خص التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، قطاع التربية والتكوين، بتقريرين تفصيليين مهمين، أحدهما يهم قطاع محاربة الأمية، وهي الآفة التي فشلت كل برامج محاربتها في القضاء التام عليها، كما حدث في دول وضعت برامج للقضاء على الأمية بعد المغرب بسنوات لكنها حققت نجاحا كبيرا، في حين مايزال 400 ألف من مواطني المغرب يدخلون سنويا ورسميا دائرة «الأميين»، وهي الحقيقة التي وقف هذا التقرير على أسبابها وكذا سبل تحويل المغرب لبلد بدون أميين.
المصطفى مورادي :
برامج فاشلة
قال المجلس الأعلى للحسابات إن عدد الأميين الجدد يقدر بما مجموعه 400 ألف شخص سنويا، منبها إلى أن نسبة الأشخاص المرتدين إلى الأمية تظل جد مرتفعة، بحيث تقدر بـ 32% من مجموع المسجلين ببرامج محو الأمية. وفسر المجلس، في تقريره السنوي، هذا الارتداد إلى الأمية بعدة عوامل من أبرزها ضعف أثر البرامج المنجزة بشراكة مع هيئات المجتمع المدني على تقليص نسبة الأمية، بسبب عدم بلوغ الأقسام المفتوحة للعدد المطلوب، وضعف جودة التعلمات المقدمة، وعدم ضبط حضور وانضباط المسجلين في الدورات، بالإضافة إلى غياب جسور بين برامج محاربة الأمية وباقي أنظمة التعليم الأساسي والمهني، والتي من شأنها أن تساهم في انخراط المتحررين من الأمية في مسارات تكوينية أخرى حتى لا يرتدوا إليها.
ورغم أن العدد التراكمي للمستفيدين من برامج محو الأمية تجاوز ما مجموعه 13.5 مليون مستفيد خلال الفترة 2021-2004، وشكلت النساء ما يزيد على 88%، غير أن تطور عدد المستفيدين لا يتناسب مع وتيرة تقليص نسبة الأمية على الصعيد الوطني، التي تظل منخفضة، حيث لم يتعد مستوى انخفاض الأمية ما مجموعه 570 ألف شخص، لمدة 17 سنة (من 2004 إلى 2021).
وسجل المجلس وجود مقرات تكوين عبارة عن شقق ومنازل سكنية ومرائب غير مهيأة لاحتضان دروس محاربة الأمية، وهو ما من شأنه أن ينعكس على جودة التكوينات المقدمة والقدرة على استقطاب المستفيدين والمردودية العامة للمشاريع، مع تأكيده على ضعف مؤشرات حضور المستفيدين من دروس محاربة الأمية وانضباطهم في الحضور، حيث بلغ متوسط مؤشر حضور المستفيدين من دروس محاربة الأمية التي تؤطرها هيئات المجتمع المدني حوالي 40%، علما أن هذه النسبة مرشحة للانخفاض في حال استبعاد الحاضرين غير المسجلين في قائمة المستفيدين من دروس محاربة الأمية.
ويرجع ارتفاع مستوى غياب المسجلين في الدروس، وعدم انضباطهم في الحضور، حسب التقرير، إلى عدم احترام الهيئات الشريكة لعدد الأفواج أو لمقرات التكوين أو لجداول الحصص، وهو ما من شأنه أن يقلل من أثر المجهودات المبذولة لمحاربة آفة الأمية.
وشدد التقرير على ضرورة تسريع عملية تحيين المناهج وتكييف العرض التكويني مع حاجيات وخصوصيات الفئات المستهدفة.
وتطرق التقرير إلى مجموعة من الإشكالات المرتبطة بالوكالة الوطنية لمحاربة الأمية التي بلغ الغلاف المالي الإجمالي الذي تمت تعبئته لفائدتها، منذ شروعها في تنفيذ برامج محاربة الأمية سنة 2015 حتى متم سنة 2023، ما يناهز 2.971 مليون درهم.
اختلالات هيكلية
سجل التقرير عدم توافق عدد أعضاء مجلس إدارة الوكالة مع قواعد ميثاق الممارسات الجيدة لحكامة المنشآت والمؤسسات العامة، حيث يتجاوز عدد أعضاء مجلس إدارة الوكالة 30 عضوا، وهو ما يحول دون انتظام وتيرة انعقاده، بشكل يؤثر على تفعيل مهام القيادة الاستراتيجية.
وإلى غاية متم سنة 2023، انحصر عدد دورات مجلس الإدارة المنعقدة منذ صدور المرسوم القاضي بتطبيق القانون المحدث للوكالة سنة 2013 في ثمانية اجتماعات من أصل 20، ولم تعقد أية دورة برسم سنتي 2015 و2022.
