بوحموش الأستاذ بمعهد الشرطة في حوار مع الأخبار
أجرى الحوار: عزيز الحور
توجد الشرطة القضائية بالمغرب، منذ زمن، تحت مجهر عدة جهات لاعتبارات مختلفة يتنازعها الأمني والسياسي والقانوني والحقوقي. وقد تجلى ذلك في مرور الشرطة القضائية بلحظات حرجة بدءا من اتهامات بعض عناصرها بالارتشاء وصولا إلى انتشار فيديوهات تظهر تدخل مواطنين مكان الشرطة القضائية إلى درجة استعمال القوة مع جانحين يتم ضبطهم في مواطن شبهة.
ولم يكن غريبا أن يحتل تنظيم اختصاصات وطريقة اشتغال الشرطة القضائية حيزا كبيرا في مسودة مشروع القانون الجنائي الذي طرح على النقاش العمومي قبل أسابيع، بعد تضمينه مستجدات ستطرأ، في حال خروج القانون حيز التنفيذ، على عمل الشرطة القضائية من قبيل توثيق الاستجوابات صوتا وصورة درءا للتنازع في صدقية محاضر الشرطة القضائية التي يعمد متهمون، في حالات كثيرة، إلى الطعن في مضمونها أو شكلها المتمثل في طريقة انتزاع اعترافات.
وقد حاولنا تحديد مختلف الجوانب الخاصة بالتغيرات التي ستعيد تشكيل ملامح وجه الشرطة القضائية، لذلك حاورنا عبد اللطيف بوحموش، وهو أستاذ بالمعهد الملكي للشرطة وعميد ممتاز سابق وهو أيضا مؤلف كتاب «دليل الشرطة القضائية في تحرير المحاضر وتوثيق المساطر» الذي صدرت منه طبعة ثالثة سنة 2013. وفي ما يلي نص الحوار:
- على ضوء المستجدات الحاصلة في الساحة الحقوقية تم اقتراح إلزام ضباط الشرطة القضائية بتسجيل اعترافات الأظناء بالصورة والصوت وإرفاق الملف المعروض على القضاء بقرص مدمج يحتوي على التسجيل المذكور، هل يمكن لهذا الإجراء أن يحد من عدد الخروقات المنسوبة إلى الشرطة القضائية خلال الاستنطاقات التي يقومون بها ؟
قبل الجواب عن هذا السؤال أوجه إليك بدوري سؤالا مضادا: هل يمكن لهذا الإجراء أن يحد من وتيرة الإجرام المتنامية والتي تمثل خطرا جسيما على المواطن والمجتمع، والذي يتطلب دراسة كاملة ليس الآن وقتها. وعلى كل حال فإن جوابي عن سؤالك حول المستجدات التي أتى بها مشروع قانون المسطرة الجنائية ومشروع القانون الجنائي الموجودان حاليا في مخاض عسير، فإني أؤكد لك أنه توجد ضمن المشروعين مواد تصب في هذا الاتجاه عملا بتوصيات أممية وضغوط منظمات حقوقية. وقد شاركت ضمن ثلة من المتخصصين في الميدان الجنائي بعدة تدخلات خلال الأيام الدراسية التي نظمتها وزارة العدل على المستويين المركزي والجهوي، وقدمت فيها جملة من الملاحظات التي عاينتها حيث أن كل ما أبديته نابع عن دراسة ميدانية سواء باعتباري من الأطر العليا في الأمن الوطني حيث عملت قبل إحالتي على التقاعد كمسؤول في عدة مدن من المملكة أو كأستاذ لمادة الشرطة القضائية بالمعهد الملكي للشرطة وما أقوم اليوم به وبالمعهد الملكي للإدارة الترابية وكلية الحقوق بسلا وبعض الكليات الأخرى كأستاذ زائر. وقد لقي تدخلي أثناء تلك الأيام الدراسية تأييدا ملحوظا من قبل عدد من الأخصائيين من وكلاء النيابة العامة وقضاة التحقيق ومحامين. وأتمنى أن يؤخذ رأيي بعين الاعتبار خلافا لما حصل بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية سنة 2002، حيث ضرب به عرض الحائط.
ومؤدى الاقتراح المذكور، فإنه سيصبح إلزاميا على ضباط الشرطة القضائية بأن يقوموا عند تلقي الاعترافات زيادة على تدوينها في المحاضر بتسجيلها بالصورة والصوت عن طريق قرص مدمج درءا لأي ادعاء يقوم به المتهمون بكون الاعترافات انتزعت منهم بالقوة.
وإذا كان هذا المشروع لا يجد عند ضباط الشرطة القضائية أية معارضة، فإنهم على العكس من ذلك يؤيدونه بدون تحفظ نظرا لما يحيطون به أبحاثهم من حجج دامغة لا تترك للجنات أية فسحة للإفلات من العقاب. والعاملون في هذا الحقل يدركون تمام الإدراك أن توظيف هذه التقنية سوف تكون قيمة مضافة لمصداقية المحاضر التي يحررونها في التثبت من الجنايات والجنح. غير أن تكاليف تجهيز القاعات الخاصة في كل بنايات الشرطة سواء منها الولائية أو الإقليمية وحتى المحلية سوف تكون باهظة الثمن، إضافة إلى تكوين تقنيين متخصصين في مجال التصوير من جهة. ومن جهة ثانية فإن الأمر سوف تكون له انعكاسات إيجابية لا شك في أنها سوف تساهم في الرفع من قدرات شرطتنا على المضي قدما في تحسين أدائها لمهامها وجودته.
وفي هذا الصدد، فإن أساتذة المعهد الملكي للشرطة منذ إنشائه سنة 1977 يبذلون قصارى جهودهم ليتلقى الوافدون عليه من عمداء وضباط ومفتشين وحراس دروسا في القانون الجنائي والمسطرة الجنائية عملية ومعمقة. وأثناء تدريبهم لمدة سنتين بالنسبة للعمداء وسنة بالنسبة للآخرين يعتمد فيها أساتذة محنكون على ملفات تدريس مشتملة على جميع التقنيات لجعلهم عملياتيين (Opérationnels) بمجرد تخرجهم ومحصنين من كل الأخطاء والتجاوزات التي من شأنها أن تؤدي بهم إلى الملاحقة القضائية أو الإدارة «بمعامل صفر تجاوز» (Zéro tolérance)، وخلال التدريب يعمل الأساتذة جاهدين على إقناع المتدربين أنهم ليسوا أطرافا في القضايا التي تعرض عليهم. وهذا التحصين هو الذي يؤدي إلى إعداد ملفات تستند على الحجج الكفيلة بإبطال ادعاءات الأظناء بتوثيق الملف بطريقة يتمرن المتدربون على اعتمادها لإقناع النيابة العامة وقضاة الحكم.
وإذا كان سؤالك ينصب على ما سميته بالخروقات التي ترتكب خلال الاستنطاقات، فإن هناك محورا آخر مهم وهو مصير الضحايا الذين يجب أن نوفر لهم نفس الحقوق التي يتمتع بها الجناة في حين أن مصلحة ضحايا الاعتداءات تعتبر أقدس من مصلحة المعتدين، وهذا أمر نخصص في المعهد الملكي للشرطة، حيزا هاما خلافا لما لا تفعله المنظمات الانسانية والحقوقية كحد أدنى للعناية بالمعتدى عليهم. وهنا يكمن موطن الخطأ في تعامل المجتمع مع طرفي القضايا الجنائية.
- تم مؤخرا تسجيل مجموعة من الأحداث تجلت في تدخل بعض المواطنين الذين قاموا بأعمال عنف في مواجهة بعض الجرائم الأخلاقية التي هي من اختصاص الشرطة القضائية. في مثل هذه الحالات ماذا يجب على الشرطة القضائية القيام به؟
إذا كان قانون المسطرة الجنائية الحالي ينص في باب التلبس بالجناية أو الجنحة في المواد من 56 إلى 77 على عدد من الصلاحيات المخولة لضباط الشرطة القضائية وأعوانهم ليتأكدوا من قيام الجريمة وإجراء الأبحاث يجمعون، فيها كل القرائن والحجج ويلقون القبض على الفاعلين ويقدمونهم إلى العدالة فإن الأمر لا يخلو من صعوبات لا يمكن للمواطن العادي أن يكون ملما بها حماية لمعالم الجريمة وفي غالبية الأحيان في غير محله عندما يبادر إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي لا حق له فيها، وبذلك يتسبب عن قصد أو غير قصد في محو الجريمة وتعقيد وعرقلة عمل الباحثين، وذلك راجع إلى كون المواطن العادي لا يكون على علم بما يحق له القيام به. ذلك أن المادة 76 من قانون المسطرة الجنائية تنص على ما يلي: «يحق في حالة التلبس بجناية أو بجنحة يعاقب عليها بالحبس لكل شخص ضبط الفاعل وتقديمه إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية»، فإن الإمعان في العبارات الواردة في هذه المادة تميز بين حالتين اثنتين: الأولى تتعلق بالجناية والثانية تعنى بالجنحة المعاقبة بالحبس. فأين للمواطن العادي أن يميز بين الجناية والجنحة من جهة؟، وأنى له أن يعرف أن الجنحة التي يتدخل فيها معاقبة بالحبس من جهة أخرى؟. وهذا ما يجعل هذا التدخل محفوفا بالمخاطر لأن أي تدخل خارج هذا النطاق يصبح تدخلا غير قانوني ويمكن أن يعرض صاحبه للمتابعة، فضلا عن استعمال العنف في غير محله في الحالات التي ذكرتها. وإذا كان الفعل الذي أثار ضجة في البلاد يخدش الأخلاق والآداب العامة وحتى الدين، فإنه لا يحق لأحد أن يتصرف حسب هواء أو معتقداته لأن نظام الدولة قد أناط بهذا الأمر رجالا ونساء مختصين للتدخل في هذا المجال يقومون بالمعاينات والأبحاث لتمكين القضاء وحده من الضرب على يد المخالفين للقانون ولا أحد سواهم يحل له تعنيفهم أو اعتقالهم.
أما عندما يكون الأوان قد فات وتطاول المتدخلون وقاموا بأعمال لا حق لهم فيها، تكون الشرطة القضائية عند عرض المسألة عليها ملزمة بالقيام بكل التحريات الضرورية لتحديد مسؤولية كل طرف والتزام الحياد وعدم التعاطف مع أي كان والاكتفاء بتقديم النازلة أمام النيابة العامة التي تقوم بما تراه ملائما.
- على ضوء الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش لهذه السنة وغيرها من الخطابات، يؤكد الملك دوما على المسألة الأمنية. أية مقاربة يمكن للأمن الوطني أن يجريها تنزيلا لهذا التوجه ؟
إذا كان جلالة الملك يؤكد انشغاله بهموم أمن المواطنين، فإن ذلك من دواعي صحة البلاد عندما يكون رئيس الدولة في شخص جلالة الملك، أمير المؤمنين وحامي الملة والدين والساهر على أمن البلاد والعباد، فإن هذا لعمري من الخصال الحميدة التي يتمتع بها صاحب الجلالة حيث ينعكس شعوره أعزه الله على كل الأجهزة الوطنية ابتداء من رئيس الحكومة وعن طريق التبعية للجهاز الإداري الموضوع رهن إشارته من قوات عسكرية وأمنية ودركية وغيرها، حيث لا يسوغ لأحد أن يهمل تلك الأولويات. وبالمناسبة نجد الدليل على هذا من خلال الموقف الحازم الذي أبان عنه المدير العام الجديد للأمن الوطني، السيد عبد اللطيف الحموشي الذي دشن أول خطوة له في مهامه بإصدار أوامر صارمة إلى كل العاملين في جميع الولايات والأقاليم للتحلي بالنزاهة والاحترام الصارم للقانون والتصدي لظاهرة التساهل في أداء المهام مهما كان شأن مرتكبي الفعل الجنائي.
لكنه بموازاة مع ما يقوم به المدير العام، فإن مسألة الموارد البشرية والمادية لا تقبل التقشف في الميزانية والاعتمادات المخصصة لهذا القطاع الحيوي الهام والاكتفاء بالحد الأدنى، لأن أمن البلاد متوقف على عدد كاف من الموظفين والتجهيزات للتغلب على ظاهرة الإجرام التي تتنامى يوما عن يوم والتي لا تجد في الميزانية المخصصة للأمن الوطني ما يقابله لجعل حد لهذه الظاهرة بكيفية جذرية. وإذا كان من المقبول أن تكون لنا قوة مسلحة بما يكفي لدرء أي اعتداء على المملكة سواء كان داخليا أو خارجيا، فإنه من ناحية الأمن لا بد أن تكون لنا قوات كفيلة من حيث العدد والعدة تواكب النمو الديموغرافي للبلاد حسب القاعدة المعمول بها في العالم، حيث يخصص شرطي لكل 200 إلى 300 مواطن، في حين أن الأمر في بلادنا توجد في مؤخرة البلدان التي تعرف خصاصا في هذا المجال. ومن جهة أخرى مادام السؤال يصب في أية مقاربة من طرف الأمن الوطني، فإن الجواب عن هذا التساؤل يدفع بنا إلى أن كل مقاربة يكون وراءها استعمال عدد من الموظفين للسهر على تنفيذ السياسة الجنائية التي تخطط لها الدولة.
- هل يعني ذلك أن هناك ضغطا على الأمنيين بحكم قلة عددهم؟
لا يفوتني هنا أن أقدم النصح إلى الولاة والرؤساء ووكلاء النيابة العامة أن لا يفرطوا في استعمال الرجال والنساء الموكول إليهم تسييرهم في مسألة الوقاية من الجريمة وقمعها، حيث نجد أن هؤلاء الموظفين يشتغلون أكثر من 10 ساعات في اليوم دون أن تؤدى لهم تعويضات عن تلك الخدمات الإضافية، فأقول لهم: رحمة بهؤلاء الموظفين الذين هم الدرع الواقي الذي تحتمون وراءه كما تجدونهم تحت تصرفكم كلما دعت الضرورة إلى ذلك. فلا تفرطوا في تصرفاتكم ولا تنهكوهم وفكروا فيما يعانونه من بعد المسافة بين مساكنهم ومحلات عملهم، حيث إن أغلبهم يقضي أكثر من ساعتين ذهابا وإيابا، وأن معظمهم يغادرون بيوتهم تاركين أبناءهم نائمين وعندما يعودون يلفونهم كذلك. فوفروا لهم على الأقل شيئا من الاهتمام والمساعدة وأدوا لهم حقوقهم في الراحة والعطل، واعتبروا أن مهامكم لن تكون سهلة الأداء إلا بعملهم بالليل والنهار، وتضحيتهم بصحتهم ووقتهم ومصالح أسرهم. وأنتم معشر أعضاء النيابة العامة الذين تسيرون أعمالهم تطالبونهم خلال فترات العمل اليومي بالمردودية وتنفيذ التعليمات التي توجهونها إليهم في مجال اختصاصاتكم، فإن ازدواج انتمائهم إلى سلطة رؤسائهم الإداريين تؤدي إلى القيام بأعمال أخرى تبتدئ من آخر ساعة العمل وتستمر إلى وقت متأخر من الليل في كل أيام الأسبوع، زيادة على المناوبة التي يؤمنونها في مصلحة المداومة. فلا تطالبوهم بما لا يطاق واعتبروا أنهم جزء منكم ما يؤذيهم يؤذيكم وما يرهقهم ينعكس على المردودية التي تصرون على المطالبة بها.