وفقًا لصندوق النقد الدولي والعديد من الاقتصاديين العالميين، فإن الركود الاقتصادي لا مفر منه. والمغرب، الذي يراهن في سياساته المالية والنقدية على النمو، يخاطر بتحمل بعض العواقب
لمياء جباري
يستمر عالم ما بعد «كوفيد» في مفاجأتنا يومًا بعد يوم. بعد استبعاده من الخطاب السياسي والاقتصادي حتى قبل شهر، عاد خطر الركود إلى قلب الجدل. في غضون أيام قليلة، انتقل العالم من ازدواجية بين النمو القوي والتضخم المتسارع إلى ازدواجية أخرى أكثر إثارة للقلق: انخفاض في الأسعار مصحوبًا بركود اقتصادي. وبين السيناريوهين، لم نعد نعرف أيهما هو الأسوأ للاقتصاد المغربي.
انخفاض في الأسعار وركود اقتصادي
«نحن نعيش في عالم مزعج حيث تتغير الأشياء بسرعة. لم يكن أحد يفكر بالفعل في الركود في بداية العام، فالعالم كان بحاجة ماسة إلى انتعاش قوي بعد صدمة الوباء على النمو. وها نحن هنا مرة أخرى بضعة أشهر بعد الانتعاش مباشرة، نتوقع حدوث ركود جديد، قد تكون عواقبه أسوأ من عواقب التضخم»، يقول خبير اقتصادي في مؤسسة مغربية لموقع «ميديا 24». بالنسبة لهذا الاقتصادي، فإن الركود أسوأ بكثير بالنسبة للمغرب من التضخم. وأضاف المتحدث أن «بلدنا لا يواجه سيناريو تضخم مفرط. على الرغم من كل ما يحدث في العالم، فقد تم احتواء معدل التضخم في المغرب عند 5 بالمائة. نحن نشهد تصورًا لارتفاع التضخم والذي يرجع ببساطة إلى ارتفاع أسعار الديزل وبعض المواد الخام، لكن سلة التسوق الإجمالية أو تكاليف الإنتاج لا تشهد انزلاقًا كبيرًا كما هو الحال في الولايات المتحدة أو أوروبا. من ناحية أخرى، إذا دخل العالم في حالة ركود، فإن التأثير على اقتصادنا يمكن أن يكون مؤلمًا للغاية، خاصة بعد ركود عام 2020. لأن من يقول الركود، يقول انخفاض في الاستهلاك، وتراجع في الاستثمار، وزيادة في البطالة… تأثيرات قد تستطيع الاقتصادات المتقدمة من استيعابها، ولكن ليس في اقتصاد مثل اقتصاد المغرب حيث وصلت البطالة، ولا سيما بين الشباب، إلى ذروتها».
سيناريو الركود أكثر وضوحا
علامات هذا الركود العالمي موجودة، العلامة الأولى التي لا لبس فيها: انخفاض أسعار النفط والمواد الخام. انخفض سعر البرميل يوم الأربعاء 6 يوليوز، دون مستوى 100 دولار، نتيجة لتوقع ركود عالمي قادم وهبوط في الطلب، كما أفاد سيتي بنك، في برقية نقلتها بلومبرج. حتى أن محللي سيتي بنك يتحدثون عن انخفاض أسعار النفط إلى 65 دولارًا للبرميل بحلول نهاية العام، ثم إلى 45 دولارًا في عام 2023. نفس الشيء بالنسبة لأسعار المعادن الصناعية، إشارة أخرى لا تضلل المخاوف من حدوث ركود عالمي. بعد ارتفاع حاد في بداية العام، انخفض مؤشر LME، وهو مؤشر يتضمن أسعار الألومنيوم والنحاس والرصاص والنيكل والقصدير والزنك المتداولة في بورصة لندن للمعادن، بشكل حاد في الأيام الأخيرة، حيث سجل الآن 15 بالمائة ضعف الأداء منذ بداية العام. «سوق السلع والمواد الصناعية يبتعد عن التضخم ويتجه نحو اليأس الاقتصادي»، يعلق تحليل أجرته Spi Asset Management في مقال نشرته وكالة «رويترز»، والذي يبدو أن الركود لا مفر منه. ويعطي موقع Investing.com نذيرًا آخر لسيناريو الكارثة هذا: انعكاس منحنى العائد في الولايات المتحدة، حيث أصبحت عوائد السندات ذات العشر سنوات أقل من عوائد السندات لمدة عامين! هذا الشعور واضح أيضًا في مجال الأعمال والتجارة والتبادلات… كدليل على ذلك، تؤكد شركات الشحن تباطؤًا في عمليات التسليم.
في مذكرة بتاريخ 4 يوليوز، أشار كبير الاقتصاديين في BNP Paribas، William de Vijlder، أيضًا إلى أن المديرين الماليين للشركات الأمريكية، الذين استجوبتهم جامعة Duke، يتوقعون حدوث ركود وهم على استعداد لخفض نفقاتهم.
عام 2023 أكثر تعقيدًا اقتصاديا
قام صندوق النقد الدولي، الذي استبعد هذا السيناريو قبل أقل من شهر، بمراجعة خطابه. في مقابلة بثتها «رويترز» في 7 يوليوز، قالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، إن «التوقعات للاقتصاد العالمي قد أصبحت قاتمة بشكل ملحوظ». ووفقًا لها، يتعين على صندوق النقد الدولي مراجعة توقعاته للنمو العالمي لعام 2022 نزولًا، للمرة الثالثة هذا العام، إلى 3.6 بالمائة حاليًا، مع تحديد أن اقتصاديي الصندوق بصدد الانتهاء من بيانات جديدة متوقعة نهاية الشهر ولا ينبغي أن يتحسن الوضع العام المقبل. وتوقعت أن يكون عام 2022 عامًا معقدًا، ولكن ربما يكون أكثر تعقيدًا في عام 2023، مضيفة أن «مخاطر الركود ستزداد في عام 2023». وأصرت قائلة: «لا يمكننا استبعاد ذلك». سبب هذا الاضطراب في المناخ الاقتصادي هو التضخم، الذي أجبر المؤسسات النقدية على رفع أسعار الفائدة، وبالتالي تباطؤ النمو. نتيجة لذلك، بدأت العديد من الدول في رفع أسعار الفائدة. وفي أوروبا، الشريك التجاري الأكبر للمغرب، ستكون الزيادة 25 نقطة أساس في الأيام المقبلة، قبل زيادة أخرى في شتنبر. في الولايات المتحدة، طبق بنك الاحتياطي الفيدرالي أكبر زيادة في آخر سبعة وعشرين عامًا. من خلال رفع أسعارها الرئيسية، تعمل البنوك المركزية على كبح الاستهلاك في محاولة لوقف التضخم، لكنها، بنفس الطريقة، تقطع النمو في تقدمه حتى يتسبب في حدوث ركود.
بعد التضخم المستورد.. الركود المستورد
كل هذه العناصر مجتمعة تظهر أنه بعد أن عانى من تضخم مستورد، سيمر المغرب بركود مستورد مماثل في الأشهر المقبلة. يذكر أن البنك المركزي للمملكة لم يتبع نظراءه العالميين في سياستهم للحد من التضخم مهما كان الثمن، مفضلا، كما أعلن والي بنك المغرب، النمو بأسعار منخفضة. ماذا سيكون التأثير الدقيق لهذا الركود العالمي على الاقتصاد المغربي؟ لا أحد يستطيع أن يتنبأ به. «لقد شهد العالم بالفعل ركودًا عالميًا في عام 2020، ونحن نعرف كيف يبدو ذلك. لكنها لن يكون هو نفس الركود الذي ينتظرنا. في عام 2020، تسبب المغرب، مثل دول أخرى في العالم، في ركود لمواجهة الوباء. هذا ليس هو الحال حاليًا، حيث يواجه البلاد تضخمًا مع برودة معينة. لذلك سوف نعاني فقط من آثار الانخفاض في الطلب العالمي، والذي سيؤثر على نمو البلاد، ولكن ليس لدرجة دخولها في حالة ركود»، يوضح الخبير الاقتصادي لموقع «ميديا 24». ولاتزال السياسة المالية في المغرب توسعية، حيث لم يتم تخفيض مستوى الاستثمار على الرغم من قيود الميزانية. الشيء نفسه بالنسبة للسياسة النقدية، التي لا تزال متكيفة على الرغم من ارتفاع التضخم. لذلك، فإن الطلب الوطني، المحرك الرئيسي للنمو في المغرب، لن يتأثر حقًا، ما لم يحدث تغيير في السياسات المالية والنقدية. من ناحية أخرى، ستتأثر القطاعات التي تعتمد على الطلب العالمي. «إذا تأكد سيناريو الركود العالمي، فسنعيش قليلاً مثل سيناريو أزمة عام 2008، مع تأثير مباشر على قطاعات التصدير والسياحة والصناعة التقليدية، مع كل ما قد يترتب على ذلك من آثار على سوق العمل، ميزان المدفوعات والدين العام»، يشير المتحدث.