وأظهر التقرير أن معدل الأمية في المغرب لا يزال مرتفعًا، إذ تجاوزت نسبة الأمية 34.2% في سنة 2021، وكانت الأهداف التي وضعتها الاستراتيجيات السابقة شهدت تقليصًا ملحوظًا، مما أدى إلى تأخير في المواعد المقررة للقضاء على الأمية بشكل شبه كامل. ومن بين التحديات التي تعيق تحقيق الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية لأهدافها، سلط التقرير الضوء على إشكالية عدم اعتمادها على البعد الترابي في استراتيجياتها، حيث أوضح أن هذه الاستراتيجيات لم تأخذ بعين الاعتبار تفاوت نسب الأمية بين مختلف الجهات المغربية، أو الخصوصيات الثقافية والاجتماعية التي تميز كل جهة.
وأشار التقرير أيضًا إلى ضعف آليات التنفيذ والمتابعة للبرامج، حيث تسجل الوكالة أداءً ضعيفًا جدًا في مراقبة صرف الأموال، إذ بلغ متوسط الأداء المالي حوالي 29% من مجموع النفقات الملتزم بها بين 2015 و2022، مما أدى، بحسب التقرير، إلى تراكم ديون تجاوزت 584 مليون درهم في 2022. وفي ما يتعلق بالتمويل، أبرز المصدر ذاته أن الوكالة اعتمدت بشكل أساسي على الدعم الحكومي الذي شكل ما يقارب 84% من مواردها بين 2015 و2023، بينما كانت مساهمة الاتحاد الأوروبي تصل إلى 14% فقط، فيما لم تتجاوز مساهمة مجالس الجهات والقطاعات الحكومية الأخرى 2% من مجموع موارد الوكالة.
ومن جهة أخرى، أشار المصدر إلى أن غياب نظام تصنيف للجمعيات العاملة في مجال محاربة الأمية أثر على قدرة الوكالة على تقييم أدائها بشكل دقيق، مبرزا أن عدم تصنيف الجمعيات وفق معايير مهنية وتوفير آليات متابعة دقيقة شكل عائقا أمام تحقيق الأهداف الاستراتيجية المرسومة.
///////////////////////////////////////
ما جدوى الواجبات المنزلية إذن، وما حجم أثرها على التحصيل الدراسي وعلاقتها بالتعلم الذاتي والحالة هذه؟ هل يعي المتعلمون والمتعلمات جدواها وأثرها أم أنهم يرونها فقط عبئا عليهم وجب التخلص منه في أقصر وقت ممكن؟ وما مدى مسؤولية الآباء والأمهات، كشريك في العملية التربوية والتعليمية، في التتبع والتوجيه؟
محمد رياض
أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي/ مهتم بقضايا التربية والتعليم
أبناؤنا والواجبات المنزلية
يمكن أن يستفيدوا منها إذا ضبطت علاقتهم بتكنولوجيا الاتصال
تحكي لي إحدى السيدات أنها لاحظت أن ابنتها، وهي تلميذة تتابع دراستها في السلك الثانوي الإعدادي، تنجز واجباتها المنزلية في وقت قياسي، ثم تهرع إلى هاتفها لتبحر في عوالمه المفضلة لديها لعبا ودردشة وتصفحا مبررة ذلك بأنها أنهت ما لديها من عمل، وستكتشف الأم خلسة أن ابنتها تستعين بتطبيق ذكي تقوم من خلاله بتصوير عناصر الواجب المنزلي بكاميرا هاتفها ويتكلف هذا التطبيق عوضا عنها بتقديم الإجابات اللازمة فيعفيها كليا من عناء التفكير ويختزل وقت الإنجاز بما يسمح لها بممارسة هوايتها التي تحولت إلى شبه إدمان كما تقول أمها.
