شوف تشوف

شوف تشوف

انتهى الكلام نيت

بعدما أنهى الملك جولته الإفريقية التي أعادت وضع المغرب في قلب المعادلة الدولية بإفريقيا، قرر بمجرد عودته إلى المملكة إبعاد عبد الإله بنكيران عن رئاسة الحكومة، وتعويضه بشخصية بديلة، من حزب العدالة والتنمية، يستقبلها لاحقا، حسب ما جاء في بلاغ للديوان الملكي.
وبهذا يكون الملك قد وضع حدا لهذا العبث السياسي الذي أدخل فيه بنكيران مؤسسات البلاد بحيث اشتعلت كل الإشارات الحمراء في كل القطاعات الحيوية بالمملكة طيلة الخمسة أشهر الأخيرة.
وقد كان السيناريو، المنسجم مع روح الدستور ومنطوقه، هو ما أشرنا إليه قبل ثلاثة أشهر في هذا العمود عندما تساءلنا ما الذي يمنع من تعيين شخصية ثانية من حزب العدالة والتنمية كالرميد أو الرباح أو العثماني لتشكيل الحكومة بعدما فشل بنكيران، فخرج الرميد يقول إنه لن يكون بنعرفة الحزب أي أنه لن يقبل تعيينه مكان بنكيران الوريث الشرعي لحزب العدالة والتنمية، مع أن الجميع يعرف أن الرميد يقول الشيء ويفعل نقيضه دائما ولن يعدم تبريرا لقبوله أخذ مكان بنكيران، بل إن هذا ما يحلم به منذ سنوات طويلة.
ومباشرة بعد صدور بلاغ الديوان الملكي الذي يقول إن الشخصية الثانية التي سيتم تعيينها على رأس الحكومة سيتم استقبالها لاحقا بدأت انكشارية الحزب تتداول سؤالا حول من سيكون بنعرفة العدالة والتنمية، مما دفع بنكيران إلى نشر توجيه لكافة «مداويخ» حزبه نشره في الموقع الرسمي للحزب يطلب فيه من «الصكوعا» عدم التعليق على بلاغ الديوان الملكي، ولكن بما أن «اللي صكع صكع» فقد تبادل مناضلو «الباجدة» طيلة ليلة الخميس بلاغا مزيفا يعلن اصطفاف «البيجيدي» في المعارضة، وقالوا «والله عملوها الرجالة»، قبل أن يكتشفوا زيف البلاغ.
الآن هناك احتمال أن يقبل حزب العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة بشخصية أخرى غير بنكيران، كما يمكنه أن يقول إنه غير معني بتشكيلها وبالتالي يضع نفسه في خانة المعارضة.
وفي حالة رفض العدالة والتنمية قبول تعيين شخص آخر مكان بنكيران لتشكيل الحكومة يكون الحزب قد وضع نفسه خارج أسوار الحكومة وبالتالي فإن الملك بوصفه الضامن لحسن سير المؤسسات لن ينتظر إلى أن يقرر حزب العدالة والتنمية المشاركة في الحكومة وسيعتبر أن الحزب اختار مكانه في المعارضة.
لقد قضى رئيس الحكومة المعين خمسة أشهر يخلط المشاورات السياسية بالبطاطا وقال «ما نتسماش عبد الإله» إذا دخل الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة، ودشن شهره السادس مخاطبا الملك حول احتمال تغييره لرأيه في مسألة تكليفه بتشكيل الحكومة، معربا عن استعداده للتنحي، وفي الوقت ذاته معبرا عن استعداده للتضحية برقبته للبقاء في منصبه.
أما على مستوى الرأي العام المتتبع، وشعب «السداري»، والطبقة المثقفة وطبقة رجال الأعمال والمقاولين فقد كان هناك شبه إجماع حول أن الاستمرار في وضع الثقة في بنكيران لتشكيل الحكومة ولتسيير البلد للخمس سنوات المقبلة يدخل في باب الانتحار، خصوصا أن الرجل لا يخجل من مطالبة المغاربة بالعمل أكثر لاستحقاق رواتبهم فيما المغاربة كلهم يرون كيف حصل بنكيران منذ خمسة أشهر على راتبه السمين دون أن يكلف نفسه أي عمل.
أما التقارير الداخلية والخارجية فكلها مجمعة على أن رقعة الفقر تزداد والبطالة تستفحل والاستثمارات في أسفل درجاتها، وحدها مؤشرات الرشوة والإجرام والفساد بكل أنواعه تزداد يوما عن يوم.
وأما الطبقة السياسية فالجميع أصبح اليوم مقتنعا بأنها أصبحت تنتج الثرثرة الفارغة والتنابز بالألقاب وتنهك خزينة الدولة برواتبها وتقاعدها الذي يخرج من جيوب دافعي الضرائب.
وفي حالة فشل رئيس الحكومة المعين رقم اثنين، أو في حالة رفض حزب العدالة والتنمية تفويض شخص آخر بعد بنكيران لتشكيل الحكومة، فإن هناك حديثا متعاظما حول احتمال تعيين شخصية تكنوقراطية على رأس حكومة غير حزبية.
وإذا أردنا أن نبقى منسجمين مع الخيار الديمقراطي الذي ينص عليه الدستور فالإمكانيات المتاحة لحل الاحتباس الحكومي جد ضيقة، بحيث يتم تعيين حكومة تكنوقراطية ويتم حل البرلمان ويدعى إلى انتخابات سابقة لأوانها ستعطي نفس نتائج انتخابات أكتوبر الماضي.
أما إذا تم تعديل الدستور بحيث يتم التنصيص على إسناد مهمة تشكيل الحكومة للحزب الثاني إذا فشل الحزب الأول في هذه المهمة، فإن النتيجة واضحة.
ولذلك فمن المحتمل جدا أن يتم تشكيل حكومة تكنوقراط يعهد إليها بتسيير البلاد لسنة أو أكثر، وإعلان تعديل دستوري خلالها لوضع مخرج قانوني لتجنب البلوكاج في حالة فوز العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى وعجزه عن تشكيل الحكومة، بحيث يتم التنصيص على فصل يعطي الأحقية في تشكيل الحكومة للحزب الذي يأتي في المرتبة الثانية.
وطبعا فالبلاد بمؤسساتها ليست مستعدة في الظروف الراهنة للبقاء رهينة لدى مزاج رئيس الحكومة المعين، ولا رهينة حسابات الحزبيين وتحولاتهم، لذلك فالملك بوصفه الساهر دستوريا على حسن سير المؤسسات من المحتمل أن يضع حدا صارما لهذا العبث الذي طال أكثر من اللازم.
وبالنسبة لنا نحن في المغرب حاليا فالمقولة التي تنطبق علينا هي مقولة وينستون تشرشل التي يقول فيها أنك «إذا أردت أن تعرف أي شعب في العالم انظر إلى برلمانه ومن يمثله، بعدها سوف تعرف أي الشعوب يستحق رمي الورود عليه ومن يستحق الضرب بالأحذية».
وعندما ننظر إلى من يمثلنا في البرلمان بغرفتيه نكتشف وجود برلمانيين لا يتوفرون على أي مستوى دراسي، في حين لا يتعدى المستوى الدراسي لـ35 برلمانيا الشهادة الابتدائية.
ورغم أن حزب العدالة والتنمية يعتبر أغنى حزب في المغرب بعد حزب الاستقلال فإنه يعول على أموال دافعي الضرائب لتمويل حملاته الانتخابية.
دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الجديد مول حملته من ماله الخاص ولم يأخذ دولارا واحدا من أي مانح.
عندنا توزع الأحزاب السياسية الفائزة الدعم الحكومي كما لو كان غنيمة تنضاف لغنيمة توزيع الحقائب الوزارية.
وقد كان نصيب حزب العدالة والتنمية الذي تصدر الانتخابات من المال العام سبعة مليارات.
هذا هو ما جناه حزب يقول عنه أصحابه إنه «خدام مع الله»، وأنهم جاؤوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من النقود طبعا وليس الإنقاذ.
هكذا نفهم لماذا يخلط بنكيران بين أمواله وأموال الحزب وحركته الدعوية، ولماذا يؤسس قياديو الحزب والحركة كل تلك الشركات العقارية والتجارية.
فالأمر يتعلق بغنيمة حرب سيتم اقتسامها واستثمارها لخلق الثروة داخل الحزب.
إن الأموال التي ضختها وزارة الداخلية لفائدة الحزب ستذهب لإنشاء مشاريع استثمارية في مجال العقار والتعليم الخصوصي ومساهمات في شركات الأتراك التي يرعاها شقيق بوانو.
هذه الأموال تغني حزب البيجيدي عن الاستفادة من المال العام طالما أن الشعب المغربي المتعامل مع مدارس ومشاريع عقارية في اسم أعضاء بالعدالة والتنمية، في إطار ما يسمى بالأخويات السكنية التي انتعشت كالفطر بسلا وتطوان والقنيطرة ومكناس والعديد من المدن الكبرى، هو من ينعشها بأمواله، ومنهم من صوت لفائدة البيجيدي، خصوصا أمهات وأبناء تلاميذ مدارس العدالة والتنمية ومدرسة بنكيران «أرض السلام».
لذلك كله فالنتيجة التي تستخلصها من هذه الصورة هي أن السياسيين المغاربة ليسوا في مستوى اللحظة الحاسمة التي يعيشها المغرب حاليا، ففي الوقت الذي تغلي فيه المنطقة والعالم يسير نحو تحولات جوهرية بالغة الخطورة والتعقيد، نرى كيف غرق رئيس الحكومة المعين سابقا في خطاب البطاطا خالطا بين مؤسسة الحكومة وبيته الذي يختار من سيدخل إليه ومن سيخرج منه.
يحكي عبد الهادي بوطالب، الذي كتب خطاب حل البرلمان والإعلان عن حالة الاستثناء، كيف تلقى دعوة من الحسن الثاني وهو في مدينة إفران، حين قال الملك الراحل لمستشاره إن الأمور لا تسير نحو الأحسن، والديمقراطية التي أخذنا بها معطلة، والبرلمان لا ينتج شيئا، إنه لا يزال عقيما، فلم يصدر عنه أي مشروع قانون، ولا مقترح، والبلاد فيها فساد، لذلك أريد (يقول الحسن الثاني) بقرار الاستثناء أن أصلح».
ما أشبه الليلة بالبارحة، فتوصيف الحسن الثاني لحالة البلاد آنذاك هي نفسها الحالة التي نعيشها اليوم، والوضع استثنائي بامتياز ويفرض قرارا استثنائيا لوضع حد للعب الطبقة السياسية بكل أطيافها بمصير الشعب ومصالحه وخبزه اليومي.
إن السيناريو الذي نعيشه اليوم هو نفس السيناريو تقريبا الذي وقع سنة 2002 عندما احتد الصراع بين الاتحاد والاستقلال حول من له الأولوية في قيادة الحكومة، فالاتحاد جاء أولا وطالب بولاية ثانية، وحزب الاستقلال طالب بالتناوب استنادا لمرجعية الكتلة، فصدر بلاغ من الديوان الملكي يقضي بتعيين التكنوقراطي جطو وزيرا أول وشارك عن الاتحاد محمد الأشعري والمالكي وإخوانه في الحقيبة، ومعه الاستقلال في الحكومة التي دخلها غلاب والدويري وعباس الفاسي وآخرون.
والبقية تعرفونها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى