شوف تشوف

الرأيالرئيسية

انتخابات غير مسبوقة

 

محمد كمال

 

 

أصبح من المؤكد أن الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري بالولايات المتحدة في نونبر المقبل سيكون طرفاها المرشح الديمقراطي والرئيس الحالي جو بايدن، والمرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب، في تكرار لمشهد انتخابات عام 2020.

وبالرغم من التكرار في أسماء المرشحين، فإن انتخابات هذا العام تجرى في أجواء مختلفة وغير مسبوقة مقارنة بانتخابات 2020. جريدة «وول ستريت جورنال» نشرت تحقيقا هذا الأسبوع أوضحت فيه بعض ملامح هذا الاختلاف، ومنها أنه لم يسبق للناخبين الأمريكيين أن اختاروا بين مرشحين كبيرين في السن إلى هذا الحد (في يونيو القادم سيبلغ ترامب 79 عاما وفي نونبر سيبلغ بايدن 81 عاما)، ووفقا لاستطلاع حديث للرأي العام، يرى ما يقرب من ثلاثة أرباع الناخبين أن بايدن أكبر من أن يترشح مرة أخرى.

ولم يحدث قط في العصر الحديث أن كان الاختيار بين مرشحين مكروهين بشدة، أو بين مرشحين لهما سجل سابق رئيسين للبلاد. بمعنى أن الناخب الأمريكي قد اختبر ترامب من قبل، ويختبر بايدن خلال فترته الرئاسية الحالية، ولا يتوقع الناخبون أن أيا من المرشحين قد تغير أو سيتغير في المستقبل، أي لا يتم التعامل مع الانتخابات باعتبارها خيارا بين رؤى متنافسة للبلاد، وأصبح هدف الحملة الانتخابية هو تعبئة الناخبين وليس تقديم رؤية جديدة تتعلق بالمستقبل، فخبرة الماضي هي التي ستحدد خيار المستقبل، والكثيرون من الناخبين قد حددوا موقفهم بالفعل من المرشحين، بناء على هذه الخبرة.

كما لم يسبق من قبل أن تم إجراء حملة انتخابية في نفس الوقت الذي تتم فيه محاكمة أحد المرشحين وهو ترامب، الذي يقضي وقته بين قاعات المحاكم واللقاءات الانتخابية. وإذا كانت الاتهامات والمحاكمات لترامب قد دعمت شعبيته داخل الحزب الجمهوري، فإن صدور حكم بالإدانة قبل موعد التصويت في نونبر المقبل سيكون له تأثير كبير على السباق الانتخابي.

الانتخابات تجرى أيضا في ظل تراجع غير مسبوق لوسائل الإعلام التقليدية وشبكات التلفزيون، التي كانت تمارس دور «حارس البوابة»، وفقا للمعايير المهنية المتعارف عليها. وأصبح قطاع واسع من الجمهور يحصل على معلوماته من وسائل أخرى. ويتواصل ترامب مع ناخبيه من خلال هذه الوسائل.

الانتخابات تتم في أجواء استقطاب كبير داخل الولايات المتحدة، وانقسام مجتمعي غير مسبوق في التاريخ الأمريكي الحديث. ويستخدم كل مرشح خطاب «التخويف» من المرشح الآخر ومن المستقبل المرتبط به، وليس خطاب «الأمل» في المستقبل، فبايدن يُخوف الناخبين من قيام ترامب بهدم معبد الديمقراطية لو وصل إلى البيت الأبيض، وترامب يُخوف الناخبين من تصاعد عدم الأمن الشخصي لهم المرتبط بسياسات بايدن للهجرة، والتي يصفها بأنها تساعد على دخول القتلى والمجرمين إلى الولايات المتحدة.

حالة الاستقطاب لن تنتهي مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة، بل قد تدخل البلاد في موجة أكبر من الاستقطاب، وإذا كان 70 في المائة من الناخبين الجمهوريين يرون أن الانتخابات السابقة قد «سُرقت» من دونالد ترامب، واقتحم عدد منهم الكونغرس احتجاجا على ذلك، فإن هزيمة ترامب مرة أخرى قد تترتب عليها موجة أكبر من الاحتجاج، والعنف أيضا.

نتائج هذه الانتخابات سوف تحدد بدرجة كبيرة مستقبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فهزيمة بايدن سوف تضع نهاية لدور القيادات التقليدية للحزب، والتي تنتمي إلى جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، وسوف تسرع عملية تمكين جيل الشباب من قيادة الحزب، والذين ينتمي معظمهم لما يسمى «التيار التقدمي»، الذي يعارض اليوم السياسات الوسطية لبايدن، وموقفه المؤيد لإسرائيل في حرب غزة، وسوف يتجه إيديولوجيا بالحزب نحو مزيد من «اليسار».

انتصار ترامب سوف يمكنه أكبر من السيطرة على الحزب الجمهوري، وستتحول ظاهرة ترامب الشعبوية، التي ترتبط بالأساس بشخصه، إلى حركة سياسية تهيمن على الحزب، وتؤسس لاستمراريتها، حتى بعد نهاية فترة ترامب الرئاسية، وبالتأكيد ستتجه بالحزب إلى المزيد من «الشعبوية اليمينية» وليس الأفكار المحافظة التقليدية، التي مثلت الإطار الفكري للحزب الجمهوري لعدة عقود.

أما هزيمة ترامب، فسوف تقود الحزب الجمهوري إلى مرحلة «البحث عن الذات»، وقد تعيد الحياة إلى التيار المحافظ التقليدي داخله، أو يعاني الحزب انقسامات داخلية لعدة سنوات قادمة.

أما في ما يتعلق بالسياسات المحتملة لبايدن أو ترامب فلن تكون هناك مفاجآت جديدة، فالعالم اختبر كلا منهما من قبل، وفوز بايدن معناه استمرار السياسات التي بدأها في فترته الرئاسية الأولى. وعودة ترامب إلى البيت الأبيض تعني العودة بشكل أو بآخر إلى السياسات التي تبناها، أثناء فترة رئاسته (يناير 2017 – يناير 2021).

وأخيرا، وبالنسبة إلى الشرق الأوسط، فالاختلاف بسيط بين بايدن وترامب، وقدرة الولايات المتحدة على التأثير أصبحت محدودة، ومحرك الأحداث سيظل في المنطقة وليس في البيت الأبيض.

نافذة:

أصبح هدف الحملة الانتخابية هو تعبئة الناخبين وليس تقديم رؤية جديدة تتعلق بالمستقبل فخبرة الماضي هي التي ستحدد خيار المستقبل والكثيرون من الناخبين قد حددوا موقفهم بالفعل من المرشحين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى