بعد الأسر في الرابوني أصبحنا نزلاء بمركز للمسنين قبل منحنا غرفا بمركب محمد الخامس
مانسيناكش عبد الله لماني (معتقل سابق في سجون البوليساريو):
14 فبراير، 2024
حسن البصري:
كيف كان شعورك وأنت تركب طائرة العودة إلى الوطن؟
تنفست الصعداء بعد أن أعلن الطيار عن استعدادنا للإقلاع صوب أكادير، قال إن درجة الحرارة خارج الطائرة تبلغ 40 درجة، وكان الضباط الجزائريون متواجدين في المطار بينما اختفى حكام البوليساريو. الفوج الأول ضم 122 أسيرا، أغلبهم كانوا عبارة عن حالات صحية أكثر حرجا. وبعد نصف ساعة وصلت حافلتانا من الرابوني تتقدمهما «دوروتي كريميتساس»، منسقة اللجنة الدولية للأنشطة المتصلة بالاحتجاز، الإنسانة الخدومة التي لعبت دورا كبيرا في إطلاق سراحنا. وكان ضمن الرحلة إلى جانبها طبيبان من اللجنة الدولية هما «ماريو أومبيلي» و«آلان فويلوميي». كان السؤال المسيطر على جميع الأسرى: كيف سيتم استقبالنا في وطننا من عائلاتنا، من المسؤولين، من الأصدقاء ومن الشعب؟ لقد وقع أقدمنا في الأسر في يناير 1975 لم ير أسرته أو بلده منذ 28 عاما. بعد خمس عشرة دقيقة من الطيران، سيعلن هارالد أن الطائرة دخلت الأجواء المغربية، حينها بدأ الأسرى يتبادلون التهاني، وبعد ثلاثين دقيقة أخرى ستهبط الطائرة في مطار أكادير.
وصلت إلى أكادير، كيف كان الاستقبال؟
حين حطت الطائرة الأوكرانية فوق أرضية المطار، دخل ضباط مغاربة إلى الطائرة لتحية واحتضان الأسرى السابقين. في أكادير عشنا جوا مشحونا بالعواطف، يتعرف أصدقاء قدامى على بعضهم البعض ويلتقون في جو مفعم بالمشاعر الجياشة. كل الشكر للمسؤولين المغاربة أفراد طاقم اللجنة الدولية بحرارة على العمل الذي قاموا به، دون أن ننسى العناية التي حظينا بها من طرف أطباء وممرضين عسكريين. وتم نقل الأسرى العائدين ممن يعانون أمراضاً خطيرة إلى المستشفى بواسطة سيارة الإسعاف.
هل حضر أفراد عائلتك لاستقبالك؟
نعم لقد علموا عن طريق المراسلات بأن الأسر انتهى، في اليوم الأول لوصولي إلى أكادير زارني ابن خالي الذي تركته طفلا وزارني وهو رجل له أبناء. حاول، في أول لقاء، أن يقربني من الوضع العائلي ومن الجيران والرفاق، وفي غمرة حديثنا قال لي: «هل تذكر تلك الطفلة الصغيرة ابنة الجيران؟ إنها تنتظرك». قضيت 45 يوما في أكادير بين الاستشفاء وترتيب أوراقي وطرح أسئلة عن مستقبلي. كنت أنوي الزواج من فتاة من حينا كانت قاصرا عمرها 13 سنة، قيل لي إنها تنتظرني، فقررت أن أتزوجها لأنني كنت أراسل عائلتها وبفضلها توصلت بعناوين عائلتي ومعلومات حول محيطي العائلي، وكتب لي أن أتزوج بتلك الفتاة التي غادرتها وعمرها 13 سنة.
أين ستستقر بعد نهاية الأسر؟
حين جئت لأكادير فقدت بوصلتي، لم أتخلص من الكوابيس ورعب الاعتقال. أختي كانت صغيرة تزوجت ولديها أبناء، أين سأعيش ما بعد الاعتقال؟ ذهبنا إلى مقر ولاية الدار البيضاء، جالسنا مدير الديوان وشرحنا له وضعيتنا كوننا بلا ملاذ. كنا ثلاثة من الأسرى السابقين، أحالنا على مركز لرعاية المسنين بتيط مليل فاكتشفنا أنه مركز لجمع المشردين، طلبنا من المدير أن يعيدنا إلى الولاية فأخذنا إلى عمالة المشور وحين تأخر في العودة قررنا أن نبحث عن حل للإيواء. توجهت عند أختي وتلقيت مكالمة من وزارة الداخلية عبر عبد الرحيم البواب، الذي طلب مني العودة إلى الولاية. كان همنا الإيواء أولا وكنا نبحث عن وثائق هوية، كل ما كنا نملكه ورقة عليها اسمنا وهويتنا كمعتقلين.
ستقطن في ملعب لكرة القدم..
عرض علينا مدير الديوان الإقامة في مركب محمد الخامس، فأصبحت قاطنا في مدخل الباب رقم 15 حيث توجد غرف تحت المدرجات. أنجزت البطاقة الوطنية وعليها عنوان مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، لكن كان من الصعب ولوج الملعب أيام المباريات. يوم المباراة كان يوم عذاب بالنسبة لي، أتذكر مباراة جمعت المنتخبين المغربي والأرجنتيني، منعت من ولوج غرفتي وفي آخر معبر وجدت صعوبات مع أحد رجال الأمن الذي منعني ولم يتقبل روايتي، كيف لعائد من البوليساريو أن يسكن في ملعب؟ كنت في وضعية نفسية مأساوية فاصطدمت معه، ضربني وتبادلنا الضرب إلى أن جاء ضابط برتبة عالية، فشرحت له القصة فانخرط في نوبة بكاء وألح على أن أتابع المباراة.
الإنصاف والمصالحة؟
عرضت على هذه الهيئة ملفي وكل ملفات الأسرى المدنيين من وجدة إلى بوجدور، تبين أننا لسنا من ضحايا الاعتقال التعسفي حسب ضوابط الهيئة، فبحث لنا إدريس بنزكري عن صيغة أخرى لكنه توفي. استمر نضالنا إلى غاية 2014، وتوصل أغلب الأسرى بالتعويضات بدءا بالمسجلين عند الصليب الأحمر الدولي باستثناء أربعة، ونحن نواصل النضال مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ويتعلق الأمر ببحارة قتلوا من طرف البوليساريو قرب جزر الكناري.