شوف تشوف

الرأي

بايدن وتداعيات الانسحاب

حسام كنفاني

يوفر الرئيس الأمريكي جو بايدن فرصة للتأكيد على أن عهده امتداد لولاية الرئيس الأسبق، باراك أوباما، لجهة التوجه نحو الانكفاء الأمريكي إلى الداخل، وسحب اليد من ملفات كثيرة في العالم كانت الولايات المتحدة ضالعة فيها. ما يحدث اليوم في أفغانستان أحد الأدلة على هذه العودة الأمريكية إلى الداخل، وهو ما يثير قلقا في الدول الغربية التي استبشرت خيرا بالانتخابات الأمريكية ووعد بايدن بـ«عودة الولايات المتحدة»، وهو وعد لم يصمد كثيرا بعدما سرع الرئيس الأمريكي الانسحاب من أفغانستان، والتمهيد لفوضى ستعصف في العالم، سواء لجهة عودة حركة طالبان إلى الحكم وما قد ينتج عنها، أو لجهة موجة اللجوء الجديدة التي ستهدد الدول الأوروبية، وهو ما بدأت هذه الدول تتحسب له في ظل سعي أفغان كثيرين إلى الهرب من تحت حكم الحركة الإسلامية.
عاش العالم هذا الانكفاء وتداعياته في عهد أوباما، بعدما تم فتح المجال أمام إيران لزيادة نفوذها في المنطقة، بعد إبرام الاتفاق النووي، وها هو اليوم يفتح مجالا آخر أمام «طالبان» لزيادة النفوذ، بداية من أفغانستان، وهو ما سيمتد لاحقا عبر الحدود، وخصوصا في باكستان التي لم تكن سابقا بعيدة كليا عن «طالبان»، سواء سياسيا أو استخباراتيا أو شعبيا. هذا إضافة إلى الصراعات التي بدأت ملامحها في الظهور في الداخل الأفغاني، وهي كانت معلومة للإدارة الأمريكية واستخباراتها، ولن تكون تداعياتها محصورة في أفغانستان، بل ستتمدد إلى المحيط، وربما الدول الأوروبية.
الانفجار الذي شهده مطار كابول، قبل أيام، مؤشر على هذا الصراع وطبيعته في المرحلة المقبلة بين «طالبان» و«داعش»، فأفغانستان ستكون نقطة إضافية جاذبة لحالات «الجهاديين» الباحثين عن مناطق صراع، كما كان الحال في سوريا والعراق وليبيا وغيرها من المناطق التي انتعشت فيها الحركات المتطرفة، وكان لها امتداداتها لاحقا عالميا.
هذه التداعيات بدأت الآن تدور في رأس الإدارة الأمريكية، خصوصا مع الانتقادات التي باتت تطاول جو بايدن، لجهة التسرع في الانسحاب قبل ترتيب الأمور على الأرض، والتنسيق مع الحلفاء، وهو ما خلق فوضى الإجلاء التي تحدث الآن، والتي استغلها تنظيم داعش في التفجير الذي أودى بحياة أكثر من مائة شخص، بينهم أمريكيون. ولعل الغارات الأخيرة للقوات الأمريكية على مواقع «داعش» هي محاولة من الإدارة للإشارة إلى أنها لا تزال ضالعة في الوضع على الأرض. لكن هذا الأمر قد لا يطول، وخصوصا أن بايدن لا يزال مصرا على إكمال الانسحاب في موعده في الحادي والثلاثين من غشت الحالي.
بات واضحا أن أفغانستان خربت على بايدن بدايته الرئاسية، وبدأت تداعيات قرار الانسحاب في الظهور في استطلاعات الرأي، مع تراجع التأييد للرئيس. كذلك الأمر بالنسبة إلى تأييد القرار. فرغم أن الانسحاب من أفغانستان كان مطلبا شعبيا أمريكيا، وحتى سياسيا، إلا أن الطريقة التي حصل بها جعلت منه خطيئة للإدارة الأمريكية، وبات ثقلا على بايدن بدل أن يكون في صالحه.
لا مجال حاليا للعودة عن هذا القرار، غير أن على هذه الإدارة أن تدرس خيارات لتعويض الصورة التي بدت عليها حاليا لجهة خذلانها لحلفائها، والتفاهم الضمني مع «طالبان» رغم التحذيرات التي أطلقتها الدول الغربية من هذا الأمر، خصوصا أنها وقفت موقف المتفرج أمام تقدم الحركة ودخولها إلى كابول. الغارات الأخيرة على «داعش» هي واحدة من هذه الخيارات الممكنة، لإثبات أن الولايات المتحدة ستبقى على تماس مع الوضع والحفاظ على مصالح الحلفاء. قد لا تكون هناك حاجة حقيقية إلى التواجد على الأرض، لكن هناك حاجة الإبقاء في الوقت نفسه على القدرة على حصر المخاطر. هذا في حال أراد بايدن تصحيح الوضع، والإبقاء على فكرة «عودة أمريكا»، وليس انكفاءها مجددا. نافذة:
الانسحاب من أفغانستان كان مطلبا شعبيا أمريكيا وحتى سياسيا إلا أن الطريقة التي حصل بها جعلت منه خطيئة للإدارة الأمريكية وبات ثقلا على بايدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى