بقلم: خالص جلبي
جاءتني في الإنترنت رسالة تهنئة بأنني ربحت مليون أورو، وأنني ثاني اثنين ربحا هذا المبلغ، وأن عنواني في الإنترنت رسا عليه الحظ من بين مليونين ونصف المليون، وأنه جائزة سنوية في «غوغل». وبالطبع فإن أي إنسان تنزل عليه ثروة خرافية من هذا الحجم بدون جهد يشعر بطيف من السعادة، ولو كانت كاذبة! وقصة عاطف من قصص ألف ليلة وليلة هي من هذا القبيل. قالت لي ابنتي مريم: بالطبع هي خدعة، وراسلهم فلن تخسر شيئا حتى تكشف أمرهم، ولكن الأحلام جميلة، فلنحلم وإيانا والتصديق! قلت لها: نعم وإلا كانت قصتنا مثل قصة الراعي وجرة العسل. قالت: وما قصته؟ قلت: زعموا أن راعيا بائسا أوى إلى كوخه، فألقى بنفسه على حشوة من ليف، وكان قد علق في السقف فوق رأسه جرة عسل، خوف تسلط النمل عليها، فما إن تشم واحدة منها رائحة العسل إلا زحفوا بالألوف المؤلفة فهم يُوَزَّعُونَ.
تمدد الراعي المسكين وأخذ بيده عصاه يهش بها على سيقانه النحيلة، ثم انطلق في الخيال، قال: يا عبد الله أنت الآن تملك بضعة خرفان، وزوجا من الماعز، ولكن لن يبقى الحال هكذا، فدوام الحال من المحال. وهكذا فلسوف تتوالد الخرفان وكذلك زوج المعز النشيط، وفي فترة قصيرة سوف يصبح عندك قطيع كبير من الخرفان والمعز، وتابع خياله: نعم.. عندها تبيع قسما من الخِرَاف فتشتري به أبقارا حلوبة، فتتوالد بدورها وتتكاثر؛ فتبيع العجول والحليب والسمن، ثم تحلب ريقه وقال: ما أجمل ما حصل. ثم تتزوج من امرأة جميلة وتبني عائلة سعيدة وتنجب لك عشرة من الأولاد والبنات، فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا.
التفت الراعي حوله وهو يسرح النظر في أولاده المشاغبين من الحلم، وصرخ فيهم: أريد هدوءا يا أولاد، وإلا أدبتكم. ولما لم يسمع أحد القول صرخ: إذا العصا لمن عصى! ثم لوح بعصاه في الهواء مهددا، وخبط أول طفل شقي مشاغب الضربة الأولى بالعصا، والتي لم تكن سوى رأس جرة العسل. لم يستفق الراعي من أحلامه حتى سال العسل الكثيف فوق ملابسه ووجهه، فبدأ يلحسه بمرارة، وهو يقلب كفيه على ما أنفق في جمعه وحيازته. والحمد لله لم تكن قصتي مع جماعة الإنترنت على الشاكلة نفسها، فلقد أرسلت إليهم أنني أشكرهم، وإنه لخبر مفرح، ولكن ما هي الخطوة التالية لتسلم المبلغ، فأرسلوا إلي ببراعة مجموعة من اللصوص المدربين بأشد من كلاب الحراسة والصيد، أن الأمر بسيط وليس علي سوى أن أملأ البيان المرفق، وأرسل إليهم رقم حسابي البنكي ليحولوا عليه مبلغ مليون أورو. ولما تأملت البيان المرفق لفت نظري فيه بند بريء، أن علي تحويل مبلغ 423 أورو من أجل استكمال المعاملة، قلت في نفسي: يكفيهم ألف مغفل أن يملؤوا مستودعاتهم بمبلغ 423 ألف أورو من العملة الفخمة، ما يعادل حوالي نصف مليون دولار أمريكي.
وحضرني هنا ذكر والدي رحمه الله من القامشلي الذي كان يشتري أوراق اليانصيب كل أسبوع، على أمل هبوط مفاجئ للثروة على رأسه، يحل بها متاعبه المالية. فكنت أقول له: يا والدي لو جمعت ما تصرفه على أوراق اليانصيب، لصار عندك ثروة. حتى كان ذلك اليوم الذي رجع ليلا غَضْبَانَ أَسِفًا؛ فقد أخطأت ورقة اليانصيب برقم واحد، فأخذ جائزة ترضية بمبلغ ألف ليرة بدل عشرين ألف ليرة سورية، وكانت الجائزة يومها لو حصلها ثروة مثل 200 مليون بالعملة المغربية كما يسمونها المغاربة، وكان الدولار الأمريكي يعادل يومها ثلاث ليرات سورية، وهو أي الدولار مع كتابة هذه الأسطر 2023 يعادل عشرة آلاف ليرة سورية، وهو في طريقه للانتفاخ أكثر مع انهيار الليرة السورية المتتابع في سوريا المنكوبة المرتهنة في قبضة عائلة السنوريات الأسدية، وكانت جائزة اليانصيب في أيام والدي مبلغا خرافيا كما قدرته بالعملة المغربية، ولكن في تقديري لو هبطت على رأسه غمامة الذهب فلن يحل مشاكله المالية، بسبب بسيط أنه لم يكن يعرف تماما أين الخرق؟ وكيف يوازن ما بين الدخل والمصروف؟ وبالمناسبة فهذه قاعدة تصدق على الدول كما تنطبق على الأفراد، وحين أقرأ في الجريدة في صفحة الاقتصاد أن المغرب استدان، حسبما قرأت، ثلاث دفعات من صندوق النقد الدولي أكثر من مليار ونصف المليار دولار أمريكي، ومن صندوق النقد العربي 277 مليون دولار، ثم يدفع لمصانع الأسلحة الأمريكية مبلغ 500 مليون دولار لبضعة صواريخ، لا يسعني إلا أن أضع يدي على قلبي، فالغرب حريص على أن يدخل في روعنا أنه يجب أن نغرق في الدين، وأن علينا التسلح دفاعا عن أنفسنا من الجيران الخبثاء. وأتذكر في هذا قولا للفيلسوف فريدريك نيتشه إن كل الوزارات الحربية في العالم تسمي نفسها وزارات دفاع، وهي تحمل ضمنيا سوء النية من الجيران. وبين الدفاع والهجوم شعرة، وحسب هتلر، فالهجوم خير وسيلة للدفاع كما أتحفنا بوتين، فالهجوم على أوكرانيا في 22 فبراير 2022م وظن أنها مسألة أسابيع، ولكن الحرب يقول قانونها الأول إن بإمكانك إشعالها في أي لحظة، ولكن ليست نهايتها في يدك ولا نتائجها؛ فقد تدمرت إمبراطوريات وتهدمت حضارات مع إشعالها.
نافذة:
كانت جائزة اليانصيب في أيام والدي مبلغا خرافيا كما قدرته بالعملة المغربية ولكن في تقديري لو هبطت على رأسه غمامة الذهب فلن يحل مشاكله المالية