شوف تشوف

شوف تشوف

باب في سقوط العدل

بعد التنبيه الملكي لوزير العدل مصطفى الرميد حول البطء الذي تعرفه مساطر ملفات السطو على العقارات، يبدو أن السادة القضاة محتاجون لتنبيه آخر حول تساهلهم مع المتورطين في جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي على الأطفال.
ولكم أن تتأملوا آخر حكم صدر عن غرفة هيئة الاستئناف ببني ملال على المسمى “مول الماصك”، الذي اغتصب طفلا في التاسعة من عمره، فحكمت عليه المحكمة بسنة موقوفة التنفيذ.

فما كان من الطفل الضحية سوى أن وضع “ماصك” على وجهه ووقف أمام المحكمة حاملا لافتة مكتوب عليها “ما بغيتش ملي نكبر نكون مثلي”.
وكما لو أن هذا الحكم لا يكفي فقد أصدر القضاء في أصيلة بعد حكم بني ملال بيومين حكما في حق فقيه ضبط متلبسا بممارسة الجنس على قاصر بتسعة أشهر سجنا، فيما أدانت المحكمة القاصر بستة أشهر موقوفة التنفيذ !
ولعل المصيبة الكبرى ليست هي هذه، بل هي أن يقبل وزير العدل والحريات مصطفى الرميد ملف توظيف صاحب سوابق قضائية في الفوج 42 للقضاة، وهو الذي ارتبط اسمه بقضية جنائية عرفت بملف “حلاق أبي الجعد”، وأدانته المحكمة الابتدائية بشهرين حبسا موقوف التنفيذ، وبتهمة هتك عرض قاصر دون عنف من فضلكم. والمصيبة هي أن الملف لا يزال رائجا بمحكمة الاستئناف بخريبكة.
هذا في وقت يتشدق فيه الرميد بتخليق القضاء، حيث وصل به الأمر إلى عزل عدد من القضاة على خلفية فساد بعضهم حينا وبسبب مواقف بعضهم المعارضة له ولحزبه حينا آخر.
فهل أصبح جهاز القضاء، المفروض في المنتسبين إليه أن يضاهي بياض ملفاتهم بياض الحليب، يقبل أن ينتسب إليه المدانون في جرائم هتك الأعراض ؟
ولعل أكثر من يمكنه أن يعرف كواليس ما يدور داخل ردهات المحاكم هو عبد الله حمود، المفتش العام لوزارة العدل والحريات، فالرجل يتوصل يوميا بعدة شكايات من متقاضين تكشف، وفق روايتهم، إصدار قضاة قرارات تدعو لكثير من الاستغراب، إن لم يكن للاستهجان.
والواقع أن محاكم تعج بأخبار مماثلة كثيرة، وقد سبق أن كشفنا، في هذه الجريدة تفاصيل بعضها، بينها القضية الشهيرة المعروفة بملف مافيا السطو على عقارات الأجانب حيث تبين أثناء البحث أن المتهم الرئيسي في أحد ملفات هذه القضية، والذي تملّك، عبر شركة غامضة حازها رفقة شريكه بعدما كانت في الأصل في ملكية يهودي سويسري، حيا سكنيا بكامله، قبل أن تظهر أسماء وازنة مرتبطة بعالم القضاء ضمن المستفيدين من شقق بهذا الحي.
المثير للانتباه أن هذا المتهم سبق أن حاز عقارات أخرى بموجب أحكام صدرت عن قضاة بعينهم كانوا هم من وضعوا شكاية يتهمون فيها محمد متزكي، رئيس جمعية ضحايا السطو على العقارات، بالسب والقذف، دون أن تقرر المحكمة استدعاءهم ما داموا هم المتهمون.
وبالموازاة مع تفجر خبر ورطة قاضيين شهيرين أمام تحقيق كشف تملكهما لأموال طائلة يستحيل أن تتحصل من أجورهما، كانت مفتشية وزارة العدل والحريات قد توصلت بشكاية تكشف بالوثائق كيف استفادت شقيقتا قاض من شقتين فاخرتين بالبيضاء من متهم صدر لصالحه حكم لم يكن قد قرره سوى القاضي شقيق المستفيدتين من الشقتين.
