بدر هاري.. نسخة سودانية
تنافست الصحف السودانية منذ ثلاثة أيام على جلد المغاربة والنيل منهم والتشكيك في فوز عادي على رقعة الملعب، واعتبر زملاؤنا في مهنة المتاعب هزيمة فريقهم المريخ مؤامرة خطط لها سحرتنا وبوليسنا ومصورونا برعاية من الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم. وذهبت بعض الصحف الإلكترونية الموالية للمريخ إلى حد الحديث عن وجود دجال في كرسي بدلاء الكوكب المراكشي، حصرت مهمته في تعطيل همة السودانيين وحشد عزيمة المراكشيين.
كل من شاهد المباراة انتابته حالة شك ممزوج بخوف رهيب، بعدما تخلص السودانيون من لقب «أطيب شعب» وراحوا يكشفون عن مواهبهم في الركل والرفس الذي شمل الحكم الغابوني ومساعديه والمصورين وعمال الملعب ولم يسلم من الاجتياح «جامعو» الكرات.
كل من تابع المباراة سيتأكد بأن عنترة لم يمت بعد، وأنه لازال حيا «يرشق» بوابل من الشتائم، بعد أن قدم وصلة في فنون القتال وأكد أن حاتم من فصيلة هاري، حين اقتحم الملعب ليلكم الحكم مرتين ويفوز على مساعديه بالنقط، ويعود إلى كرسي البدلاء سالما. وحين أمره مندوب المباراة بمغادرة الملعب هاجمه بما تبقى له من رصيد شتائم.
هذا البطل المغوار الذي توج بلقب رجل المباراة، يدعى حاتم محمد أحمد، وهو إداري المريخ الذي لا يقهر، زار مراكش وعاد إلى أم درمان يحصي ضحاياه، وفي السودان تحدث الرجل عن جور التحكيم وعن الفساد الذي يضرب الكرة، وقرأ الفاتحة على الروح الرياضية، ومتقمصا دور الحمل الوديع.
بحثت في سيرة عنترة المريخ، فعثرت على حوار مطول أجراه مع صحيفة سودانية، تحدث فيه عن مساره الكروي مع الفريق، وأبرز أهم إنجازاته كمدافع لا يشق له غبار في تشكيلة المريخ. دعوني أتقاسم معكم بعض اعترافات بطل ملحمة ملعب مراكش لنقف سويا على مكانة الرجل وتاريخه الحافل بالمعارك.
حكى حاتم قصته مع مهاجم الهلال السابق حنظلية وقال: «في إحدى مباريات القمة سبب حنظلية إزعاجا شديدا لدفاع المريخ بسرعته الفائقة فذهبت إليه وتحدثت معه مهددا ومتوعدا، وقلت له إنك ستجلب المتاعب لنفسك إذا واصلت في هذه المباراة، ونصحته بمغادرة الملعب، فغادر حنظلية الملعب بعد ذلك بوقت وجيز».
وواصل حاتم حديثه عن غاراته، «كان لاعبنا العجب تحت رقابة مدافع هلالي يدعى أبو شامة، فقمت بتحذير المدافع أبو شامة فلم يتوقف فضربته (كف) ولم يره الحكم فوجدت لاعب الهلال بعد يوم من المباراة حاملا سكينا قرب باب منزلي».
وتحدث الرجل المغوار عن معاركه الخارجية، ضد الأهلي المصري، وكيف انقض على المهاجم ياسر الريان، وحوله إلى جثة هامدة، وكأن المباريات التي يتحدث عنها حاتم بن دي اليزن لا يشملها التحكيم ولا تقربها قوانين الكرة.
استغرب المراكشيون لتصرفات البعثة السودانية، وتبين أن مسؤوليهم يضمرون سوءا، وحين سلمهم مسؤول الكوكب كمية من المياه المعدنية، طلبوا من طبيب المريخ السوداني فحص الكمية والتأكد من سلامتها، بقرار من حاتم الذي لا يفقه شيئا في معنى التركيز لمباراة مصيرية، إذ كان سباقا لتقديم عبارات العزاء للمدرب البلجيكي لوك إيمال وأشعره بوفاة والده في حادث سير مروع ببلجيكا، قبل أن يجمع اللاعبين ويطلب منهم تحقيق الفوز وإهدائه إلى روح الفقيد.
دمر حاتم بسلوكه الأرعن الوئام الذي ميز العلاقات المغربية السودانية، وجعل الولي الصالح سيدي أحمد زورق أبو المغاربة والسودانيين في وضع حرج، بل إن كثيرا من السودانيين يعرفون أن قرية المغاربة غرب السودان كانت موطن مغاربة ذهبوا للحج وقرروا الاستقرار هناك، وحين نرجع إلى كتابات ابن بطوطة نتوقف عند شهادته على أهل السودان بالقول: «من أفعالهم الحسنة قلة الظلم، فهم أبعد الناس عنه، وسلطانهم لا يسامح أحدا في شيء منه».
لا يعلم حاتم المغوار، الذي وزع كمية من اللكمات خلال مقامه القصير في المغرب، أن الشاعر السوداني الكبير محمد الفيتوري، دفن مقبرة الشهداء في الرباط، حين أغفلته الحكومة السودانية، وأن عددا من أطفال السودان يحفظون عن ظهر قلب منبت الأحرار.
حين انتهى حاتم من معركته، شوهد الجلاد وهو يتوضأ فاكتشف الناس وجود علامة صلاة على جبهته، فتساءلوا لماذا يختار «دينار» الصلاة أكثر الجباه صلابة؟