امرأة الحرب
اختارت عدة نساء مغربيات طريق الحرية في ارتداء ما يحلو لهن، وخالطن الرجال في التعليم والعمل والأسواق، وطالبن بحقوقهن السياسية والاجتماعية، وحصلن على أغلبها؛ وذلك كله دون أن تعلم غالبيتهن أنهن يطالبن بنفس ما طالبت به حركة علمانية ليبرالية ضربت جذورها بالمشرق منذ أكثر من قرن من الزمن، ودون أن يقرأن شيئا مما كتبه قاسم أمين ومحمد عبده، ودون أن يسمعن شيئا عن رائدات حركة تحرير المرأة في المشرق، أمثال هدى الشعراوي، زوجة سعد زغلول، ونبوية موسى ونوال السعداوي وباقي النساء اللواتي انبهرن بالغرب، وحضرن مؤتمرات نسائية دولية وطالبن بحقوق النساء وخرجن من نضالهن تارة ظافرات وتارة خاسرات.
جداتنا وأمهاتنا المغربيات في عمومهن مجرد نساء مكافحات، وخروجهن من بيوتهن ربما لم يكن حركة تحرر بقدر ما كان في يومه دفاعا عن الوطن، ثم رغبة منهن في تطوير هذا الوطن، فولجن المدارس ليتعلمن ويعملن، وكن ناجحات نوعا ما في كل ما فعلنه.. لم تكن المرأة المغربية يوما ضد الرجل أو ضد الدين أو ضد القيم والقوانين، فهل مغربيات اليوم يعشن حركة التحرر التي جاءت متأخرة قليلا؟ جاءت بعد أن تراجعت كثيرا في مهدها، فهل غادرته لتصلنا، وقد تغادرنا يوما مادام التقدم لا يعني بالضرورة عدم التراجع؟
في يومنا، نجد نساء اخترن الحداثة، وأدمن الوقوف على المنصات للمناداة بالاستقلالية التامة وبالمساواة المطلقة، نصبن أنفسهن المدافعات عن حقوق جميع النساء، ورفعن شعاراتهن في إطار جمعيات وأحزاب، وقلن إنهن مللن من العقلية الذكورية، وأرادت بعضهن التحرر من كل شيء.
تقول لي إحداهن، ودون أن تسألني هل أنا معهن أم ضدهن، إنه لن يهدأ لها بال إلى أن تخلص النساء من كابوس البكارة، وأن تمكنهن من عيش حياتهن الجنسية بالرضا الذي يرغبن فيه دون تدخل عائلي أو قانوني، وأن يجهضن أنفسهن متى أردن ذلك، وأن يحصلن على نصيبهن من الإرث متساويا مع الرجل، وهي متفائلة بما سيحمله المستقبل من تطورات في مثل هذه المواضيع، وبأن أكبر معيق هو انخفاض مستوى الوعي في المجتمع واستمرار الناس في الرضوخ للتعاليم الدينية القديمة.
من الصعب مناقشة امرأة «فيمينست»، لأنها تشعر بأن هناك تمييزا عنصريا ضدها وبأنها مضطهدة وترزح تحت السلطة الذكورية، وليس من الصعب تمييز مثل هذه الأنواع من النساء في مجتمعنا؛ فيكفي أن تنظر إلى شكل كلامها وتصرفاتها.
إن أغلبهن يعانين من عقدة الرجل في حياتهن، وهن لا يتمكن من إنجاح أية علاقة مع الجنس الآخر، ويعزين فشلهن في ذلك إلى عدم رغبتهن في أن يكن تحت سيطرة أي رجل؛ حتى لو كان ذلك باسم الحب أو الزواج. ومن السهل أن تدخل المرأة منهن في نوبة صراخ ودفاع عن النفس، مصرحة بذلك بالضعف الكبير في شخصيتها وباضطراب سلوكها. وهذا النموذج من النساء قد ينجح عمليا؛ لكنه يفشل عائليا، ويعيش صراعا داخليا يحاول إخفاءه بافتعال القوة.
صديقتي «الفيمينست» تعرضت أخيرا لاكتئاب حاد، تقول إن نجاحها يتربص به الأعداء الذكور، وإنها ضاقت ذرعا ولا تريد الاستسلام؛ لكنها مرهقة، ثم دخلت في نوبة بكاء وأمسكت يدي وقالت: «إنه رجل جبان لقد سلمته سنواتي الوردية، وودعني حين كان ذاهبا ليخطب فتاة خنوعة قائلا إنه يحبني؛ لكنه لا يريد الدخول معي في حرب.. فهل أنا امرأة حرب؟».