أجمع باحثون ومختصون من شتى البلدان الإفريقية، أمس الخميس، خلال اليوم الثاني من الدورة الرابعة عشرة لمنتدى «ميدايز» بطنجة، على أن الحكم الذاتي هو الحل الواقعي لمغربية الصحراء. وسلط هؤلاء الباحثون الضوء على سمو المخطط المغربي للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية باعتباره الحل الوحيد القابل للتطبيق لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
واعتبر الخبير والمدير الشريك بمكتب للاستشارة، أبدو ديوب، في كلمة خلال جلسة مناقشة بعنوان «الصحراء المغربية.. تسليط الضوء على الديناميات الأخيرة»، أن «الحقيقة على أرض الواقع دائما تفوز»، مبرزا الدينامية التنموية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية على كافة الأصعدة. وسجل ديوب أن هذه الدينامية «تقودها رؤية ملكية والتزام قوي للقطاعات العمومية والخصوصية، إلى جانب الانخراط المهم جدا للسكان».
وبهذا الصدد، لاحظ ديوب أن الأقاليم الجنوبية للمملكة تعتبر الأولى بالمغرب من حيث نصيب الفرد من الناتج الداخلي الخام، مشيرا إلى أن هذه الأقاليم صارت «منطقة رائدة في مجال الانتقال الطاقي والمستدام ومحورا حقيقيا في خدمة القارة الإفريقية». بهذا الصدد، اعتبر الخبير أن الاتحاد الإفريقي «لا يمكنه ترك هذا الموضوع عالقا تبعا لأهواء البعض»، لافتا إلى أن هذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية يعتبر «موضوعا حاسما من أجل الاندماج الاقتصادي بالقارة».
في السياق ذاته، طالب رئيس معهد الانبثاق (Institut de l’Emergence)، مبارك لو، بالتعليق البسيط والمباشر للجمهورية الوهمية بالاتحاد الإفريقي، داعيا الدول الأعضاء إلى تعديل ميثاق هذه المنظمة القارية، تماشيا مع المادة 32، من أجل تعليق هذا الكيان الوهمي. ورأى الباحث السنغالي أن إدراج الجمهورية الوهمية بالاتحاد الإفريقي كان «خطأ تاريخيا»، منوها إلى أن ميزان القوى الحالي بالقارة الإفريقية في صالح المغرب إلى حد كبير. وقال مبارك لو «ميزان القوى اليوم واضح، أزيد من 70 في المائة من البلدان الإفريقية تساند الموقف المغربي ومخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب»، معتبرا أن بلدانا أخرى ستنضم قريبا إلى موقف غالبية بلدان القارة لأن مخطط الحكم الذاتي يعتبر «الحل الوحيد القابل للتطبيق» لهذا النزاع.
من جهته، توقف رئيس معهد المستقبل والأمن في أوروبا، إيمانويل دوبوي، عند التورط المباشر للجزائر في هذا النزاع المفتعل. وقال دوبوي إنها «قضية حياة بالنسبة للنظام الجزائري الذي هو في أمس الحاجة إلى تبرير رفع ميزانية الدفاع، إلى جانب أمور أخرى»، مضيفا أن قضية الصحراء كان ينبغي أن تسوى سلميا قبل 40 عاما من خلال السبل الدبلوماسية والديموقراطية.
وتابع دوبوي أن «قضية الصحراء تكشف عن الضعف الكبير للجزائر وتبعيتها الشديدة للمحروقات»، مؤكدا أن عددا من البلدان الأوروبية «ارتكبت خطأ الارتهان لصادرات الغاز الجزائري فقط، على حساب العلاقات المتميزة مع الرباط».
أما الخبير الدولي في الدبلوماسية والسيادة، أمين الغيدي، فرأى أن القرار 2654 لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية يشكل «اعترافا من المجتمع الدولي بجدية ومصداقية مخطط الحكم الذاتي المغربي»، منوها إلى أنه «لا يمكن التوصل إلى أية تسوية للنزاع خارج السيادة المغربية، بل ضمن الاحترام التام للوحدة الترابية للمملكة».
وشدد الغيدي على أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تعتبر مخططا «قابلا للتطبيق»، مذكرا بتجربة المغرب في مجال الجهوية المتقدمة، لاسيما بالأقاليم الجنوبية التي تعتبر «رائدة في الديموقراطية التشاركية بالمملكة، والتي تعكسها المعدلات المرتفعة للمشاركة في الانتخابات». وأشار الغيدي إلى أن القرار رقم 2654 كرس مسار الموائد المستديرة وجدد التأكيد على «المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية الكاملة للجزائر أمام التاريخ» في هذا النزاع حول الصحراء المغربية.
وتتواصل هذه الدورة من منتدى «ميدايز» بمنطقة ملابطا بطنجة، والمنظمة تحت الرعاية الملكية، عبر ورشات وندوات تفاعلية مختلفة، وتشكل فرصة لمناقشة القضايا الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية الرئيسية التي تهز الكرة الأرضية، من قبيل الحرب بأوكرانيا، والنزاعات وعدم الاستقرار في إفريقيا، والتوترات في المحيطين الهندي والهادئ، وأزمات الغذاء والطاقة، والتضخم وتغير المناخ، بعد سنتين من التوقف، بسبب القيود الصحية.
ويشكل منتدى «ميدايز» الدولي، مرة أخرى، موعدا لأكثر من 230 متدخلا متميزا من 80 دولة، بالإضافة إلى الخبراء والمراقبين والمهتمين والباحثين في مجال العلاقات الدولية، ليصل عدد المشاركين المتوقع إجمالا إلى 5000 شخص.
طنجة – محمد ابطاش