قبل ذلك بقليل استقبل المفتش العام لوزارة العدل والحريات أطراف شكاية بالدائرة القضائية لمدينة وجدة، هذه المرة تخص اعتقال مسؤول سابق بالنيابة العامة بمحكمة المدينة قبل أشهر لأستاذ وابنه لمدة 48 ساعة لمجرد تقديمهما شكاية ضد شريك الأب الأستاذ المتهم بالتصرف في ملك مشترك بسوء نية.
بعد ذلك اتخذ قرار بتنقيل المسؤول القضائي إلى مدينة نائية بالجهة الشرقية، لكن لم تكد تمر سوى شهور قليلة حتى رجع إلى وجدة ليتم تعيينه بمنصب رفيع باستئنافية المدينة.
وأحيانا تتخذ قرارات قضائية صادمة نهايات مأساوية، وكلنا تابعنا كيف أقدمت خديجة السويدي، فتاة ابن جرير التي تعرضت لاغتصاب جماعي، على الانتحار بعد تبرئة القضاء مغتصبيها الذين صاروا يهددونها بنشر فيديو يوثق لمأساة اغتصابها الوحشية.
قصة مشابهة تقريبا لواقعة فتاة ابن جرير جرت أخيرا ببني ملال حيث حكم قاض على أستاذ يبلغ من العمر 59 سنة اتهم بالتغرير بتلميذة قاصر كانت تدرس عنده وممارسة الجنس عليها وافتضاض بكارتها والتسبب في حملها قبل الزواج بها والتخلي عنها في ما بعد، بستة أشهر حبسا موقوفة التنفيذ، فقط لأن الأستاذ تعهد بالزواج من تلميذته، قبل أن يقرر الوكيل العام للملك باستئنافية بني ملال الطعن بالنقض في الحكم القضائي الصادم والذي يعيد سيناريو أمينة الفيلالي، التي انتحرت بعد تبرئة القضاء لمغتصبها لمجرد تعهده بالزواج بها.
فتاة أخرى عاشت قصة درامية أيضا مع القضاء بمدينة سطات، فبعد تعرضها لسرقة هاتفها النقال توجهت إلى الأمن للتبليغ عن الجريمة، قبل أن يجري توقيف المتهمين الذين قاد البحث معهم إلى تحديد هوية من آل إليه الهاتف، ويتعلق الأمر بمحام توقف البحث القضائي فجأة عنده دون استدعائه للمثول أمام القضاء بتهمة شراء مسروق، فقط لوجود قيد مسطري يلزم النيابة العامة بالمرور عبر هيأة المحامين لمتابعة هذا المحامي الذي ما زال يستخدم الهاتف المسروق منذ أزيد من أربعة أشهر.
لكن أحد أكثر الملفات القضائية إثارة للتعجب هو حكم البراءة الذي أصدرته غرفة الجنايات باستئنافية الرباط، قبل أيام، حيث قضت ببراءة شخصين بعدما اتهما باغتصاب قريبهما الذي لا يتعدى عمره 5 سنوات.
تمضي قصص المواطنين مع القضاء لتتحول إلى قصص هوليودية قد يصعب تصديقها، فمن قد يصدق أن ملفا قضائيا يتهم فيه رجل أعمال “محترم” بالدار البيضاء بضرب والدته وسرقة مالها قد يمكث في رفوف المحاكم أزيد من ثماني سنوات ؟
هذا ما هو حاصل في الملف الذي بات يعرف منذ أمد بقضية “هشام صدقي ومن معه”، والذي لم يجر منذ سنة 2009 تاريخ تفجر قضية اتهامه باحتجاز والدته، كريمة الدمنهوري، وتعريضها للضرب والجرح إثر مطالبتها له بإرجاع مبلغ 800 مليون سنتيم تقول إنها سبق أن سلمتها له على دفعات.
ورغم أن القضاء الابتدائي حكم على المتهم بالسجن النافذ لمدة سنة إلا أن الحكم لم ينفذ، كما تعثرت مجريات الملف استئنافيا بسبب عدم التزام المتهمين بالحضور، آخرهم المتهم الرئيسي نفسه الذي تخلف عن الحضور في آخر جلسة بدعوى تعرضه لوعكة صحية.

وفي الوقت الذي كانت فيه جلسات الملف تستأنف قررت الغرفة الجنائية باستئنافية طنجة تمتيع ابن مسؤول قضائي بالسراح المؤقت وتسليمه لوالديه رغم اتهامه بالانتماء إلى عصابة إجرامية سطت على 25 مليون سنتيم من منعش عقاري، فقط لأنه قاصر.
يضاف إلى قائمة هذه الأحكام والمسارات القضائية الغريبة التي تأخذها بعض القضايا الحكم الصادر في حق مقتحمي مستعجلات مستشفى السويسي بالرباط، والذين ما زالت واقعة شنهم هجمة بالسيوف داخل مستشفى العاصمة موثقة بالصوت والصورة على “اليوتوب”.

هذه القضية الأخرى التي صدمت الرأي العام انتهت نهاية مثيرة للانتباه، إذ لم يجر الحكم على المقتحمين سوى بثلاثة أشهر حبسا رغم عربدتهم داخل أروقة المستشفى وترويعهم عامليه ومرضاه بالسيوف والسواطير.
وعوض أن يتحرك وزير العدل والحريات، بصفته مشرفا على النيابة العامة ومسؤولا عن تفعيل السياسة الجنائية، لضبط كل هذه الأفعال التي قد تدخل ضمن نطاق الخطأ القضائي، اتخذ قرارا في عز الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة عمق أزمة الثقة بين المتقاضين وجهاز القضاء، إذ بسبب اكتظاظ السجون حد الاختناق أعطى وزير العدل، بصفته مشرفا على النيابة العامة، أوامر للوكلاء العامين للملك بتجنب الاعتقال الاحتياطي للمتابعين كلما كان ذلك ممكنا، وتمتيعهم بالمتابعة في حالة سراح، وما على الضحايا الذين يجبرون على رؤية معتدين عليهم يتجولون أحرارا طلقاء إلى حين تعيين جلسة لمحاكمتهم، سوى كظم غيظهم والتعايش مع وضع شاذ.
إن التحقير الحقيقي للمقررات القضائية هو ما يقوم به بعض المنتسبين لسلك القضاء والعدل بتعطيل العدالة وكبح المساطر والاجتهاد في وقف تنفيذ الأحكام القضائية، وهذا بالضبط هو الحاصل في ملف رائج بالدار البيضاء حيث لم تتمكن المحكمة من تنفيذ حكم بإفراغ محامية من شقة لم تعد تسدد سومتها الكرائية منذ 13 سنة، رغم صدور حكم قضائي وورود أمر بتنفيذه ما زال مدسوسا منذ أزيد من سنة ونصف ضمن ملفات أخرى للتنفيذ معطلة ولا يجري تنفيذها، إما لامتناع المنفذ عليهم أو تعقد مساطر التنفيذ بما فيها الاستعانة بالقوة العمومية.
ونحن نتساءل من أين جاء كل هذا الفساد الذي ينخر مفاصل البلد، لدينا قضاة يستعدون للجلوس فوق مقاعد المحاكم وتوزيع الأحكام على الناس فيما هم محكومون بجرائم أخلاقية، لدينا أساتذة جامعيون سرقوا جهود طلبة وسطوا على بحوثهم وأصبحوا يدرسون أجيال الغد، لدينا صحافيون يعطون الدروس كل يوم في نظافة اليد وراحة الضمير فيما هم محكومون في ملفات لها علاقة بالنصب والاحتيال ويهربون الأموال إلى حساباتهم وحسابات إخوانهم بالخارج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى