتالي تتحقق السعادة ويعم الرخاء وينضم المدربون إلى فصيلة «المؤلفة قلوبهم» بعد أن ظلوا مجرد «عاملين عليها»، حينها يمكن أن نعلن مجال الكرة «فضاء سعيدا» ينتج السعادة بعد أن كان يصنع الشقاء.
حين يقال الموظف من منصبه تخصص له حكومة بنكيران إعانة فقدان الشغل، وهي تعبئة محددة تكفي لبقائه حيا لا يرزق، وحين يتوقف الدعم يقوم الفايسبوك والواتساب مقام صندوق التماسك الاجتماعي فيزف عبارات الموساة والتآزر، قبل أن يستنزف رصيد التضامن والتعاطف ويعوضها بحكم وأقوال مأثورة تدعو إلى الانتشار في أرض الله الواسعة ابتغاء رزق جديد. لكن حين يقال مدرب المنتخب يحصل التراضي بملايين الدراهم.
في جميع التعاقدات والالتزامات هناك أهداف يسعى الطرفان إلى تحقيقها، قد تتحقق أو لا تتحقق، لكن لا يوجد التزام أخلاقي مع الوطن، يراعي ظرفية البلاد وحالة العباد، ولا توجد ضوابط تذكر المدرب بأنه في خدمة المنتخب وليس العكس، لذا يمارس التهجير ويصادر في أول خروج كروي حق الجمهور في الاستمتاع بمشاهدة منتخب بلاده دون أن يطوي المسافات، رغم أن القاعدة الرياضية تقول إن اللعب على أرضك وبين جمهورك يزيد من فرصة الربح، لذا فمن الطبيعي أن يتمخض القلق فيلد إقالة صادرة عن فاعل «مبلي» للمجهول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى