بني مكادة.. واجهة «الموت» بطنجة حيث المدمنون يفرضون هيبتهم
طنجة: محمد أبطاش
في حي يعتبر الأخطر بمدينة طنجة، تجد كل شيء؛ فإلى جانب الإجرام فإن التجارة المربحة ضاربة في أعماقه. هذا الحي الذي يشبه إلى حد ما تلك الأحياء الكولومبية التي تأتي منها مشاهد الموت والاقتتال على الفضائيات، وحتى جغرافية المكان حيث وجود هضبات، قد نحتت نفس التشابه. في بني مكادة تعتبر هيبة «جناكة» فوق كل اعتبار، تتجلى في خيام نصبوها لتحضير وتعاطي المخدرات والخمور. وبالإضافة إلى وجودها بالشوارع بشكل علني كتحد للسلطات المحلية، فإن المؤسسات العمومية لم تخل بدورها من احتلالها بهذا الحي المتناقض، حيث يدب الخوف في نفسك لدى سماع توجيهات العارفين بخبايا تاريخ بني مكادة وما يخفيه في الوقت الراهن.
فريسة سهلة
الزائر الجديد لبني مكادة يعتبر فريسة سهلة للمتسكعين، فما أن يلمحوه من بعيد حتى يميزوه بين العشرات الذين يجوبون الشوارع من سكانها، ليسارع أحدهم نحوه، طالبا «10 دراهم» فأصدقاؤه ينتظرون لقضاء ليلتهم الزاهية، وهنا لا مجال للرفض أو المقاومة فعشرات الأعين تراقبك وسط حذر تام، قد يرسلك أصحابها إلى مستعجلات المدينة أو مستودع الأموات في أية لحظة. يطلق عليهم السكان المحليين «جناكة» لكونهم وصلوا في الإدمان إلى حد اللاعودة. كل ما يهمهم في حياتهم هو ممارسة الجنس مع «جناكات» من صنفهم وتناول المخدرات بأنواعها، ويكون معظم الوافدين الجدد، من قرى ومدن صغيرة مجاورة لطنجة، بينما يتحكم بعض أبناء بني مكادة «جناكة» الأصليين في أصول اللعبة داخل هذا الحي المخيف والأكبر احتضانا للسكان بالمدينة حيث يبلغ تعداد سكانه طبقا لآخر الإحصائيات حوالي 386 ألفا و191 نسمة.
شحذ السيوف
ولوج حي بني مكادة من قبل الزائر الجديد خصوصا لأول مرة، يفرض أن يكون في غاية الحذر، كما ينصح باستحضار أدبيات الخجل أثناء النظر في بعض الوجوه، التي لن تكلف نفسها سوى جمع زملاء «الحرفة» المنتشرين في كل أزقة ودروب هذا الحي الذي تقشعر الأبدان منذ دخوله، حيث لا مجال هنا للأخطاء، يقول دليل الجريدة الذي فضل عدم الكشف عن هويته لكونه لن يلج هذا الحي بعد ذلك، مستحضرا حادث أحد المصورين الذي حاول التقاط صور لكيفية عيش المتسكعين ببني مكادة، حيث انتهى به الأمر إلى غرفة الإنعاش بالمستشفى المحلي بعدما هاجموه بلا رحمة، مضيفا أن التجوال في بني مكادة يعد بمثابة مغامرة، فبعض «الفراشة» بدورهم «جناكة»، وتحت كل طاولة تجد عادة «شفرة» أو «سيف»، استعدادا للأسوأ فكل يوم يمر تندلع مواجهة على أدنى تقدير بين العصابات التي تتحكم في بعض الأحياء وتعتبرها «مملكة» الاقتراب منها موت في حد ذاته، حيث يتم شحذ السيوف استعدادا لهذه المعركة الدامية في هذا الحي خصوصا في ما يسمى بتجزئة أرض الدولة وبئر الشعيري، لتعيش الساكنة تحت رحمة السيوف والمخدرات في ظل غياب الأمن، الذي يضع ألف حساب قبل دخول بني مكادة لاعتقال متهم ما أو غيرها من القضايا.
خزينة «جناكة»
من الغرائب التي صادفتها «الأخبار» وهي تتجول بين أزقة بني مكادة، هو تحول الطابق الأول من فرع الخزينة العامة للمملكة بهذا الحي، إلى معقل «لجناكة»، وما أن تجول بعينيك بحذر، حتى تلفت انتباهك خيام، وسط هذه البناية التي أقفلت أبوابها لأسباب أمنية بالدرجة الأولى. هذه الخيام التي تحوي داخلها، وفق روايات من عين المكان، المتسكعين والمدمنين على المخدرات أو من يسميهم السكان المحليون «بجناكة» الذين ينتشون بالمسكرات بأنواعها في حرية تامة. واستغرب سكان من قلب بني مكادة لما يشبه استسلاما لهيبة الدولة أمام هؤلاء، والذين قد يحولون حيا آهلا بالساكنة في أية لحظة إلى حمام دم، كما يتذكر الجميع الأحداث الرهيبة التي عاشتها المنطقة أثناء محاولة قوات الأمن تحرير منزل تكتريه سيدة رفضت الخضوع للأوامر المحكمة، إذ ما أن شرعت المصالح الأمنية في مهمتها حتى هاجمها المئات من الشبان مدججين بالسيوف والهروات، ما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة أرعبت سكان بني مكادة، ما يجعل المصالح الأمنية تراقب الحي عن بعد من دون استفزاز.
البشاعة والتجارة
من الواجهات الإيجابية لهذا الحي هو أن التجارة بكل أصنافها، تعرف رواجا مهما، حيث الشارع الرئيسي الذي يتوسط الحي، تحول إلى سوق شعبي يزداد اكتظاظا كل مساء، كما يزداد عنفا أثناء كل عشية. مصادر من التجار أكدت أن التجارة هي التي تحفظ ماء وجه بعض سكان الحي، مما يجعل أغلب شبانه يعرضون عن الوجه السلبي لمحاولة التأقلم مع الوضع الجديد، المصادر ذاتها أضافت أن الزائر إلى هذا المكان، يحتار من المتناقضات المتواجدة ببني مكادة، حيث تكترى مساحات في الملك العمومي أمام بعض المحلات للفراشة قصد عرض تجارتهم بأزيد من 10 آلاف درهم، في وقت وصل ثمن المحل الواحد في هذا الشارع لملايين من الدراهم، رغم الوجه البشع لبني مكادة، فإن التجارة ضاربة في أعماقه.
أجيال شرسة
الطابع العنيف الذي يلزم بني مكادة سيما أحياء مبروكة وبئر الشعيري وأرض الدولة، أضحى يتناقل عبر الأجيال. هنا عدة مؤسسات تربوية تعيش وضعا أمنيا مزريا ومن ضمنها إعدادية عبدالله كنون الواقعة في نفوذ الحي، حيث سجلت تقارير في هذا الموضوع أن السلطات الأمنية في وقت سابق اعتقلت بجماعة العوامة مراهقين في حالة سكر اقتحما هذه الإعدادية فعاثا فيها فسادا وتخريبا في بعض مرافق المؤسسة لم يسلم منها حتى مكتب المدير الذي تكسرت نوافذه الزجاجية وقد حضر إلى عين المكان قائد الملحقة الإدارية ورئيس الدائرة قبل تسليم المعتقلين إلى الدرك الملكي من أجل إعداد مساطر المتابعة بحيث أخلي سبيلهما في اليوم الموالي بعد عرضهما على أنظار وكيل الملك وتحديد جلسة المحاكمة.
هذا الوضع بدأ ينتج أجيالا «شرسة» تضاف إلى المئات من «الجناكة» في ظل غياب الفضاءات الترفيهية ووزارة الشباب والرياضة، وهو ما دفع بإدارة الإعدادية المذكورة إلى توجيه عدة شكايات إلى السلطات المعنية بسبب تكرار حوادث اعتداء الغرباء على حرمة المؤسسة ومحيطها وتلامذتها وخصوصا الفتيات. كما سبق وأن نظم الموظفون العاملون بهذه المؤسسة عدة وقفات احتجاجية للتنديد بالوضع الأمني الكارثي المتدهور داخلها وللاحتجاج أيضا على سوء النظافة بجميع المرافق الملحقة بها، بينما تعيش بعض المدارس بدورها على هذا الحال، على شكل تأثر بالبيئة العنيفة التي يتواجد فيها الحي منذ عشرات السنين.