شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرحوار

بوصوف: اختلال الهرم الديموغرافي بأوروبا جعلها تنظر إلى أصل المهاجرين كتهديد لهويتها

ارتباط مغاربة العالم ببلدهم وثيق وهذه مقترحات المجلس لاستقطاب الكفاءات المغربية بالخارج

تشير الدراسات إلى أن عدد المغاربة المقيمين في أوروبا تضاعف خلال الثلاثين سنة الماضية، حيث يوجد في القارة الأوروبية وحدها 85 في المائة من مغاربة الخارج.

ووضعت توصيات التقرير الصادر عن لجنة إعداد النموذج التنموي الجالية المغربية في الخارج كواحد من روافد التنمية في المغرب، فيما تبقى الروابط الاجتماعية والثقافية لمغاربة العالم وطيدة ببلدهم الأم، في خضم موجة من الهجرة للكفاءات، وصراع دولي حول استقطابها.

في هذا الحوار مع عبد الله بوصوف، يعرض الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج مشهدا بانوراميا لأوضاع مغاربة أوروبا، كاشفا معالم اشتغال المجلس لتقديم مقترحاته حول ورش أكبر يتمثل في استقطاب الكفاءات المغربية وتعزيز روابطها ببلدها الأم.

حاوره: النعمان اليعلاوي

 

–   تابعنا في الآونة الأخيرة تحركا في الفضاء الأوروبي معاد للمغرب من خلال قرارات، كشأن قرار البرلمان الأوروبي، كيف ترون هذا الأمر؟

 

لقدر رددنا على القرار الأوروبي في حينه، وقد أصدرنا خلاله بيانا اعتبرنا فيه أنه لا يمكن تقييم سياسة دولة في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير من خلال قضية هي معروضة على القضاء وفيها حكم، وقد أشرنا أيضا إلى أن المغرب له مؤسسات دستورية في مجال حقوق الإنسان، كما أن البرلمان الأوروبي تجمعه هيئات مشتركة مع البرلمان المغربي، ويمكن خلالها تقديم ملاحظات حول قضية ما في إطار مؤسساتي، أما أن تكون توصيات من هذا القبيل التي نعتبرها تدخلا في شأن الدولة الداخلي، فهي غير مقبولة من مؤسسة كالبرلمان الأوروبي.

هذا القرار يشكل مسا صريحا بتاريخ العلاقات المتميزة والمتشابكة بين المغرب والدول الأوروبية الممتدة لأزيد من ستة قرون، وصولا إلى الوضع المتقدم الذي يتمتع به المغرب مع الاتحاد الأوروبي كشريك استراتيجي لأوروبا وفاعل محوري في الحوار بين ضفتي المتوسط.

 

–   هل توجه المغرب نحو تنويع الشركاء قد أثار حفيظة الشركاء الأوروبيين، ومن كانوا وراء قرار البرلمان الأوروبي؟

 

المغرب تاريخيا كانت تجمعه علاقات جيدة مع جميع الشعوب، حتى مع الدول الإسكندنافية وإنجلترا والولايات المتحدة، بل إنه كان يتوفر على علاقات متميزة مع روسيا، ومع الدولة العثمانية، ومع إفريقيا، وبالتالي فهو وفي لتاريخه وعلاقاته، وهذا يفرض علينا أن نعمل على تعديد شركائنا، وأرى أنه من حقنا كما هو من حق باقي الشعوب أن يعملوا على توسيع شركائهم، ونحن نعرف أن هناك اليوم أزمة خانقة في أوروبا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وأيضا نتيجة العديد من القضايا البنيوية على رأسها المرتبطة بالنمو الديموغرافي، والتناقص الديموغرافي، وعدم تجديد الأجيال، كما هو الشأن بالنسبة إلى فرنسا اليوم، وأزمة التقاعد التي تواجهها، والتي أخرجت مليون شخص للاحتجاج في المدن الفرنسية وهي ما زالت مرشحة للتوسع.