تطرح هذه الحالة، ومن المؤكد أن العديد من الأبناء يقومون بذلك، دون أن يعلم بذلك الآباء ولا الكثير من المدرسين أيضا، عدة أسئلة:
ما جدوى الواجبات المنزلية إذن، وما حجم أثرها على التحصيل الدراسي وعلاقتها بالتعلم الذاتي والحالة هذه؟ هل يعي المتعلمون والمتعلمات جدواها وأثرها أم أنهم يرونها فقط عبئا عليهم وجب التخلص منه في أقصر وقت ممكن؟ وما مدى مسؤولية الآباء والأمهات، كشريك في العملية التربوية والتعليمية، في التتبع والتوجيه؟
هي أسئلة مقلقة تثيرها هذه الوضعية وتكشف فعلا عن قصور في المسؤولية تتقاسمه الأسرة والمدرسة وإن بشكل غير متكافئ، وتعكس سطوة الآلة التكنولوجية بتطبيقاتها المختلفة التي باتت تشغل أوقات واهتمامات أبنائنا وتُشغِلهم ـ للأسف ـ عما يعتبر مهما جدا في سلم الأولويات لديهم في هذه المراحل العمرية المبكرة من حياتهم وهي التعلم والتكوين السليم لشخصياتهم في أبعادها المختلفة المعرفية والوجدانية والمهارية، وصار كل شكل من أشكال التعلم المدرسي بما فيها الواجبات المنزلية عبئا ينفرون منه ويتخلصون منه سريعا، بل إنهم ينجزونها على مضض ولا يقومون بها إلا إرضاء لآبائهم أو خوفا من عقوبات المدرسين فيعمدون إلى اللجوء إلى هذه التطبيقات الذكية أو إلى نسخ إجابات تصل إليهم بسهولة ودون عناء عبر رسائل إلكترونية من زملاء لهم.. ويعلم المدرسون والمدرسات حجم هذه الآفة واتساعها عند مراقبة وتقويم هذه الأنشطة التي تنجز خارج الفصول الدراسية، وبذلك يفقد هذا النمط من التعلم جدواه.. هذا فعلا إذا كانت أنشطته مؤسسة على أهداف واضحة ودقيقة، فلا معنى ولا جدوى لنشاط تعلمي إذا لم يكن محددا بأهداف ومواصفات تربوية دقيقة وإلا فهو من الزوائد المملة والرتيبة.
لقد صار من اللازم تجديد وملاءمة البرامج والمناهج التعليمية من حيث الأهداف والمحتويات والأساليب وطرق التقويم، وتصحيح اختلالاتها بما فيها الزمن المدرسي المعتمد حاليا والذي يرهن المتعلمين والمتعلمات لساعات من التعلم تنهك طاقاتهم وقدراتهم ولا تولي الاهتمام لمهاراتهم ومواهبهم واحتياجاتهم، وأيضا تصحيح اختلالات البرامج التعليمية والمقررات الدراسية وهي اختلالات متعددة تطبعها الكثافة وطغيان الكم على الكيف وهو ما يرهق المتعلم والمدرس معا ويجعلهما في سباق محموم مع الزمن من أجل إنجاز كل محتوياتها خاصة في المستويات الإشهادية، ولا يسمح بخلق مساحة كافية من زمن التعلم تستثمر في تثبيت وتقوية التعلمات وتقويمها داخل فضاءات الأقسام بما يمكن من ضمان جودتها.
صار من اللازم أيضا، وفي انتظار إصلاح الاختلالات المشار إليها، إعادة النظر في كيفية التعاطي مع الواجبات المدرسية التي تنجز خارج الفصول الدراسية من حيث الصياغة الدقيقة لمضامينها وأهدافها ومراعاتها لخصائص المرحلة العمرية للمتعلم وحاجياتها، والحرص على أن تكون ذات جدوى ومعنى لديه، فلا أثر إيجابيا لأي نشاط تربوي ما لم يكن له معنى في ذهن المتعلم وأثر على تحصيله وسلوكه، ومن المستحسن أن تكون هذه الأنشطة منتظمة وموجهة للتعلم الذاتي وبجاذبية تثير عناصر المتعة والفضول وتستثمر لتطوير قدرات ومهارات المتعلمين بما ينمي كفاياتهم الثقافية والتواصلية ويثري رأسمالهم الثقافي ويرتقي بشخصياتهم، وعلى الأسرة ـ آباء وأمهات ـ أن تتحمل مسؤوليتها في تتبع سلوك ومستوى تحصيل أبنائها تتبعا سليما باعتبار الحرص على تربية الأبناء والعناية بهم وتوجيههم استثمارا ستعود فوائده بالنفع على حاضر ومستقبل الأبناء وعلى المجتمع، ويمنحهم جرعات صحية تكسبهم مناعة قوية ضد كل أشكال الانحراف وضد التفاهة والرداءة والابتذال الذي صار يفرض سطوته بأساليب ووسائل متعددة ومن خلال بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وقد ظهرت آثارها وانعكاساتها السلبية بشكل جلي على التحصيل الدراسي لأبنائنا وعلى مواقفهم وتصوراتهم للحياة والنجاح فيها.. وفي هذا الشأن، وفي إطار التربية الإيجابية السليمة وامتداداتها في كل مفاصل العلاقة بين الآباء والأبناء، لا بد من إيجاد صيغة للتعاقد بين الآباء والأمهات وأبنائهم في هذا الشأن بموجبه تحدد كيفية وزمن استعمال هذه الوسائل التكنولوجية خاصة في المراحل العمرية الأولى التي تبدأ فيها شخصية الطفل في التشكل ، فهي القاعدة الأساسية لبناء الشخصية وتقوية أركانها بما يجعلها قادرة على الفعل المثمر والتفاعل الإيجابي مع كل قضايا الحياة والواقع ومتغيراتهما المتواترة.
