يونس جنوحي
هناك حنين كبير لزمن التصوير باستعمال تقنية «الفيلم». وسُجلت هذا العام طلبات فاقت كل التوقعات على الكاميرات التقليدية وأدوات التحميض بما في ذلك المحلول الكيميائي الذي تُغمس فيه الصور وأجهزة إعداد الأستوديوهات المظلمة.
هذه «النوستالجيا» لم تُرصد بالمشاعر والأحاسيس فقط، وإنما تُرجمت إلى لغة الأرقام، وحاولت بعض شركات صناعة أغراض التصوير الفوتوغرافي، اليابانية منها على وجه الخصوص، الركوب عليها ودعم انتشارها عبر العالم من خلال توفير الأدوات الضرورية وتشجيع مسابقات لاختيار أفضل الصور غير الرقمية الصادرة حديثا.
والنتيجة كانت تسجيل مبيعات قياسية في أشرطة الأفلام التي توقف بيعها حرفيا في أغلب دول العالم بعد أن غزت الكاميرات الرقمية، وبعدها الهواتف الذكية، كل أسواق العالم.
بسبب هذا الاجتياح، خلال العشرين سنة الأخيرة، كادت تنقرض مهنة المصور الفوتوغرافي التقليدي. وبعد أن تردد الفقراء والأغنياء على «المُصور» لالتقاط صور المناسبات والصور الإدارية، صار التعامل مع مصور محترف حكرا على من يستطيعون دفع تكاليف تأجير آلات تصوير حديثة يعادل ثمن بعضها سعر سيارة عائلية.
هناك أنباء، أيضا، عن عقد مهرجان سنوي في بعض العواصم الأوروبية لعرض الصور الفوتوغرافية التي تم التقاطها سنة 2023 بتقنية التحميض التقليدي داخل الغرف المظلمة وباستعمال المحلول الكيميائي الذي يشبه ماء الشرب، والإضاءة الحمراء.
هذا النوع من المهرجانات من شأنه أن يُنعش سوق إنتاج أفلام التصوير التقليدية التي انقرضت في أغلب دول العالم، وبعد أن توقفت شركات كبرى عن إنتاجها وأعلنت إما إفلاسها التام، أو توجهها الكلي نحو صناعة الكاميرات الرقمية.
في المغرب تضررت مهنة التصوير التقليدي كثيرا، لكن بالمقابل ازدهرت مهنة «الكاميرا مان» واحترفها شبان، من الجنسين، من مختلف الأوساط الاجتماعية، وهناك من جعل التصوير في الشوارع باستعمال الكاميرات الحديثة مصدر دخل من خلال عرض الصور على منصات عالمية لاقتناء الصور.
قد يُصدم البعض عندما يعرفون أن صورة مسجد الحسن الثاني قد تُباع لمرة واحدة فقط في موقع عالمي لبيع الصور، بسعر يتجاوز أربعة ملايين سنتيم، شريطة أن تتوفر بعض الشروط التقنية في الصورة، من بينها أن تُلتقط باستعمال كاميرا احترافية وعدسة يتجاوز ثمنها عشرة آلاف درهم.
هناك منصات عالمية تُشجع المبدعين المغاربة، وتروج لصورهم، خصوصا التي يكون موضوعها سياحيا، مثل تصوير منازل مدينة شفشاون الزرقاء، ورمال مرزوگة وثعابين وقردة جامع الفنا في مراكش، وغيرها من الصور التي يُشترط فيها أن تُلتقط من زاوية فنية.
هذه الصور الاحترافية تُستعمل في الأفلام الوثائقية وبعضها تقتنيها مجلات متخصصة وتدفع بسخاء مقابل الحصول عليها. وهذا التشجيع جعل مهنة المصور تتطور بدل أن تنقرض كما وقع في السنوات الأولى لظهور كاميرات التصوير على ظهور الهواتف الذكية.
المصورون القدامى الذين لم «يُهاجروا» نحو العالم الرقمي أغلقوا محلاتهم، ومنهم من بقي متمسكا بكاميرا تقليدية أو اثنتين، يعاملهما مثل أبنائه، لكنهم وجدوا مشكلة كبيرة في العثور على أفلام التصوير والمواد التقليدية المستعملة في تحميض الصور. لكن يبدو الآن أن مهنتهم قد تعود إلى الحياة بعد أن ملّ العالم صمت الصور الرقمية وبرودتها فوق الشاشة.
قد يكون من المناسب لو أن «أحدا ما»، في وزارة الثقافة، انتبه إلى هذه الموجة العالمية من الحنين إلى أيام الصور الفوتوغرافية التقليدية، ونسمع بدورنا عن مهرجان أو مسابقة لتشجيع المصورين القدامى.. أولئك الذين لا يوجد أحد منا، نحن الذين وُلدنا قبل كل الكاميرات الرقمية التي تتجول اليوم في العالم، لم يقف أمامهم برأس ممشوط وقميص بأزرار محكمة الإغلاق، لالتقاط صورة ثم نعود في اليوم الموالي لأخذها بعد مسار طويل من التحميض والتنشيف.