شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسيةمجتمع

بلا تهويل وبلا تهوين

يعيش المغرب خلال هذه الأوقات بوادر أزمة اجتماعية، مردها إلى أسباب موضوعية أكثر منها ذاتية مرتبطة بتوترات عالمية وتقلبات مناخية وأوبئة صحية، جعلت الدول محدودة الموارد المالية، ومن ضمنها المغرب على صفيح ساخن، جراء ارتفاع الطلب الاجتماعي ومحدودية الأجوبة في السياسات العمومية.

بداية هناك قناعة جماعية مترسخة مفادها أن الأزمة كونية، ولا تتعلق بالحكومة الحالية، لكن لا يمكن للمواطن دفع ثمن قانون حرية السوق في العالم لوحده، ولا يمكن للمواطن محدود الدخل ذاته أن يؤدي من جيبه كلفة إصلاحات عرجاء في تحرير المحروقات، التي اتخذتها الحكومات السابقة. كما لا يمكنه أن يبقى أعزل في مواجهة تجار الأزمات، دون حماية من الذين انتخبهم في البرلمان والحكومة. والأكثر من ذلك أنه لا يمكن للمواطن أن يقبل بحكومة تصمت، في اللحظة التي يطلب منها الكلام والإجراءات الفعلية، وإلا ما الغاية من الدستور والانتخابات، إذا كان الفاعل الحكومي لا يتدخل بالجرأة والصرامة والسرعة المطلوبة، في زمن الشدة؟

إن المنطق السياسي والتدبيري في الأزمات يفرض على الحكومة اتخاذ تدابير رمزية لإغلاق صنابير هدر المال العام، وتوجيهه للتخفيف من حدة الطلب الاجتماعي، فلا يعقل في ذروة أزمة الأسعار أن تسمح الحكومة لأكثر من 160 ألف سيارة الدولة باستهلاك 100 مليار سنتيم، وبالتبعية لذلك، لا يعقل أن يستفيد الآلاف من رؤساء المصالح والمدراء من الحق في السيارات، رغم أن مراسيم الاختصاصات لا تمنحهم هذا الحق، بل خصصت لهم تعويضا عن التنقل يمر إلى حساباتهم البنكية شهريا.

مواجهة الأزمة الاجتماعية لا يمكن أن تستمر في ظل ميزانية تسيير تتعدى إمكاناتنا، مخصصة لاقتناء المعدات التي تفوق 5500 مليار سنتيم، دون احتساب ميزانية التسيير المشتركة، فالأزمة لا يمكن تدبيرها بالمنطق المالي العادي، لأن ذلك يشعر المواطن بأن لهيب الأسعار الذي يحرق جيبه لا أثر له على نفقات شراء سيارات الدولة والمكاتب الفارهة، وهذا الأمر يتطلب من الحكومة إعادة النظر في قانونها المالي للسنة الجارية، ما دام أن كل الفرضيات التي بني عليها أصبحت متجاوزة، فالأكيد أننا مع استمرار شح التساقطات لن نبلغ تحقيق محصول 70 مليون قنطار، أما فرضية سعر البوطان في 450 دولارا للطن فقد انهارت، بعدما وصل في السوق الدولية حاليا إلى 850 دولارا للطن. كما أن افتراض عجز في الميزانية بـ5.9 في المائة من الناتج الداخلي الخام، سيزداد في حالة استمرار ارتفاع الأسعار دوليا، بسبب مخصصات صندوق المقاصة.

والحقيقة التي لا يمكن أن نحجبها، أن ما هو قادم من أوضاع مالية واقتصادية واجتماعية سيئ للغاية، وستظهر ملامحه مع أزمة ندرة المياه، وبدون شك ستكون للأزمة المتوقعة تداعيات اجتماعية وسياسية، قد تدخلنا في نفق مظلم وطويل لن نخرج منه بسهولة. وهنا تظهر فعالية الحكومة الحالية في تجاوز السكتة القلبية قبل فوات الأوان، فنحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى حكومة تدبر هاته المرحلة الاستثنائية، التي خلفتها الجائحة والتوترات والتقلبات المناخية، دون أن يكون ذلك على حساب جيوب وموائد المواطن البسيط، في القطاع العام والخاص. ونعتقد أن الحكومة لديها الإمكانات لرفع هذا التحدي، وقيادة سفينة المغرب وسط هذا البحر الهائج، والوصول بسلام إلى بر الأمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى