شوف تشوف

الرئيسيةفسحة الصيف

انطلاق شرارة الاحتجاج على إسبانيا بالاتفاق مع الوفود خلال تقديم العزاء في وفاة والد الخطابي

مذكرات لاريونيون :كتب تنقل تفاصيل حياة ابن عبد الكريم الخطابي في لاريونيون 9

إقامة الأخ بتطوان

قد كنا قدمنا أن الوالد التجأ إلى تطوان فذهب معه الأخ في جملة العائلة ولم يكن الاصبنيول قد احتل تطوان. وأثناء هذه الإقامة كان يزاول العلوم مع الوالد ثم أتت حملة الجنرال ألفاو واحتل تطوان ووقع هنالك من الحوادث ما قدمناه في ترجمة الوالد. ومن المعلوم أن هنالك مدرسة فرنسوية للوطنيين فمال الأخ إلى التعلم في تلك المدرسة، فذهب إليها فعلا بعد أخذ الإذن من قنصل فرنسا حينئذ واكتسب صداقة تامة مع المدرس وعرفه هذا بالقنصل الفرنصوي معرفة تامة ثم تعرف بالوالد أيضا.

(ص. 9 ب) أما حكام الإصبنيول فقد أغضبهم دخول الأخ في تلك المدرسة ووقع حادث ذو أهمية بين الترجمان سرذيرا والأخ على شأن دار وقد كان الوالد أثناء هذا الحادث بمليلية معي، ولما أقفل راجعا لتطوان كلموه في شأن ذهاب الأخ للمدرسة فلم يسعه إلا خروج الأخ من المدرسة الفرنصوية. وبعد أيام قلائل رجع الوالد بعائلته للريف ورجع معه الأخ ومكث مدة في الريف ثم رجع إلى مليلية ليتعلم الباكالوريا فأتم دروسه في عامين وأحرز على الشهادة في الامتحان السنوي الذي كان يجرى في مالقة فأقفل راجعا للريف.

 

الأخ في مدة إيقافي

قد فاتنا أن نذكر أن الأخ حين تجادل الجنرال خورذانة مع الوالد في مليلية وتصريح الوالد له بانسحابه من السياسة، كان معي وقد كان طلب التسريح من مليلية إلى الريف ومنعته الحكومة لأن الوالد كان قد امتنع من القدوم إليهم ولكن كنا نحاول إرجاع الوالد إلى السياسة. طلبت أنا من الحكومة إرسال الأخ إلى الوالد فساعدوني وذهب إلى الوالد فلم يقتنع، وتحيرت في الأمر وبعد قليل ألقي القبض علي وصادفه الحال مع الوالد فخشي (ص.12 أ) من الرجوع وبقي هناك مع الوالد مدة إيقافي. ثم لما انقضى الحادث على الصفة المتقدمة رجع معي لمليلية من حيث ذهب لمدريد ليتعلم سلك الهندسة على نفقة الحكومة الإصبنيولية. وكان سعيدا جدا من الحيثية الشخصية واكتسب أميالا وأصدقاء إصبنيوليين، ولكن كان يقاسي الشدائد من جهة السياسة الريفية الإسبانية ومن جهة الوالد بالخصوص. وقد نصح كثيرا من أعضاء الحكومة والوزارات وأرشدهم إلى الخطة التي ينبغي سلوكها في الريف، وخصوصا في القسم الخارجي من الوزارة الذي كان له اتصال عظيم به، فلم يلق قبولا من هاته الوجهة ولم ير إلا التسويف والإهمال وأنذرهم في الأخير بسوء العاقبة وصرح لهم أنهم إن لم يرجعوا عن هاته السياسة الخرقاء فإن مصيرهم في الريف يمكن أن يكون كالمصير الأخير في كوبة وكان يقول لهم ذلك على وجه النصيحة، إذ كان يعد إسبانيا كوطن له، كما كان الوالد وكما كنت أنا أيضا، وقد حاز الأخ الشهادة التجهيزية. وعند الامتحان الأخير استدعاه الوالد على العادة.

 

أيامي الأخيرة بمليلية والسياسة الإسبنيولية الريفية

كنت ألاحظ من ذي قبل أن السياسة الإسبنيولية بالريف تأخذ في الانخذال ولهجة الصحف الحرة تنتقد أعمال الحكومة بالريف وتندد على الوزارة التي هي المسؤولة عن كل عمل يعود عليها بإهراق الدماء وضياع الأموال، وبعض الصحف تعارض أي عمل ولو سياسي يفيد توغل العساكر الإسبنيولية في الريف، وقد خمدت بعض الشيء لهجة الصحافة عندما كان الجنرال خورذانة كومندان جنرال في مليلية لأنه قد وافق أميال الشعب في اتخاذ سياسة اللين وعدم تداخل القوة في أعماله إلا بعد الإحراز على رضى الأهالي. والحق يقال فإن هذا الرجل كان زائد الاهتمام بالمسألة وكان يعمل المستطاع في الاطلاع على الأحوال بنفسه وقضى كل أوقاته في الاشتغال بمهمته السياسية وإن كانت صدرت (ص. 10ب) منه بعض الأغلاط في السياسة.

فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلها *** كفى المرء نبلا أن تعد معايبه

(ص.13 أ)

وقد اعترضت على سياسته مع الريسوني بعض الصحافة الإسبنيولية بعد ترشيحه للإقامة العامة ونددت عليه أعماله ونسبت له الضعف في السياسة والانخداع، ولكن الحقيقة هي أن الجنرال خورذانة كان يفضل مصلحة شعبه على المصلحة الشخصية، فلم يكن يصغي لأقوال المعادين والمضادين، وكان ضنينا بإهراق نقطة دم، وقد مات في الإقامة العامة بتطوان مأسوفا عليه وبقيت المقيمية العامة شاغرة، أو لم تجد الحكومة من يخلفه في هذا المقام المهم مدة أربعة أشهر. وزيادة على هذا فإن الولاة الذين كانوا بإفريقيا قد أهملوا كل عمل يعود بالنفع على إسبانيا وتركوا الأشغال بالكلية وبانت عليهم علايم (كذا) (علامات) اليأس، بل صاروا يصرحون لكل أحد بأن إسبانيا عاجزة عن تنفيذ مهمتها بإفريقيا والبعض منهم لا يصرح ولكنه يومئ، حتى عرف ذلك كل رؤساء الريف ويستهزئون بكل من يحاول من الأهالي مساعدة إسبانيا ويلحقون به الأضرار الفادحة والإسبنيوليون لا يهمهم ذلك، وإذا اهتم أحد من الولاة بشيء ورفعه إلى المراجع العليا لا يأتيه الجواب أو يأتيه الجواب بالتسويف.

 

حياد الوالد واستدعاؤه لي والأخ

كنا من ذي قبل نتردد إلى الدار وزيارة الوالدة مرة بعد مرة، ولكن هذه المرة لما وصلنا إلى الدار سألنا الوالد عن السياسة الإسبنيولية بالريف هل تتحسن أم لا، فقلنا له لا نعلم شيئا جديدا جديرا بالذكر، وهو في الحقيقة عالم بها، فقال لنا أنتم تعلمون أني عاجز عن القيام بهذا الأمر بين الريفيين والإسبنيوليين مع كبر سني وأنا متفرد وقد عزمت على لزوم داري وترك السياسة، وأنتم أولادي يجب أن تكونوا على طاعتي قبل كل أحد، وزيادة فأنتم تعلمون أيضا ما نتكبده من الأضرار المادية والأدبية، وتعلمون فساد السياسة الإسبنيولية وصعوبة المقام بين الريفيين بهاته الحالة، فالأفضل لكم أن تلزموا أشغالكم الشخصية ونقف موقف الحياد منتظرين الظروف، فإن كان من المقدور زيادة الجيوش الإسبنيولية على هاته الحالة السيئة فمن الممكن بل الأحسن أن نرحل إلى إحدى عواصم (ص.14 أ) المغرب ونهرب بأنفسنا ونعيش في الراحة في الحماية الفرنسوية، فساعدناه، مع بعض الأسف وكتبنا حينا إلى مليلية ومدريد (21) وأعلمناهم في القضية وسببها وكررنا عليهم ما كنا نتطلبه من تغيير السياسة فلم يأت الجواب بشيء.

أما نحن فقد نفذنا إرادة الوالد والوالد نفذ خطته ولزم الدار ولم يتداخل في شأن من الشؤون السياسية، فأخذ الولاة يصرحون بعداوتنا ومناواتنا واضطهادنا والوالد يكاتبهم مستفهما عن ذلك ويقول لهم، إني لست بعدو وقد صرحت لكم بذلك وإني صادق في تصريحي ووعدي لا أنفعكم ولكن لا أضركم، وهم لا يسمعون ويقبضون على كل من هو لنا إذا تسوق إليهم وصرحت الصحافة إذاك بعداوة الوالد وبضعفه وعجزه عن إلحاق أي ضرر بالسياسة (ص.11 ب) الإسبنيولية الريفية، وصار الولاة يأمرون بإذاية الوالد في نفسه وفي حاله ويأمرون بتوليد المشاكل له حتى في أعماله الشخصية، فكاتبهم مرة أخرى وقال لهم لماذا تؤذونني فإني لست بعدو لكم وأنا في الحياد التام، ولا تسمعون للوشاة والحساد والجواسيس الذين لا غاية لهم سوى الطمع والأغراض الدنيئة، فلم يجيبوه واستمروا على الإذاية فعلا وإرادة الانتقام.

 

خروج الوالد من الحياد ودخوله السياسة الريفية المحضة

عندما رأى الوالد أن لا سبيل له إلى الرحيل من الريف لعموم الفتن وفساد الطرق وضيق الوقت، اضطر إلى تناول السياسة من جديد ولكن السياسة الريفية المحضة، فجمع رؤساء من بني ورياغل وخاطب البعض من تمسامان وبني توزين، وإثر ذلك ذهب إلى تفرسيت، أي إلى الخط الريفي الذي كان ضعيفا، فعززه بعدد من الرماة، ولكن لم تطل إقامته هناك إذ مكث فقط اثنين وعشرينا يوما فأحس بمرض فجائي لم يعهده من ذي قبل وهو وجع الأمعاء بصفة غريبة فأقفل راجعا محمولا على بغلته التي كان ركبها ووصل للدار في حالة سيئة. وبعد اثنين وعشرين يوما أسلم روحه إلى خالقها.

وأما وصيته المهمة فقد أوصانا بأننا إذا لم نقدر على الدفاع والقتال فلنرتحل (ص.15 أ) حينا إلى حماية فرنسا.

 

أعمالنا بعد وفاة الوالد

أصابنا بعض ارتباك بعد وفاة الوالد. وفي الأخير ارتأينا أن نسلك مسلكه ونعمل بوصيته. وبما أن ارتحال الوالد إلى دار البقاء أنتج كالعادة وفود رؤساء بني ورياغل لتقديم مراسم التعزية، فجرت محادثات بيننا وبينهم في السياسة الريفية الإسبنيولية ولاحظنا فيهم الاهتمام بمستقبل الريف مع الإسبان، فأشرنا عليهم بوجوب الاتحاد والاحتجاج على الحكومة الإسبنيولية وتجديد المخابرة معها فأجابوا بالموافقة وكتبنا حينا بالواجب إلى القائد العام بمليلية، وهو إذاك الجنرال سلبستر، وبعثنا كتابا آخر للكورونيل موراليس رئيس قسم السياسة الريفية. فأما الكورونيل موراليس فقد اهتم بالمسألة وقال إن اتخاذ الوسائل اللازمة للحصول على الاتفاق مع الريفيين والتداخل السلمي ولكنه صادف معارضة شديدة من طرف الجنرال سلبستر الذي كان يميل دائما إلى حل المسألة بالقوة وبالإرهاب وصرح بكلمات تدل على احتقاره للريفيين والازدراء بالرسائل ومن بعثها وبالمبعوث، وفي الوقت نفسه احتل بعض المراكز ببني سعيد وبني وليشك وتفرسيت، فزاد نشاطا وعزما واستحسانا لخطته.

 

حالة الريف وقت وفاة الوالد وقبله

كان الريفيون وقت وفاة الوالد كما كان قبله في حالة الفوضى والتقاتل والنهب والتعدي وضياع الحقوق وعدم الأمن على النفس والمال، ولكن مع هذا كله كانوا يجتمعون في كل وقت يرون فيه الخطر على مجتمعهم وحريتهم فهم شديدو (ص.12 ب) التفرق في أيام الرخاء وسريعو الاتحاد في أيام الشدة، وبالخصوص عندما شعروا بالتداخل الإصبنيولي ووقوفهم على سوء تصرفه وعلمهم التام بما اكتسبوه بالمخالطة معه والاحتكاك المستمر، فلا يقتنعون برأي من يحاول إرضاءهم واستمالتهم إليه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى