برلمان أم ثلاجة؟
اقترب قانون التعاضد من دخول موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية، ولم يكتب له الخروج من قبضة البرلمان منذ المصادقة عليه في حكومة عباس الفاسي سنة 2010 بناء على أرضية أعدت في سنة 2008. وبعد مرور ثلاث حكومات وثلاث ولايات تشريعية وثلاث محطات انتخابية، مازال هذا المشروع عصيا على المصادقة التي تحوله إلى قانون ملزم للجميع.
ومنذ ثماني سنوات تحول هذا القانون الاستراتيجي بالنسبة للمغاربة إلى لعبة بيد اللوبيات المهنية مما عسر من ولادته، ولا تبدو أي ملامح في الأفق تبشر بأن هذا القانون سيرى النور قريبا ويخرج من لجنة العدل والتشريع بمجلس المستشارين التي دخلها منذ 2016، بعدما ظل لسنوات حبيس الغرفة الأولى.
قانون التعاضد نموذج من نماذج كثيرة تجسد حقيقة تحول المؤسسة التشريعية، التي يفترض أنها تدافع عن مصالح المواطنين، إلى رهينة بيد اللوبيات بما تملكه من مغريات جعلتها المتحكم الفعلي في زمن التشريع ومساطره وتوجهاته، بعيدا عن ضمير البرلماني وقناعاته السياسية.
وبطبيعة الحال، ليست هاته هي المرة الأولى التي تحكم فيها اللوبيات سيطرتها على ممثلي الأمة وتجعلهم خادمين لمصالحها، فقد تدخلت في قوانين مدونة الطب وشروط الترخيص للمصحات، وقانون الخبراء المحاسبيين وقانون المهن الطبية.
ليس عيبا أن تمارس جماعات المصالح وظيفة الضغط على صناع القرار التشريعي والحكومي لإخراج قوانين تساير مصالحها، فآلية «اللوبينغ» معمول به في معظم الدول الديمقراطية، لكن ما يجري لدينا لا علاقة له بالضغط المنظم والمقنن بل يتعلق الأمر بإغراءات للبرلمانيين ومساومات في الكواليس تنتهي بوضع المشروع في ثلاجة البرلمان، دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح مئات الآلاف من المواطنين الذين ينتظرون خروجه بفارغ الصبر.
حينما نرجع إلى قانون التعاضد، نجد أن اللوبيات المعنية به متعددة، أصحاب المصحات والتعاضديات وتنسيقية المهن الطبية والصحية وغيرهم..، لكن حقيقة تأخر صدور القانون مرتبطة بالدور الانتهازي الذي يلعبه عبد المولى عبد المومني، رئيس التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، بتنسيق مع الفريق الاشتراكي بالغرفة الثانية، لتأجيل خروج قانون يحد من صلاحياته ومن استفادته من خدمات تدر على مؤسسته أموالا طائلة، مستغلا هشاشة المستخدمين بالإدارات العمومية للمطالبة بتمكين تعاضديته من تقديم خدمات صحية وطبية، وتوريد الأدوية والمنتوجات الصيدلانية والمستلزمات الطبية، وهو ما ترفضه المؤسسات الصحية الأخرى.
لذلك، لم يعد مقبولا أن تتحكم اللوبيات، من أمثال عبد المولى، في مصير قوانين تهم الدولة، وإلا تحولت إلى كائن يفوق الحكومة والبرلمان بل ويسيرهما على هواه.