 

–   هل هذا التوجه الأوروبي مرتبط بأزمة تعيشها البلدان الأوروبية، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية؟

 

إنه لا يجب أن نتناسى أن أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، قد أظهرت ضعفا لدى الأوروبيين على التأثير فيها، ويكفي أن نلاحظ عدد المدافع التي يتم إرسالها إلى أوكرانيا، وهو الأمر الذي يؤشر على غياب الإرادة الحقيقية لحل الأزمة أو الوقوف الأوروبي إلى جانب أوكرانيا فيها، كما يؤشر على أن الاتحاد الأوروبي، كمؤسسة سياسية، تمر ربما بأصعب أزماتها، لذا فالمؤسسة تبحث عن «التنفيس» بين الفينة والأخرى من خلال تحويل النظر، وعوض الحديث عن الواقع الداخلي يتم البحث عن منفذ.

 

–   ما هو التأثير الذي قد يحدثه قرار معاد للمغرب بالنسبة إلى الجالية المغربية في أوروبا؟

 

إن قرارات مثل القرار الأخير الصادر عن البرلمان الأوروبي لن يكون لها أي تأثير على الجالية المغربية في أوروبا، على اعتبار أن القرار المذكور يبقى شكليا، والجالية المغربية في دول الهجرة أصبحت اليوم جالية مواطنة لها كامل حقوق المواطنين في البلد، وإن كان هذا القرار يمس بأحاسيس أكثر من ثلاثة ملايين مغربي يعيشون داخل البلدان الأوروبية وأصبحوا مواطنين في تلك البلدان، يساهمون في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في تلك البلدان، كما أنهم يصوتون أيضا على نواب البرلمان الأوروبي، وما تفرضه الأخلاقيات السياسية، هو احترام بلد الأصل وعدم التعرض له بالسوء، خاصة عندما لا تكون هناك قضايا حقيقية، بل مفتعلة كما هو الأمر بالنسبة لهذا القرار الأخير حول حقوق الإنسان في المغرب، والذي أرى أنه قضية مفتعلة يقف وراءها لوبي معروف، علما أن الأحزاب اليسارية التي وقفت وراء هذا القرار، تستفيد من أصوات المغاربة، كما هو الشأن بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية في فرنسا والتي كان فيها دور مهم للصوت المسلم، والرئيس ماكرون قد حقق نتيجة إيجابية بفضل أصوات المهاجرين، كونه فاز بنسبة قليلة على منافسته ماري لوبان، وبالتالي فإن أصوات الهجرة كان لها الدور المهم في السياسة الأوروبية، ومن هذا المنطلق، فالأحزاب السياسية الأوروبية التي صوتت لهذا القرار كان عليها أن تراعي شعور هؤلاء المواطنين الذين لهم انتماءات خاصة ببلدانهم الأصل.

 

–   هل أوروبا تراعي دور المهاجرين، لكنها تدير ظهرها لهم في التعامل مع بلدانهم الأصل؟

 

لعل هذه القضية باتت طبيعية جدا في التعامل الأوروبي مع البلدان الأصلية لأغلب الجاليات هناك، فما حصل مع المغرب من موقف أوروبي معاد يحصل أيضا مع تركيا، وهما البلدان (المغرب وتركيا)، اللذان لهما جالية مهاجرة واسعة في أوروبا، وهي جالية سواء المغربية أو التركية، مرتبطة ارتباطا وثيقا ببلدها الأم ودون الإخلال بواجباتها تجاه المواطنة في بدان الإقامة، فحسب جميع الدراسات واستطلاعات الرأي التي أنجزناها أو أنجزت في هذا الباب، بينت أن المهاجرين والمغاربة على الخصوص، في أوروبا، استطاعوا التوفيق الإيجابي بين الانتماء للبلد الأصل والانخراط أيضا في المواطنة داخل الدول الأوروبية، بل إنهم أصبحوا عنصر إغناء وإثراء.

لعل اختلال الهرم الديموغرافي في أوروبا، جعل تلك الدول الأوروبية تنظر إلى الانتماء للأصل لدى المهاجرين كأنه تهديد لهوية تلك الدول، في حين أنه على العكس تماما، على اعتبار أن التعامل مع الدول الأصل سيكون فيه فائدة كبيرة للدول الأوروبية، وهو ما لا يراه المنظرون حاليا لبعض السياسات الأوروبية الشمولية في هذا الجانب، والذين يحاولون إقصاء البلدان الأصل. لذلك وجب في تقديري أن ننادي بإعادة النظر في العلاقات بين بلدان الشمال والجنوب، بين الدول الأوروبية، ودول الضفة الجنوبية، بما فيها المغرب وتركيا والجزائر وباقي الدول الإفريقية، حتى لا نكون تحت منطق علاقة فوقية فيها تفوق لطرف على الآخر، بقدر ما يجب أن تكون علاقة تكامل ومساواة من أجل خدمة الإنسان أينما وجد، في الشمال أو في الجنوب.

 

–   هل هناك تنام لتيار معين في أوروبا، ساهم في هذا التوجه نحو استهداف دول الأصل؟

 

لا أرى أن لهذا الأمر ارتباط بقرار البرلمان الأوروبي تجاه المغرب، حيث إن اليمين المتطرف ممثلا في نواب ماري لوبان قد صوتوا ضد قرار البرلمان الأوروبي، كما أن من المدافعين عن المغرب النائب مارياني، وهو ينتمي إلى اليمين المتطرف. وربما اليمين المتطرف في أوروبا أصبح أقل تطرفا من بعض اللوبيات التي ترى أنه ليس من صالحها بروز الجاليات والمكون المسلم بصفة عامة، ونرى اليوم كيف جميع الدول قد أحست بخطر تنامي الإسلاموفوبيا، كما هو الشأن بالنسبة إلى ألمانيا التي أصدرت أخيرا تقريرا كبيرا حول الإسلاموفوبيا وكيفية مواجهتها، وكندا قد عينت مسؤولة أولى من أجل التصدي ومواجهة الإسلاموفوبيا، وأيضا مجلس أوروبا الذي أصدر، قبل أشهر، تقريرا يتحدث عن خطر الإسلاموفوبيا داخل الدول الأوروبية، وأيضا فرنسا التي أصدرت بدورها مجموعة من القرارات التي تصب في منحى محاربة الإسلاموفوبيا. ويمكن الجزم بأن التحرك الأوروبي اليوم كان متوقعا، وأعتقد أنه سيأتي حتما، مع النخب الشبابية التي ترعرعت في المجتمعات الأوروبية وباتت اليوم تمسك زمام القرار الأوروبي، أن تكون متفهمة وأكثر تقبلا للإسلام والمسلمين بصفة حتمية تاريخية، حيث إن التكامل والتعاون هو المصير المشترك للمهاجرين وأيضا للأوروبيين ليعيشوا في مجتمعات مشتركة.

 

–   هذا الأمر يقودنا للحديث عن الحوادث الأخيرة المتعلقة بإحراق المصحف الشريف، هل تلك الأحداث تبقى معزولة، أم هي مؤشر على توجه ما؟

 

إن حوادث إحراق المصحف الشريف مرفوضة، وقد عبر المغرب من خلال بلاغ وزارة الخارجية عن شجبه لتلك الأعمال الفظيعة التي لا يمكن القبول بها، ونحن المسلمون نحترم جميع الكتب السماوية ندعوا إلى احترامه، وأن يقوم شخص بإحراق كتاب مقدس لدى أزيد من مليار من الناس، فهو ناقوس خطر وإنذار للدول الأوروبية التي عليها أن تعيد النظر في مجموعة من الخطابات ومجموعة من السياسات تجاه المسلمين وتجاه المهاجرين على السواء، ورجل السياسة وحتى بعض المثقفين في الغرب مطالبون بأن يعيدوا النظر في تلك المقاربات التي لا يمكن أن تؤدي إلا إلى مزيد من التشنجات الهوياتية التي ستكون نتائجها وخيمة كما هو معروف.

إن المطلوب منا أن نزيل فتيل الصراع، لا أن نشعله، وهذا العمل من قبيل إحراق المصحف الشريف يشعل فتيل الصراع، في الوقت الذي علينا جميعا أن نتكاتف من أجل الدعوة لقيم التعايش المشترك نحو مجتمع متضامن ومتكامل يحترم بعضه البعض في إطار ما يعبر عنه جلالة الملك بـ«سياسة رابح- رابح»، وألا يكون فينا خصم.

 

–   ما تقييمكم للردود الرسمية الأوروبية حول إحراق المصحف؟

 

الحكومة الأوروبية بشكل عام قد انتقدت هذا العمل، وحتى المنفذون بعد اطلاعهم على ردود فعل العالم الإسلامي فقد تراجعوا، على اعتبار أن تصرفا مشينا مثل هذا لا يدخل في حرية التعبير، والتي يجب أن تمارس بمسؤولية واحترام للآخرين، والأوروبيون هم أول من يجب أن يقفوا ضد مثل هذه الأعمال، فكما نعرف تاريخيا ما آلت إليه محاكم التفتيش في إسبانيا والتي كانت تقصد إخضاع المسلمين والتضييق عليهم في عقيدتهم، وقد رأينا نتائجها في العصر الثاني سنة 1609، حيث ثم الطرد النهائي، سواء للمسلمين أو لليهود من إسبانيا، وهو ما كان كارثة إنسانية، سواء للمطرودين أو حتى للمجتمع الإسباني، حيث يقيم مجموعة من المؤرخين، وتأخر المجتمع الإسلامي والأوروبي بقرنين من الزمن، بعد طرد المسلمين.

وحتى لا نعيد مثل هذه المآسي التاريخية التي وقعت فوق التراب الأوروبي، فإنه يجب أن نكون حذرين وأن نقف بالمرصاد جميعا ودون استثناء في وجه كل خطاب يحث على الكراهية، وعلى التطرف، وعدم احترام الآخرين، من أي جهة أتى، سواء من الجهة اليهودية أو الإسلامية أو المسيحية، وأي جهة قصد، سواء اليهودية أو الإسلامية أو المسيحية، لأننا هنا نتحدث عن الإنسان.

 

 

–   في ملف الجالية المغربية في الخارج، كان الملك محمد السادس قد أوصى بفتح الباب أمام الكفاءات المغربية بالخارج، كيف تعملون على مواكبة هذا الأمر؟

إن الكفاءات المغربية بالخارج كانت من أولويات الملفات التي يشتغل عليها المجلس، وقد شكلنا مجموعة أعمال خاصة بالكفاءات المغربية، كما أقمنا مجموعة من اللقاءات خاصة بالكفاءات المغربية، وهي التي بدأنها بالكفاءات النسائية منذ  سنة 2008، وكان لقاء مع حوالي خمسمائة امرأة، بالإضافة إلى الكفاءات العلمية، ونتوفر اليوم على قاعدة بيانات بخصوص الكفاءات المغربية في مختلف المجالات، وقد أصدرنا 11 كتابا حول مسارات كفاءات مغربية، وفي كل كتاب نجد خمسين مسارا لشخصيات مغربية متفوقة في ميدان ما في جميع القطاعات، وقد أصدرنا أيضا كتابا حول الرياضيين المغاربة حتى قبل منافسات كأس العالم، كما أصدرنا أطلس مغاربة العالم وهو الذي يضم تفاصيل بخصوص مناطق الهجرة والانطلاق، ومناطق استقبال واستقرار المهاجرين المغاربة، وهذا في إطار الاشتغال على بعد الجهوية في المغرب، وضرورة عمل الجهات على إدراج برامج الجالية والكفاءات المغربية التي تنتمي إلى تلك الجهات في برامجها، كما أصدرنا كتابا قدمنا فيه مجموعة من المقترحات للعناية بالكفاءات المغربية في الخارج.

 

–   ما هي المقترحات التي قدمتموها في هذا الجانب؟

 

لقد اقترحنا إحداث وكالة بتعاون بين القطاع العام والخاص، من أجل متابعة والاهتمام بما ذكره جلالة الملك في خطابه الذي تحدث فيه عن آلية للتواصل مع الكفاءات المغربية بالخارج، وهذه الوكالة اقترحنا أن يكون مجلسها الإداري مشكلا من القطاعين الخاص والعام، ويكون من بين أدوارها أولا، تحديد الخصاص الموجود في المغرب في مختلف الميادين الاقتصادية، وأيضا البحث عن هذه الكفاءات التي يمكن أن تعوض هذا الخصاص.

إننا هنا لا ندعو إلى رجوع كل الكفاءات المغربية في الخارج إلى المغرب، وهذا من باب الخيال، بل ما ندعو إليه هو الاستفادة من الكفاءات المغربية في إطار الهجرة التي يعرفها العالم اليوم، فنجد أن من الكفاءات المغربية من انتقلت من أوروبا للاشتغال في دول الخليج مثلا، والهجرة باتت حركية كبيرة جدا، ولنا في تجربة الصين التي استفادت من جاليتها في العالم، والمكسيك أيضا والهند، والعديد من الدول التي طورت تعاملها مع الكفاءات من مواطنيها المهاجرين بالخارج.

أعتقد أن من أهم الملفات التي يجب على الحكومة أن تشتغل عليها، هو ملف إحداث هذه الوكالة، وهي التي ستعنى بالكفاءات المغربية، وخاصة تسهيل عملية المساهمة في تطوير مختلف الأوراش الموجودة والتي ستنطلق في بلادنا.

 

–   هل الأمر هنا يرتبط بتعزيز استثمار المغاربة المقيمين بالخارج في المغرب ؟

 

أكيد أن هذا الأمر يدخل في دور الوكالة، لأننا عندما نتحدث عن الكفاءات فإننا نتحدث عن دور تلك الكفاءات في الاستثمار في البلاد، سواء كرأسمال بشري من خلال ما تزخر به الجالية المغربية من كفاءات مغربية، ونعلم اليوم التنافس الكبير في العالم من أجل استقطاب الكفاءات، وفد مررنا من القوة الناعمة إلى القوة الذكية التي أساسها الإنسان، فأصبحنا نرى كيف تنافس إيطاليا اليوم من أجل استقطاب الكفاءات الطبية الآسيوية، كما أن ألمانيا سحبت شرط اللغة الألمانية من شروط الهجرة إليها بغرض استقطاب الكفاءات، والعديد من الدول التي تضع برامج خاصة بالهجرة للكفاءات البشرية عبر العالم، إذن فهذه التنافسية يجب أن ندخل فيها باستغلال هذا الارتباط الروحي العاطفي للجالية المغربية مع وطنها الأصل، وهو الأمر الذي يجب استغلاله من طرف المغرب لاستقطاب هذه الجالية التي تعبر بشكل يومي عن إرادتها في المساهمة في تطوير البلاد، وقد لاحظنا على سبيل المثال كيف كان لشخص مغربي مشهور يقيم في كوريا الدور الكبير في حصول المغرب على اللقاحات ضد كورونا في عز الأزمة الصحية، كما لعب دورا من أجل الدفع نحو إنشاء معمل للقاحات في المغرب.

إن مغاربة العالم مستعدون للمساهمة في تنمية بلادهم، وبالتالي يجب أن نهيئ لهم الظروف، عبر هذه الوكالة التي ستشتغل على توفير الشروط، فهم انتظارات المغاربة، استقطاب الكفاءات، وحتى تحيين الترسانة القانونية المغربية لتصبح أكثر جاذبية لهذه الفئة.