/////////////////////////////////////////
متفرقات:
توقيف أستاذ بسبب «ابتزاز» النقط بفاس
قررت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة فاس مكناس توقيف أستاذ لمادة الفيزياء والكيمياء يشتغل بإحدى ثانويات فاس التأهيلية عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، مع حرمانه من أجره خلال هذه الفترة، وذلك إثر اتهامات موجهة إليه من قبل مدير المؤسسة تتعلق بابتزاز التلاميذ، وفق ما كشفته مصادر نقابية. وبحسب الأكاديمية، فإن القرار جاء استناداً إلى تقرير لجنة تفتيش أوفدتها المؤسسة قبل أسبوعين، بناءً على مراسلة مدير الثانوية، حيث أشار التقرير إلى تورط الأستاذ في فرض أداء مبالغ مالية على التلاميذ مقابل ساعات إضافية تُقدم خارج المؤسسة، قُدرت بـ300 درهم، بالإضافة إلى بيع مطبوعات دراسية بأسعار تراوحت بين 70 و170 درهماً حسب المستوى الدراسي، مما أثار استياء واسعاً بين أولياء الأمور والتلاميذ.
في المقابل، خرج عدد من التلاميذ عن صمتهم، ونفوا في رسالة مفتوحة كل ما نسب إلى الأستاذ، معتبرين أن هذه الاتهامات «افتراء» من تلميذة كانت قد واجهت الأستاذ بسبب ضبطها في حالة غش، وأكدوا أن الأستاذ كان نموذجاً في تقديم الدعم البيداغوجي لهم، حيث بذل جهداً كبيراً لتبسيط الدروس وتوفير روابط إلكترونية للتعلم. وفي بيان توضيحي صادر عن الأكاديمية، أكدت الأخيرة أنها حريصة على تتبع التحقيقات وإنصاف جميع الأطراف، مشددة على أنها لن تتساهل مع أي إخلال يمس سمعة المنظومة التعليمية، لكنها دعت أيضاً إلى توخي الحذر في إصدار الأحكام حتى يتم الفصل في القضية بناءً على الأدلة الموثقة.
التعلم الذاتي موضوع دراسة في المجلس الأعلى للتربية
نظم المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يوماً دراسياً حول موضوع «التعلم مدى الحياة»، وذلك بشراكة مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ومنظمة اليونسكو، وكلية علوم التربية بالرباط، والمؤسسة الإفريقية للتعلم مدى الحياة ومعهد اليونيسكو للتعلم مدى الحياة.
ويهدف هذا اليوم الدراسي، حسب بيان المجلس، إلى التوعية برهانات التعلم مدى الحياة في تكوين الرأسمال البشري بالمغرب وتطويره، وذلك في ضوء التحديات والفرص القائمة والمستقبلية، بالإضافة إلى تقاسم ممارسات مبتكرة ومقاربات متنوعة من شأنها تعزيز التعاون المستدام بين المشاركين بعد اليوم الدراسي حول التعلم مدى الحياة. علاوة على ذلك، يسعى هذا اليوم الدراسي إلى توفير مساحة للنقاش والتفاعل بين مختلف الفاعلين حول الممارسات المبتكرة والطرق التي تسهم في تعزيز التعاون المستدام بين المشاركين، من أجل الوصول إلى استدامة نشر المعرفة والمعلومات وتعميم التربية والتعليم للجميع، وذلك تنزيلاً لمقتضيات دستور المملكة، وتفعيلًا للرؤية الاستراتيجية 2015- 2030، والقانون الإطار رقم 51.17.
وشارك في أشغال هذا اليوم الدراسي ممثلون عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والمؤسسة الإفريقية للتعلم مدى الحياة، ومنظمة اليونسكو، وكلية علوم التربية ومعهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة، بالإضافة إلى ممثلين عن وزارة التربية الوطنية، ومكتب التكوين المهني، ووزارة التعليم العالي، وكذلك ممثلين عن المجتمع المدني، فضلاً عن مجموعة من الخبراء على المستويين الوطني والدولي.