وجه الملك محمد السادس يوم الجمعة، رسالة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة، التي تحتضنها مدينة طنجة، على مدى يومين. هذه الرسالة جاءت بعد رسالة أولى قبل أربع سنوات، وفيها أن هذه المرحلة تقتضي “وقفة تقييمية للأشواط التي قطعتها بلادنا على درب إرساء أسس الجهوية المتقدمة، وتعزيز اللاتمركز الإداري، ولاسيما فيما يتعلق بتفعيل التوصيات المنبثقة عن الدورة الأولى للمناظرة في هذا الشأن”. وفي هذا السياق تطرح أكثر من علامة استفهام حول عدم قدرة وزارة التربية الوطنية المضي قدما في تفعيل اللاتمركز الإداري، خصوصا في السنوات الأخيرة والتي شهدت عودة التمركز الإداري المتمثل في هيكلة جديدة تسطو على صلاحيات الأكاديميات وكذا تجاوز دواوين الوزراء حدود الأدوار السياسية التي يحددها لهم القانون.
المصطفى مورادي:
جهوية صورية
مايزال الوزير الجديد يجوب جهات المملكة لرئاسة المجالس الإدارية للأكاديميات، وهي مناسبات ماتزال تطغى عليها العديد من الشكليات، لكون هذه المجالس صورية لكون المدراء هم المدبرون والمسيرون معا، وفي السنوات الأخيرة فقدوا أيضا هذه الصلاحيات وأصبحوا مجرد منفذين لأوامر مركزية، تأتيهم من الإدارة أو تأتيهم من ديوان الوزير السابق.
وقد جسدت الهيكلة الوزارية الجديدة انتكاسة حقيقية للاتمركز الإداري، حيث تضخيم المديريات والبينات الإدارية المركزية لتصل إلى ما يفوق 20 بنية إدارية، ثم تحول أعضاء ديوان الوزير السابق إلى مدبرين يتخذون قرارات تهم السياسية التعليمية، ومنها إشرافهم على كل ما يتعلق بخريطة الطريق، ومنها ما يتعلق بمدارس الريادة.
يتعلق الأمر بمعضلة حقيقية في قطاع التعليم المدرسي، هي الفشل في توزيع الاختصاص بيـن المصالح، ذلك لأن تفعيل مبدأ التفريع، ومسـتلزمات استقلالية الأكاديميات الجهوية، مازال يستدعي مجهـودا إضافيا لبلـوغ أهـداف ورش الجهوية المتقدمة، من خل تنظيم ترابي يعـزز سـياسة اللامركزية واللاتمركز الإداري، المبني علـى النقل الفعلي للاختصاصات الوظيفية والصالحيات التقريـرية الضرورية علـى المستوى الجهـوي، وهذا تحديدا ما سبق للمجلس الأعلى للتربية والتكوين الحديث عنه في رأي قدمه في الموضوع قبل سنتين.
فالنظر إلى الموقع المفصلي الـذي يميز الأكاديمية الجهوية، ضمـن التسلسل التـرابي لهيئـات وبنيات تدبير التعليـم المدرسي، يبدو من الضروري، توضيح وضـع الأكاديمية، بيـن كونهـا مؤسسة عمومية تشتغل في دائرة المهام والاختصاصات الموكلة إليهـا بنص تشـريعي، وتنفذ قرارات مجلسها الإداري وتحت وصاية السلطة الحكومية، وبيـن كونهـا بنيـات إداريـة جهويـة ممركزة، تضطلع بمهام تمثيل الإدارة المركزية على المستوى الجهوي، عبـر صلاحيات مفوضة لها بقرار وزاري لا تدخل ضمن الاختصاصات الأصلية للأكاديمية، وتمارسها تحت السـلطة المباشرة للإدارة المركز.
فـي هـذا البـاب، يوصي المجلس الأعلى بضرورة توصيف التنظيم الترابي للتعليم المدرسي من حيث كونه، ِ إما منتظما فـي هيكلـة المركزيـة تتشكل مـن مؤسسات عمومية مسـتقلة، وإما في تنظيم ترابي يجمع بين هيكلة مركزية، وأخرى ممركزة متفرعة عـن الإدارة المركزية .
من هذا المنطلق، يقترح المجلس تحديد لائحة صلاحيات الإدارة المركزية التـي يمكن نقلها إلى الأكاديمية كاختصاصات ذاتـية محـددة فـي نـص قانـون الأكاديميات، ولائحـة الاختصاصات الأخرى التـي تتعلـق بصلاحيات الإدارة المركزية التـي يمكـن تفويضهـا للأكاديمية، مـن أجـل تدبيـرها، وتمثيـل الإدارة المركزية علـى المستوي الجهوي.
عودة التمركز الإداري
بشكل مفاجئ أصدرت الوزارة مرسوم يتبنى هيكلة وزارية جديدة، وبدل تقليص عدد المديريات المركزية فإن الوزارة قامت بمضاعفتها، لتصبح عشرين، وهذا في حد ذاته مشكل، ليس فقط على مستوى التدبير حيث تضارب الصلاحيات وتداخل المهام، بل أساسا السطو على صلاحيات الأكاديميات.
الأستاذ عبد الناصر ناجي، أكد في هذا السياق أن تحليل الهيكلة التنظيمية الجديدة يسمح بإثارة ملاحظات أخرى بعلاقة مع التوجهات الكبرى للإصلاح كما حددها القانون الإطار للتعليم نجملها في بعض النقط.
أولا، أكد القانون الإطار على أهمية التقييم المؤسساتي وضرورة إعادة النظر في الهيئات القائمة وتجميعها من أجل ضمان فعاليتها. وإذا كانت الهيكلة الجديدة قد أعطت أهمية ملحوظة للتقييم خاصة مع إحداث هيئة خاصة بضمان الجودة، فإن ما يمكن ملاحظته بالإضافة إلى ما ذكر بخصوص هذه الأخيرة هو تقاسم عملية التقييم المؤسساتي بين عدة هيئات نذكر منها مديرية البرمجة والميزانية ومراقبة التدبير، والمركز الوطني لعلامة الجودة، والمفتشيتين العامتين. والغريب بخصوص هذه الأخيرة هو إحداث تراتبية غير مفهومة بين المفتشية العامة للشؤون الإدارية التي اعتبرتها الهيكلة بمثابة مفتشية درجة أولى، والمفتشية العامة للشؤون التربوية التي اعتبرتها الهيكلة بمثابة مفتشية درجة ثانية لكونها مجرد مديرية كما جاء في الهيكلة، في حين كان بالإمكان الاكتفاء بمفتشية واحدة كما هو الشأن في مختلف دول العالم التي تتبنى نظام التفتيش.
ثانيا، احترام مبدأ التراتبية القانونية وما نص عليه القانون الإطار من مقتضيات مرتبطة بالحكامة وخاصة بنظام اللامركزية واللاتمركز، كلها أمور كانت تقتضي مراجعة قانون الأكاديميات قبل وضع هيكلة الوزارة والشروع في هيكلة الأكاديميات الذي سيتم قريبا حسب ما أعلنت عنه الوزارة.
ثالثا، أناط القانون الإطار بلجنة دائمة تم إحداثها بمرسوم مهمة التجديد والملاءمة المستمرين لمناهج وبرامج وتكوينات المنظومة التربوية عبر إعداد إطار مرجعي للمنهاج ودلائل مرجعية للبرامج والتكوينات. كما كلفها إلى جانب مهام أخرى بمراجعة الكتب المدرسية ومختلف المعينات التربوية وملاءمتها بكيفية مستمرة، استنادا لنظام للتقييم والاعتماد والمصادقة تضعه اللجنة. كان منتظرا، التزاما بهذه المقتضيات، أن تقلص مديرية المناهج بشكل كبير لا أن تقدم الوزارة على إحداث ثلاث مديريات دفعة واحدة كلها تشتغل على المنهاج، وتقوم بإعداده ثم تقدمه إلى اللجنة للمصادقة عليه. في ظل هذا التوجه ماذا بقي للجنة الدائمة من مهام؟
ونختم بملاحظات متفرقة تتعلق بالبحث التربوي الذي رغم أهميته خاصة بعد إحداث إطار أستاذ باحث بالوزارة ظل موزعا بين عدة مديريات، شأنه في ذلك شأن التكوين المستمر. أما التعليم الخصوصي فستكتفي الوزارة بتنميته وتطويره وتنظيمه لكنها لن تهتم بمراقبته، رغم ما أقره القانون الإطار بخصوص هذا الموضوع.
//////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////
لماذا أهمية التكوين؟
الحديث عن عدم وصول مخططات الإصلاح السابقة للفصول الدراسية ليس أمرا جديدا. إذ رغم المحاولات التي قام بها الوزراء المتعاقبون منذ أحمد اخشيشن إلى الآن فقد ظلت هذه الفصول “قلاعا” محصنة تتم فيها الدروس بالطرق المعتادة التي تعتمد أغلبيتها على حفظ المعلومات في الذاكرة، وإرجاعها للأستاذ في الامتحانات، أي أن بضاعة الأستاذ تعود إليه. من هنا نفهم على أن كل الحديث عن تنويع طرق التدريس والبيداغوجيا الفارقية والذكاءات المتعددة ومقاربة التدريس بالكفايات وغيره يبقى حديثا يصلح فقط لاجتياز المباريات والامتحانات المهنية، بينما في الواقع هناك طريقة واحدة وبيداغوجية واحدة هي السباق ضد الزمن لإنهاء المقررات، وخاصة في السنوات الإشهادية.
من هنا، وبعيدا عن نظرية المؤامرة، والتي تستهوي بعض المدرسين هذه الأيام، ينبغي للإصلاح التربوي أن يجد طريقه للفصول الدراسية. ومداخل هذا الهدف كثيرة، منها بكل تأكيد المناهج والبرامج ونظام التقويمات، ويبقى أهم مدخل أيضا هو التكوين الأساس والمستمر للمدرسين.
الوزارة الآن قررت أن تعتبر إصلاح نظام التوظيف والتكوين، بصيغتيه، الأساسي والمستمر، قاطرة للإصلاح التربوي. غير أن هذا الإصلاح قد يظل حبرا على ورق مرة أخرى إذا لم تعبد له الطريق بحزمة إجراءات وتدابير، تتطلب شجاعة افتقدها العديد من الوزراء السابقين.
الإجراء الأول: مراجعة البنيات الإدارية الخاصة بتكوين الأطر، إذ لا يعقل أن نجد وزارة تقوم بتكوين أكثر من عشرين ألف موظف سنويا، بينهم مدرسين ومفتشين ومبرزين وموجهين ومخططين، بدون مديرية مستقلة خاصة بتكوين الأطر. إذ الذي يحدث منذ إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين سنة 2012 هو وضع هذا القطاع الحيوي تحت إشراف وحدة إدارية وهمية تحمل اسم “الوحدة المركزية لتكوين الأطر”، وهي في مرتبة قسم فقط. والأسوء أن هذا القسم يشرف عليه مدير مركزي بصفة مكلف، أي بصفة غير رسمية. والأكثر سوءا هو أن يتم تفريغ هذه المراكز من صفتها الجهوية وتتحول إلى “فرعيات” تُدبر بمنطق الأوامر المركزية، وهذا ما يفسر أن طريقة تعيين مديري هذه المراكز تتم بمنطق الولاء للمسؤول المركزي، وليس بالضرورة بمنطق الكفاءة.
الإجراء الثاني، هو مأسسة العلاقة مع الأكاديميات، إذ لا معنى أن تظل المراكز الجهوية وتحديدا ميزانياتها مجرد شطر ضمن أشطر ميزانيات الأكاديميات. ويتحول مدراء هذه المراكز من مسؤولين على مناصب عليا بموجب القانون، ولكنهم في الواقع مجرد موظفين ينتظرون تفويضات من الأكاديميات.
الإجراء الثالث هو مأسسة الالتقائية مع الجامعات، إذ لا معنى أن أساتذة المسالك التربوية الجامعية يجهلون تماما نظام التكوين المعمول له في المراكز الجهوية، وأساتذة هذه المراكز لا علم لهم هم أيضا بما يحدث في المسالك سابقة الذكر. فإذا كانت الدولة تعتبر نظام خمس سنوات من التكوين هو نظام لا رجعة فيه، فإنه يتوجب مأسسة العلاقة بين ثلاث مكونات مؤسساتية لكل منها نظامها الخاص، ونقصد مؤسسات الجامعات، ومؤسسة مراكز التكوين وأخير المؤسسات التربوية. وإلحاحية هذا الإجراء تتجلى في أن السنوات التكوينية الماضية شهدت مشكلات تدبيرية متكررة في تأمين التداريب الميدانية للمتدربين، أساتذة كانوا أو إداريين.
الإجراء الرابع هو تحفيز الأساتذة المرشدين والإداريين على مستوى المؤسسات التعليمية، تحفيز قد يكون ماديا يعكس الدور الهام الذي يقومون به في منظومة تكوين الأطر، خصوصا وأن الوزارة رفعت منذ سنوات شعار مَهْنَنَة مهن التربية. كما قد يكون تحفيزا مهنيا بمنحهم امتيازات في استعمالات الزمن. لكون مهمة تأطير المتدربين تتطلب زمنا، ولا ينبغي أن يكون على حساب زمن تمدرس التلاميذ أو على حساب الزمن الشخصي للمؤطر.
هذه عناوين كبرى لخريطة طريق إصلاح منظومة تكوين الأطر. هذا الإصلاح الذي يعول عليه ليكون قاطرة للمخطط الإصلاحي الحالي.
/////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////
رقم:
600
أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في الأول من نونبر الماضي عن تنظيم مباراة لتوظيف 600 أستاذ مساعد ضمن هيئة الأساتذة الباحثين في التربية والتكوين، والتي كان من المفترض أن تنطلق في الثاني من دجنبر الجاري في عدة مراكز تكوين، أبرزها مركز تكوين مفتشي التعليم ومراكز التوجيه والتخطيط التربوي. وتستهدف هذه المباراة توظيف أساتذة في تخصصات متعددة وفق الشروط والضوابط التشريعية والتنظيمية المعمول بها.
وانتقد كثيرون غياب التنسيق بين وزارة التربية والتعليم العالي، مما أفضى إلى نقص في الأطر القانونية والتنظيمية اللازمة لفحص الملفات، مما يثير تساؤلات حول نزاهة وشفافية عملية التقييم. كما تساءل عن السبب وراء عدم الاستفادة من التطبيقات الرقمية الموجودة في قطاع التعليم العالي، والتي كان من شأنها تسهيل عملية إيداع الملفات إلكترونيا، بدلا من تعقيد الإجراءات الورقية.
//////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////
تقرير:
منح الأولوية للملفات الاجتماعية ولمن قضوا 12 في مناصبهم
الاتفاق حول معالم جديدة للحركة الانتقالية في صفوف موظفي الوزارة
عقدت اللجنة المشتركة صباح اليوم الخميس 19 دجنبر 2024، بمركز التكوينات والملتقيات الوطنية، اجتماعا في إطار استكمال النصوص التنظيمية المتعلقة بتنزيل النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، وذلك بحضور الكاتب العام للوزارة وممثلي النقابات الأكثر تمثيلية.
وخصص هذا اللقاء لتقديم ومناقشة التعديلات المقترحة من طرف النقابات حول مشروع قرار الحركات الانتقالية، حيث تم التوصل إلى اتفاقات مهمة تتماشى مع مبدأ تكافؤ الفرص وتحقيق الاستقرار المهني والاجتماعي للأسرة التعليمية، عبر اعتماد نظام ثلاثي للحركات الانتقالية يشمل الحركات الوطنية، الجهوية، والإقليمية، بما يتيح للموظفين خيارات أوسع تتناسب مع متطلباتهم الشخصية والمهنية. وتقرر منح الأولوية في الحركات الانتقالية لطلبات الالتحاق بالأزواج، إضافة إلى استفادة من قضوا 12 سنة من الأقدمية من أفضلية خاصة، كما تمت الموافقة على احتساب سنتين للأقدمية إلى غاية نهاية الموسم الدراسي، ما يتيح معالجة وضعية موظفي الإدارة التربوية الذين عينوا بعد 31 دجنبر من السنة الدراسية، في خطوة تهدف إلى إنصاف هذه الفئة المتضررة من النظام السابق.
إجراءات جديدة
وبالنسبة لمستشاري التوجيه والتخطيط التربوي، تم الاتفاق على تنظيم حركتين انتقاليتين: وطنية وجهوية، بما يتناسب مع خصوصية هذه الفئة من الأطر التربوية. وفي ختام اللقاء، تم الاتفاق على إعداد النسخة النهائية لمشروع قرار الحركات الانتقالية بعد إدخال التعديلات المتفق عليها، مع العمل على تحيين مشروع قرار شغل مناصب الإدارة التربوية لتواكب المستجدات التنظيمية.
وفي سياق تتبع الملفات المرتبطة بتنزيل النظام الأساسي الجديد، تم إخبار النقابات الأكثر تمثيلية بأن 8 أكاديميات جهوية للتربية والتكوين قد توصلت بالميزانية الخاصة بتعويضات الامتحانات، وستشرع في صرفها لفائدة المعنيين والمعنيات في أقرب الآجال، ما يعكس حرص الوزارة على الالتزام بتعهداتها تجاه الأسرة التربوية. ويعتبر هذا اللقاء محطة مهمة نحو تفعيل نظام أساسي منصف وعصري يستجيب لتطلعات رجال ونساء التعليم، ويؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار والارتقاء بالمنظومة التربوية.