 

–   ألن يخلق عمل الوكالة تضاربا مع باقي الجهات المعنية بملف المغاربة المقيمين بالخارج، كمصالح الخارجية، ومؤسسة الحسن الثاني، الجهة 13 لاتحاد مقاولات المغرب؟

 

أعتقد أن المؤسسات أدوارها معروفة، وهي مفصلة في إطار الدستور، حيث إن مهمة الوزارة تنفيذية، وهي تنفيذ مشروع حكومي يتقدم به رئيس الحكومة في إطار التصريح الحكومي بالبرلمان، أثناء الحصول على الثقة، ومؤسسة الحسن الثاني التي تقوم بدور تربوي وتعليمي واجتماعي مهم جدا في إطار المهمة الموكولة إليها، وأيضا مجلس الجالية الذي مهمته استشارية، وبالتالي ليس هناك تعارض، وإذا أضفنا ما نقترح من وكالة تقوم بمهمة تقنية تتمثل في البحث عن الكفاءات وتيسير اللجوء إلى الفضاء الوطني بالنسبة إلى الكفاءات المغربية بالخارج، فهذا عمل غير ما هو من اختصاص باقي المتدخلين. أما الجهة 13 في اتحاد مقاولات المغرب، فهي رمزية وليست مادية، زيادة على كون اتحاد مقاولات المغرب لا يمكن أن ينفذ سياسات عمومية، بل هو مؤسسة تعمل على الدفاع عن منخرطيها.

 

–   هل يمكن أن يتحول المغرب من بلد مصدر للكفاءات إلى بلد مستقطب لها مستقبلا؟

 

تجب الإشارة إلى أن الآلاف من الطلبة المغاربة يغادرون أرض الوطن من أجل الدراسة والتكوين في الخارج، وهناك جزء كبير من هؤلاء لا يعودون في نهاية مسارهم من مهندسين وأطباء وخبرات في التخصصات الدقيقة، ونحن لا نعرف مسارهم ولا مصيرهم، علما أن المغرب في أمس الحاجة إلى هذه الكفاءات.

بطبيعة الحال، يجب أن نطرح السؤال، لماذا يغادر هؤلاء أرض الوطن؟، وكيف يمكن أن نستقطب الكفاءات عبر العالم، إذا لم نوفر الشروط لاستقرار الكفاءات المحلية والتي هي مهمة؟ أعتقد أن دور الوكالة هو توفير هذه الشروط وتعميمها على الجميع في إطار من المساواة والمواطنة، وحتى نحد من هجرة الكفاءات المغربية وجب أن نشتغل على الجانبين، وأعتقد أن استقطاب بعض الكفاءات سيكون له تأثير حتى على الكفاءات المحلية الموجودة في الوطن والتي قد تفكر في الهجرة.

 

–   في هذا السياق، ما تقييمكم لتجارب كفاءات مغربية قررت العودة إلى أرض الوطن، والاستثمار في البلد؟

 

ليس هناك دراسة بشكل كاف لمسارات هذه الكفاءات، لكن بشكل عام فقد لاحظنا أن هناك مشاريع متنوعة ومختلفة في شتى المجالات، تقودها كفاءات مغربية عادت إلى أرض الوطن، وهذه المشاريع تنجز في كل جهات المغرب وفي مختلف المجالات، سيما في المجال السياحي، والسياحة القروية، ومعالجة المياه والاستفادة منها، والفلاحة وغيرها، وهناك مشاريع قد فشلت ربما لغياب الدراية القانونية لأصحابها أو لعمليات نصب أو ما شابه ذلك، خصوصا في ميدان العقار، والذي يبقى ميدانا صارخا لفشل استثمارات مغاربة العالم فيها، وهو الذي في تقديري، وحسب الملفات الرائجة، الذي يشكل الفشل بالنسبة إلى مغاربة العالم، وهنا يجب التأكيد على ضرورة معالجة القضايا وتبسيط الإجراءات القانونية في هذا المجال.

 

–   إلى جانب الوكالة، ما هي المشاريع الأخرى التي اقترحتم لتعزيز ارتباط المغاربة بوطنهم؟

 

لقد قدمنا وأعددنا عدة مقترحات، خصوصا في الجانب الثقافي والارتباط الديني للمغاربة في المهجر، وهنا تجب الإشارة إلى مشروع الوكالة الثقافية التي هي من توصيات تقرير لجنة إعداد النموذج التنموي، والذي اعتبر أن الجالية المغربية من الركائز الخمس للتنمية الجديدة، وقد اقترح هذه الفكرة بضرورة خلق وكالة ثقافية لديمومة الارتباط بمغاربة العالم، سيما أن البعد الثقافي في عالمنا اليوم حاضر بقوة، وكذلك البعد الروحي، فلا ننسى أن المغرب يعتمد نظاما يقوم على أساس إمارة المؤمنين، وهي المرجعية الروحية لكل من يمارس التدين في إطار ما يمكن أن نسميه بالنموذج المغربي، وهذه العناصر أساسية لخلق الترابط، ولذلك اقترحنا خلق هذه الوكالة على غرار ما تقوم به دول العالم، وفي بلادنا هناك مجموعة من الوكالات أو المؤسسات الثقافية للدول الأوروبية وغيرها التي تسهر على نشر الثقافة.

هذه المؤسسة ستسهر على تعزيز الارتباط الروحي والثقافي لمغاربة العالم، لكنها أيضا ستكون ذراعا ثقافيا للمغرب، من أجل بث صورته واستقطاب الاستثمارات والسياح والدفاع عن المصالح الثقافية للمغرب.

 

–   تحت أي غطاء تقترحون إنشاء هذه الوكالات؟

 

أعتقد أن المغرب لن يضطر إلى ابتداع شيء جديد، فهذه الوكالات معمول بها في العالم، وعند إحداثها فهي تتشكل من الجهات المعنية في القطاعات، فإذا تحدثنا عن الثقافة نجد وزارة الثقافة والجانب الروحي لوزارة الأوقاف والسياحة لوزارة السياحة، وهي القطاعات التي تكون ممثلة في مجالسها الإدارية، لكن بطبيعة الحال يبقى الفضاء الأنسب هو وزارة الخارجية، كما هو الشأن في جميع البلدان.

 

–   ماذا بخصوص ارتباط الأجيال الصاعدة من مغاربة العالم بالمغرب؟

 

في هذا الشأن بالتحديد قد أجرينا دراسة مع معهد «ليكسوس»، وقد أظهرت نتائجها أن الجيل الجديد من مغاربة العالم، خصوصا الجيل الثالث والرابع، يرتبط ارتباطا وثيقا ببلده المغرب. وأظهرت الدراسة ذاتها أيضا أن هذا الأمر يمر عبر الأسر، كما أن هذا الجيل الصاعد من مغاربة العالم يرتبط أيضا بمجموعة من القيم المغربية، سواء الدينية أو الثقافية، كقيم التضامن والأسرة واحترام الآباء، وهنا تجب الإشارة إلى أن الأسرة هي النواة الأولى لربط هذا الجيل من المغاربة.

 

 

+++++

 

عبد الله بوصوف في أسطر :

 

– حصل على الدكتوراه سنة 1991 من جامعة ستراسبورغ الثانية، في موضوع العلاقات في منطقة البحر الأبيض المتوسط في القرن الثالث عشر.

 

– شغل عام 1993 منصب رئيس جمعية مسجد ستراسبورغ. ويرجع له الفضل في مشروع بناء المسجد الكبير في ستراسبورغ، الذي يعتبر أول منشأة تم تصميمها منذ البداية للديانة الإسلامية في ستراسبورغ.

 

– اشتغل خبيرا لدى المفوضية الأوروبية ضمن برنامج «روح من أجل أوروبا» 1997- 2003.

 

– ترأس لجنة التكوين في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية(CFCM) ، قبل أن يتم انتخابه نائبا لرئيس المجلس في عام 2005.

 

– انضم في سنة 2006 إلى معهد الدراسات الإسلامية في بروكسيل.

 

– أسس وأشرف على إدارة المركز الأورو- إسلامي للثقافة والحوار بمدينة شارلروا ببلجيكا.

 

– في سنة 2007 عينه الملك أمينا عاما لمجلس الجالية المغربية بالخارج، وهو المنصب الذي يشغله الآن.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى