كل المسؤولين لا يملكون الرقم الشخصي للوزير والتواصل يتم لزوما عبر الكتابة العامة
كان واضحا، منذ الساعات الأولى لدخوله مقر وزارة التربية الوطنية بباب الرواح، أسلوب الصرامة الذي سينهجه شكيب بنموسى في التعامل مع موظفي القطاع وكذا مسؤوليه. فبدل أسلوب التواصل المباشر والشخصي الذي كان ينهجه وزراء سابقون، آخرهم سعيد أمزازي، اختار بنموسى تطبيق أسلوب التواصل التقليدي الموجود في وزارة الداخلية، حيث الانضباط الصارم للتراتبية الإدارية، وللعلاقة بين الرؤساء والمرؤوسين. فجميع مسؤولي الوزارة لا يملكون الهاتف الشخصي للوزير، وكل تواصل مهما كانت طبيعته ينبغي أن يتم، تماما كما يحدث في العمالات والولايات، عبر الكاتب العام أو عبر مدير الديوان.
المصطفى مورادي
حرص شكيب بنموسى، منذ الساعات الأولى لتعيينه على رأس قطاع التربية الوطنية، على أن يطبق نظام التراتبية المعتاد في قطاع الداخلية، حيث يمنع منعا كليا على الموظف تجاوز رئيسه نحو رتبة أعلى.
تراتبية صارمة
هذا النظام، الذي يبدو مألوفا جدا في القطاعات الأمنية والإدارات الترابية، حيث الاحترام الصارم لسلسلة القيادة، يبدو «غريبا» في قطاع التربية الوطنية.
فحسب مصادر مؤكدة من داخل وزارة باب الرواح، جرت العادة أن يقوم كل وزير جديد بمنح بطاقة زيارة لكل المسؤولين المركزيين لحظة زيارتهم في مقرات مديرياتهم، لكن الوزير الجديد لم يسر على النهج نفسه، حيث اقتصرت زيارته لمكاتب المديرين المركزيين على التعرف على الاختصاصات والمهام، على أن كل الأوامر التي تصدر من الوزير الجديد لا توجه بشكل مباشر لهؤلاء المسؤولين كما جرت عادة وزراء سابقين كالراحل محمد الوفا وسعيد أمزازي، بل تتم عبر ديوانه أو عبر الكاتب العام، الذي يعد المسؤول الإداري الأول على رأس هرم القيادة الإدارية.
وأضافت المصادر ذاتها للجريدة أن الأسلوب الجديد الذي فرضه شكيب بنموسى جعل العديد من المسؤولين متخوفين من أن يكون هذا الأسلوب مدخلا لإعفائهم، لكون أسلوب التواصل المفتوح كان طريقة كل المسؤولين في معرفة مكانتهم لدى الوزراء، وأيضا معرفة منسوب الرضا عن الأداء، أكان ضعيفا أو كافيا.
ففي عهد الوزير الراحل محمد الوفا وبعده سعيد أمزازي، كان سلوكا معتادا أن يتصل الوزير بهاتفه الشخصي بمسؤول جهوي وأحيانا إقليمي عندما يتعلق الأمر بموضوع يحظى باهتمام الوزير، كما قد يكون الاتصال شخصيا من قبيل السؤال عن الوضع الصحي أو الأسري لأحد هؤلاء المسؤولين. ثم جرت العادة أن يتوجه المسؤولون المركزيون مباشرة إلى مكتب الوزير قصد الحصول على توقيع مذكرة أو مراسلة دون المرور عبر الكتابة العامة، التي تعتبر المسؤولة الأولى في الهرم الإداري. لكن هذا لم يعد قائما، تفيد المصادر نفسها، حيث تم إحياء دور الكتابة العامة من جديد، وجميع المذكرات والمراسلات والوثائق تمر عبرها قبل توقيعها من الوزير وبعدها أيضا.
هذا الأسلوب الجديد وغير المعتاد في وزارة التربية الوطنية، يرى فيه بعض المسؤولين المركزيين عنوانا للصرامة التي سيتعامل بها الوزير الجديد مع كل المتورطين في الاختلالات أو المرتكبين للأخطاء التدبيرية، فضلا عن الصرامة التي سيتم التعامل بها مع باقي الموظفين أيضا.
ترقب تغييرات بالإدارة المركزية
كثيرون يرون في طريقة بنموسى في الدفاع عن الشروط الجديدة لولوج مهنة التدريس، رغم كل الجدل النقابي والإعلامي والحزبي الذي خلفته، عنوانا لمرحلة قادمة لن تتوقف على مهنة التدريس فقط بل ستمتد أيضا للمسؤوليات، سواء في التعيينات الجديدة أو التمديدات في مناصب المسؤولية، وأيضا في تقويم أداء المسؤولين، حيث تؤكد مصادر موثوقة من وزارة التربية الوطنية، أن شكيب بنموسى أمر المسؤولين المركزيين بمده بورقات تتضمن تفصيلا عن مهامهم وصلاحياتهم في أفق مراجعة هذه الصلاحيات وتفويضات الإمضاء والتي ينتظرها كل المسؤولين على أحر من الجمر لتدبير مديرياتهم ووحداتهم المركزية، لكون هذه التفويضات، التي جرت العادة أن يتم نشرها في الجريدة الرسمية، ستكون مؤشرا كافيا حول مستقبل كل مسؤول على حدة.
وترجح المصادر ذاتها أن تشهد الأيام القليلة القادمة، وتحديدا بعد محطة مباراة ولوج مهنة التدريس، تغييرات شاسعة في هرم القيادة المركزية والجهوية أيضا، خصوصا وأن الزيارات الميدانية التي قام بها شكيب بنموسى، أخيرا، للعديد من الجهات كونت لديه أفكارا واضحة حول المسؤولين الذين ستشملهم التغييرات المرتقبة، والتي تتراوح بين الإعفاءات والتنقيلات.
ما يعزز هذه الفرضية هو أن اللجنة المركزية التي كلفها شكيب بنموسى بتدبير المباراة القادمة الخاصة بهيئات التدريس والدعم التربوي والإداري والاجتماعي، ترأسها لأول مرة الكاتب العام بعد سنوات كان مدير المركز الوطني للامتحانات، التابع لمديرية التقويم، هو المسؤول المباشر عن كل ما يتعلق بالمباريات والامتحانات، بما في ذلك المهنية وامتحانات الباكلوريا. لكن هذا الوضع تم التراجع عنه بشكل نهائي، حيث أضحى هذا المدير المركزي مجرد عضو في حين أن الكاتب العام هو المسؤول المباشر عن أشغال هذه المديرية.
فالعديد من المسؤولين الكبار الذين عينهم شكيب بنموسى في هذه اللجنة، تجاوزوا المدة القانونية التي يحددها مرسوم التعيينات في المناصب العليا، والذي يتحدث عن فترة ولايتين متتاليتين غير قابلتين للتجديد لولاية إدارية ثالثة، وأغلب هؤلاء المسؤولين تجاوزوا فترة العشر سنوات. مما يعني أن بنموسى، الذي دبر لسنوات وزارة الداخلية، المعروفة بصرامتها على مستوى تطبيق القانون، سيحرص على أن يخضع كل المسؤولين للمرسوم سابق الذكر.
//////////////////////////////////////////////////////////////
عن كثب:
خريطة طريق للمستقبل
الحديث عن عدم وصول مخططات الإصلاح السابقة للفصول الدراسية ليس أمرا جديدا. إذ رغم المحاولات التي قام بها الوزراء المتعاقبون منذ أحمد اخشيشن إلى الآن، ظلت هذه الفصول «قلاعا» محصنة تتم فيها الدروس بالطرق المعتادة التي تعتمد أغلبيتها على حفظ المعلومات في الذاكرة، وإرجاعها للأستاذ في الامتحانات، أي أن بضاعة الأستاذ تعود إليه. من هنا نفهم أن كل الحديث عن تنويع طرق التدريس والبيداغوجيا الفارقية والذكاءات المتعددة ومقاربة التدريس بالكفايات وغيره يبقى حديثا يصلح فقط لاجتياز المباريات والامتحانات المهنية، بينما في الواقع هناك طريقة واحدة وبيداغوجية واحدة هي السباق ضد الزمن لإنهاء المقررات، وخاصة في السنوات الإشهادية.
من هنا، وبعيدا عن نظرية المؤامرة التي تستهوي بعض المدرسين هذه الأيام، ينبغي للإصلاح التربوي أن يجد طريقه للفصول الدراسية. ومداخل هذا الهدف كثيرة، منها، بكل تأكيد، المناهج والبرامج ونظام التقويمات، ويبقى أهم مدخل أيضا هو التكوين الأساس والمستمر للمدرسين.
الوزارة الآن قررت أن تعتبر إصلاح نظام التوظيف والتكوين، بصيغتيه، الأساسي والمستمر، قاطرة للإصلاح التربوي. غير أن هذا الإصلاح قد يظل حبرا على ورق مرة أخرى إذا لم تعبد له الطريق بحزمة إجراءات وتدابير تتطلب شجاعة افتقدها العديد من الوزراء السابقين.
الإجراء الأول هو إحداث مديرية مستقلة لتكوين الأطر، إذ لا يعقل أن نجد وزارة تقوم بتكوين أكثر من عشرين ألف موظف سنويا، بينهم مدرسون ومفتشون ومبرزون وموجهون ومخططون، بدون مديرية مستقلة خاصة بتكوين الأطر. إذ الذي يحدث منذ إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين سنة 2012 هو وضع هذا القطاع الحيوي تحت إشراف وحدة إدارية وهمية تحمل اسم «الوحدة المركزية لتكوين الأطر»، وهي في مرتبة قسم فقط. والأسوأ أن هذا القسم يشرف عليه مدير مركزي بصفة مكلف، أي بصفة غير رسمية. والأكثر سوءا هو أن يتم تفريغ هذه المراكز من صفتها الجهوية وتتحول إلى «فرعيات» تُدبر بمنطق الأوامر المركزية، وهذا ما يفسر أن طريقة تعيين مديري هذه المراكز تتم بمنطق الولاء للمسؤول المركزي، وليس بالضرورة بمنطق الكفاءة.
الإجراء الثاني هو مأسسة العلاقة مع الأكاديميات، إذ لا معنى أن تظل المراكز الجهوية، وتحديدا ميزانياتها، مجرد شطر ضمن أشطر ميزانيات الأكاديميات. ويتحول مديرو هذه المراكز من مسؤولين على مناصب عليا بموجب القانون، ولكنهم في الواقع مجرد موظفين ينتظرون تفويضات من الأكاديميات.
الإجراء الثالث هو مأسسة الالتقائية مع الجامعات، إذ لا معنى أن أساتذة المسالك التربوية الجامعية يجهلون تماما نظام التكوين المعمول له في المراكز الجهوية، وأساتذة هذه المراكز لا علم لهم هم أيضا بما يحدث في المسالك سابقة الذكر. فإذا كانت الدولة تعتبر نظام خمس سنوات من التكوين هو نظام لا رجعة فيه، فإنه تتوجب مأسسة العلاقة بين ثلاثة مكونات مؤسساتية لكل منها نظامه الخاص، ونقصد مؤسسات الجامعات، ومؤسسة مراكز التكوين وأخيرا المؤسسات التربوية. وإلحاحية هذا الإجراء تتجلى في أن السنوات التكوينية الماضية شهدت مشكلات تدبيرية متكررة في تأمين التداريب الميدانية للمتدربين، أساتذة كانوا أو إداريين.
الإجراء الرابع هو تحفيز الأساتذة المرشدين والإداريين على مستوى المؤسسات التعليمية، تحفيز قد يكون ماديا يعكس الدور الهام الذي يقومون به في منظومة تكوين الأطر، خصوصا وأن الوزارة رفعت منذ سنوات شعار مَهْنَنَة مهن التربية. كما قد يكون تحفيزا مهنيا بمنحهم امتيازات في استعمالات الزمن، لكون مهمة تأطير المتدربين تتطلب زمنا، ولا ينبغي أن يكون على حساب زمن تمدرس التلاميذ أو على حساب الزمن الشخصي للمؤطر.
هذه عناوين كبرى لخريطة طريق إصلاح منظومة تكوين الأطر. هذا الإصلاح الذي يعول عليه ليكون قاطرة للمخطط الإصلاحي الحالي.
//////////////////////////////////////////////////////
رقم:
100 ألف
كشفت وثائق رسمية صادرة عن الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس ماسة، أن ما مجموعه 100 ألف و737 تلميذا(ة) كرروا الفصول الدراسية في العام الجاري (2021) بجهة سوس ماسة. وأظهرت الأرقام الرسمية لهذه الأكاديمية أن المؤشرات برسم سنة 2021 في نسبة التكرار، بلغت 10.4 في المئة في السلك الابتدائي، و11.71 في المئة في السلك الثانوي التأهيلي، و24,1 في المئة في السلك الثانوي الإعدادي. وهو ما يفسر أن 33 ألفا و998 تلميذا(ة) كرروا في مستويات دراسية مختلفة من السنة أولى ابتدائي حتى السادس ابتدائي نهاية شهادة الدروس الابتدائية، وأن 12 ألفا و595 تلميذا(ة) كرروا في الجذوع المشتركة والسنتين أولى وثانية باكلوريا، وأن 54 ألفا و595 تلميذا(ة) كرروا في التعليم الثانوي الإعدادي بالسنوات الأولى والثانية والثالثة.
///////////////////////////////////////////////////
مجلس عزيمان ينتصر لمعايير بنموسى لولوج مهنة التدريس
نافذة:
نظام الترقي من بين نقاط الضعف التي تطرقت لها الدراسة والتي تؤثر على وضعية التعليم حيث قال خبراء إن هذا النظام غير منصف لأنه لا يسمح بمكافأة الأداء
بالموازاة مع الجدل الشعبي الذي خلفته المعايير التي وضعها شكيب بنموسى لولوج مهنة التدريس، ناقش المجلس الأعلى للتربية والتكوين، برئاسة عمر عزيمان، نتائج تقرير حول مهنة التدريس، حاول فيها المجلس تشخيص مكامن الضعف في هذه المهنة، سواء من حيث شروط التوظيف أو من حيث شروط التكوين الذي يستفيد منه المدرسون في فترة التدريب. نتائج هذا التقرير حملت رسالة دعم مباشرة لمساعي الوزير الجديد لإقناع الرأي العام بتصوره لمهنة رجل التربية.
م.م
أكدت نتائج دراسة رسمية صادرة عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين أن نظام التوظيف المعمول به في المنظومة التربوية المغربية ليس فعالا بما فيه الكفاية، ولا يمكن من انتقاء المرشحين ذوي القدرات والإمكانيات العالية. وجاء في الدراسة أن ضعف نظام التوظيف مرده أولا وبالأساس إلى عدم جاذبية مهنة التدريس التي لا يتم اختيارها إلا في غياب بدائل أخرى، ولعدم وجود فرص عمل أخرى أكثر ربحا أو أهمية.
ونبهت الدراسة، المعنونة بـ«مهنة الأستاذ في المغرب على ضوء المقارنة الدولية»، إلى كون سياسة التوظيف الجديدة، والنظام الأساسي الجديد للمدرسين، الذي يعتبر هشا، سيزيدان من تدهور وضعية التعليم.
أما السبب الثاني الذي أوردته الدراسة فيكمن في عدم فعالية كيفيات التوظيف التي تعاني من نواقص عدة، كعدم وجود دليل مرجعي للوظائف والكفاءات يحدد المواصفات المطلوبة في الأساتذة الجدد وعدم صلاحيات الامتحانات الكتابية والشفوية التي على أساسها يتم اختيارهم.
ويثير تكوين الأساتذة، حسب الدراسة ذاتها، تساؤلات عدة، بحيث يرى أغلب من تم استجوابهم من هيئة التدريس أن التكوين لا يؤهل بما فيه الكفاية لمهنة التعليم ولا يمكن الأساتذة عند نهايته من إتقان الأبعاد الأساسية للتدريس، كالتدبير وتخطيط القسم والممارسات البيداغوجية الفعالة.
وكشفت الدراسة أن الأساتذة أطر الأكاديميات يعانون من هذه الثغرات أكثر من غيرهم، خاصة الفوج الأول والفوج الثاني (2016-2017) اللذين تلقيا تكوينا ناقصا ولم يستفيدا من أي تكوين مستمر.
وكان نظام الترقي من بين نقاط الضعف التي تطرقت لها الدراسة والتي تؤثر على وضعية التعليم، حيث قال خبراء المجلس الأعلى للتربية والتكوين إن هذا النظام غير منصف لأنه لا يسمح بمكافأة الأداء. ويتطور المسار المهني للأستاذ بشكل خطي وفق الأقدمية، ولا يترتب عن الترقي سوى الزيادة في الأجور ولا يؤدي إلى تحمل أية مسؤولية تربوية.
ولم تفض الدراسات التي ركزت على العلاقة بين أجور الأساتذة وأداء التلاميذ إلى نتائج حاسمة، لكن دراسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين أكدت أن توافر أساتذة محفزين ومتحمسين ومرتاحين في جميع مراحل حياتهم المهنية، من شأنه أن يؤثر إيجابيا في تعلمات التلاميذ.
كما أشارت إلى أن بلدانا عدة نجحت في جعل التعليم مهنة جذابة ليس فقط من خلال إقرار نظام أجور عالية، ولكن أيضا من خلال تثمين مهنة التعليم عبر التكوين الأساس والتكوين المستمر، وتوفير آفاق حقيقية وواعدة للمسار المهني وجعل أساتذتها قادة حقيقيين للتغيير.
وفي المغرب، تمت آخر مراجعة لأجور الأساتذة سنة 2003 في إطار مراجعة النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، ويتقاضى الأستاذ في بداية مساره المهني حوالي 5000 درهم، إلى أن يصل في أوج مساره المهني إلى حوالي 12000 درهم.
وشددت الدراسة على أن الانفتاح على سبل أخرى لتحسين الآفاق المهنية للأساتذة، يمكن أن يكون فرصة حقيقية لإحداث التغيير اللازم لتحسين أداء النظام التربوي المغربي اعتمادا على مهننة عمل الأساتذة وفتح آفاق جديدة لتثمين مهنة التعليم.