شوف تشوف

الرأي

انتخابات إسرائيلية بين أطياف اليمين

أنطوان شلحت

أمسى شبه مؤكد، لدى كتابة هذه السطور، أن إسرائيل ماضية نحو انتخابات عامة رابعة خلال أقل من عامين، بالتوازي مع حقيقة أخرى مؤكدة أن التنافس في هذه الانتخابات سيكون بين أطياف اليمين الإسرائيلي على خلفية وحيدة: معارضة استمرار سلطة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، المستمرة منذ أكثر من عقد، جراء الاشتباه فيه بارتكاب مخالفات فساد.
ويبدو أن نتنياهو سينافس في هذه الانتخابات من خلال الاستخدام الأداتي لـ«اتفاقات أبراهام» للسلام مع أربع دول عربية، وأبرمت برعاية الولايات المتحدة، وإشهار فوائدها الجمة على الصعد كافة، سيما السياسية والاقتصادية. ويكتسب الصعيد الاقتصادي أهميته الفائقة في أوساط جمهور الناخبين من الأزمة الحادة التي تشهدها دولة الاحتلال، ترتبا على تداعيات جائحة كورونا، والتي انطوت، في الوقت عينه، على مؤشر حاد إلى أزمة صحية كذلك. سيتمثل استخدام تلك الاتفاقات، أكثر من أي بُعد آخر، في تشديد نتنياهو على أن تلك الاتفاقات مهدت الأرضية لمعادلة جديدة تحظى فيها إسرائيل بسلام مع العرب، يتضمن تطبيعا كاملا بمنأى عن شرط استعادة الأرض، بل وحتى من دون التطرق ولو بكلمة واحدة، إلى الاحتلال في أراضي 1967.
وسيكون استخدامها مناسبة للقول أيضا إنه، بغية ركل الفلسطينيين جانبا، يتضمن الاتفاق مع الإمارات ذكرا لـ«رؤية السلام»، وفقا لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وهذا يعني أن «صفقة القرن» دخلت من الشباك، بينما خرجت مبادرة السلام العربية من الباب. وبعد ذلك، يأتي الملح الذي يرشه الاتفاق على جراح الفلسطينيين، فوفقا للاتفاق «يلتزم الطرفان (الإسرائيلي والفلسطيني) بالعمل معا لتحقيق حل متفق عليه للصراع بينهما يستجيب للاحتياجات والتطلعات المشروعة للشعبين، والدفع نحو اتفاق سلام شامل في الشرق الأوسط، ونحو الاستقرار والازدهار». وهو ما استنتجت منه عديد القراءات الإسرائيلية الرسمية والإعلامية، أنه لم تعد هناك بعد اليوم «حقوق مشروعة»، بل «احتياجات مشروعة». ومن الصعب تصديق أن الخبراء الذين وضعوا هذه الصياغات، ومنهم رجال قانون بارزون، لا يعرفون الفرق بين المصطلحين. ولا تنتهي مسيرة رفس الفلسطينيين عند هذا الحد، فكلمة «لاجئون» لا تظهر، بالرغم من أن مسألة اللاجئين أساس مهم في قضية فلسطين برمتها، واتخذت أكوام من القرارات بشأنها في كل مؤسسات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية؛ ولم يعد لهذا كله حتى أدنى ذكر.
على الضد من تلك القراءات، رأت أخرى قليلة أنه، بـ«غلاف السلام» في هذا الاتفاق، أعاد نتنياهو تسويق السيطرة على الفلسطينيين، ناهيك عما يتيحه له من إمكان دق إسفين في جبهة المعارضة الدولية للاحتلال، ما سيخفض أكثر فأكثر من ثمن الاحتلال، ويشي بتحويله إلى حالة دائمة.
يستلزم الوقوف على أعتاب انتخابات إسرائيلية أخرى الخروج بحكم عام حيال موقف نتنياهو نفسه من السلام، على مدار ولايات حكوماته المتعاقبة منذ عام 2009. ولا نحتاج إلى عناء كبير، كي نخلص في مجرى ذلك إلى الاستنتاج أن نتنياهو لا يؤمن بالسلام مع الفلسطينيين، ولكنه، في بداية ولايته الثانية، كان يدرك كأسلافه من رؤساء الحكومة في إسرائيل، أن مصير دولة الاحتلال مرهون بـ«قوتها وشرعيتها»، بموجب ما دأب رئيس الحكومة الأول، ديفيد بن غوريون، على تكراره. وفي ذلك العام تحديدا، شكل تعاظم قوة إيران بمثابة تهديد لقوة إسرائيل، كما أن شرعية هذه الأخيرة تعرضت إلى التقويض على خلفية وقائع الحرب العدوانية على قطاع غزة، وما تبعها من صدور «تقرير لجنة غولدستون». وبسبب تغول الاستيطان في أراضي الضفة الغربية، ولذا باتت بحاجة ماسة إلى مزيد من الاعتراف والدعم، وهو ما يوجب إرضاء العالم تحت غطاء «عملية السلام». وهذا بمثابة سلوك، أعاد نتنياهو إنتاجه من إرث أسلافه، واتسم منذ عام 2000، على الأقل، بالانهماك في الحديث عن السلام أكثر من الانشغال بالتقدم الحقيقي نحوه ودفع أثمانه، متكئين عليه لتبرير السياسات، وتحميل الطرف الآخر مسؤولية أي خلل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى