شوف تشوف

الرئيسية

اليأس يقود المسرحي الحسين حوري إلى مشنقة الانتحار

كوميديون وهبوا حياتهم لإسعاد المغاربة فماتوا تعساء

حسن البصري
لم يكن الحسين حوري يسعى نحو الجاه أو الشهرة، ولم يكن همه ركوب صهوة المجد في ميدان الفن، بقدر ما كان يسعى لتحقيق ما اعتبره زملاؤه «نشوة» البوح ورغبة الكشف عن تناقضات مجتمع يفرز كل يوم أعطابا اجتماعية ساهمت فيها كائنات انتهازية على حد قولهم.
ولد الحسين حوري عام 1946 في حي سيدي عثمان، عندما كان الصفيح يغطي المنطقة التي يقطنها مهاجرون فارون من الجوع والقهر، في إحدى البراريك ولد ونشأ وهو يتعايش مع الفقر والأوبئة التي ضربت البلاد. وعلى الرغم من حالة الخصاص التي تضرب الأسرة ومحاولة الأب انتزاع لقمة عيش لأبنائه، فإنه حاول جهد الإمكان إلحاق ابنه بمنظومة دراسية ناشئة، لكن تعليم الحسين لم يتجاوز الإعدادي في ظل حاجة الأسرة لكل السواعد من أجل المساهمة في جهود انتشال أفرادها من الفاقة.
بدأ الفتى يتردد على دور الشباب على قلتها، خاصة دار الشباب ابن امسيك العريقة، وابتداء من سنة 1960 وقع عقد الانتماء للخشبة، وأصبحت براريك دار الشباب ملاذه حين يقرر الهروب من براريك الحي المطوق بالفقر وعساكر المستعمر.

تعدد الأدوار
لم يكن الحسين مجرد ممثل يؤدي دوره في مسرحية، بل عمل على خوض تجارب عديدة مرتبطة بمهن المسرح والفن عموما، فهو المؤلف والممثل ومساعد المخرج والمسؤول عن الديكور وحتى الإداري إذا اقتضى الأمر. وبين جمعيات «العهد الجديد» و«العروبة» و«اللواء» و«ليالي الشعب» ظل حوري عنصرا أساسيا في تشكيلة كانت تناضل فوق الخشبة.
يتحدث الناقد المسرحي جيب طلال عن تعدد أدوار الحسين، ويسلط الضوء عن جانب الكتابة في الظل، مشيرا إلى أنه ظل يكتب العديد من المسرحيات دون أن تحمل اسمه، مستندا إلى حوار مع الفنان الراحل حسن مضياف، الذي قال قبل وفاته بأن أول مسرحية شارك فيها تعود إلى سنة 1974، رفقة فرقة العروبة المسرحية، وكانت أول مسرحية شارك فيها بعنوان «سمفونية الغضب» وهي من تأليف المسرحي الراحل الحسين حوري. ما يؤكد هذا طرح تعدد أدواره. ويضيف ذات الناقد، مستدلا على روح الإيثار التي تسكن الرجل: «القليل ممن يعلم أنه تنازل عـن البطولة في شريط حلاق درب الفقراء ليسند للحبشي الذي هـاجر الفـن وفي جعبته قضايا وملفات ضخمة عــن المشهد الإبداعي».
ظل حوري يبحث عن باحة استراحة، بعد أن ظهرت عليه أعراض القلق، لكنه ظل يخفي أحزانه ليضحك الآخرون، همه الوحيد انتزاع تصفيقات من الجمهور، حينها يقول لازمته «شكرا الرسالة وصلت». بفضل مدير دار الشباب المغرب العربي في المحمدية، غير الحسين شهادة الإقامة وانتقل إلى فضالة لكن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن. حيث عانى من الإقصاء الفني والإنساني والجمعوي، وعاش صراعا مكشوفا وخفيا مع اتحاد كتاب المغرب الذي مارس الإقصاء في وجهه.
كانت للحسين طقوسه في كتابة النصوص، لكنه يحرص دوما على أن تكون الولادة ليلا وأن تكون عناوينها مستفزة: سمفونية الغضب، اغتيال مرزوق، زمن الأقـزام، الحـرباء، إمبراطورية الشحاذين، مجنون المدينة، الهوس، صرخة عبدو، درعـة لن تجف، عبدو والكراكيز، الزمن الأحدب، أين الرؤوس؟، وغيرها من الأعمال التي جعلته منظرا وفيلسوفا يحمل المتفرج إلى عوالم أسئلة غالبا ما تحول المتلقي إلى فاعل في العمل المسرحي لا مستهلك له.

وصية معلقة
في صيف سنة 1984، كانت مدينة المحمدية منشغلة بترتيب زحمة زوارها، فجأة شاع خبر العثور على الفنان المسرحي الحسين حوري جثة هامدة في شقته، بعد ساعات تناسل خبر الانتحار بين الناس، واحتل الصفحات الأولى من الجرائد. لم تكن المواقع الإلكترونية قد نبتت بعد، ولم تكن مواقع التواصل الاجتماعي قد رأت النور، لذا ظل الخبر اليقين عن أقرب المقربين وفي محاضر المحققين.
انتحر الحسين حوري شنقا، مخلفا وراءه أعماله الإبداعية التي لم تطبع رغم وعود ليلة التأبين، وكذا وصية، يدعو فيها إلى توثيق أعماله، لكي تكون ملكا للأجيال القادمة، ثم ورقة كتب عليها: «قتلت نفسي ولم يقتلني أحد أحبكم جميعا»، وبجانبه «ربطة» نعناع أو ما تبقى منها، براد شاي شرب منه قليلا، خبزة أكل منها قطعة صغيرة وعلبة سردين.
بعد أن انفض الجمع شرع رفاقه في البحث عن الجهة القادرة على ترجمة الوصية وتحويل أعماله المتناثرة إلى موروث فكري. أدارت وزارة الثقافة ظهرها، وفي حفل مهيب قبل اتحاد كتاب المغرب عضويته، ووعد بطبع ذخائر الحسين لكنه نكث وعده.
كان شعراء ومسرحيون شهودا على وعود ولدت في لحظة حماس وماتت قبل أن يغلق الحارس قاعة حفل التأبين الذي حضره الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم وألقى كلمته المؤثرة، كما بعث الكاتب الروائي السعودي عبد الرحمن منيف كلمة التأبين بعد أن تعذر حضوره، معترفا بالتجربة الرائدة لحوري في تحويل «الأشجار واغتيال مرزوق» إلى مسرحية.
يقول الفنان المسرحي عبد الإله عاجل، بعد أن انتحر الحسين في بيت ليس في ملكيته، إن «حوري انسحب بطريقة تراجيدية من خشبة الحياة»، مضيفا في حوار صحفي بأن الفنان الحسين اعتقل بسبب عمل مسرحي هو وبقية أعضاء الفرقة قرابة ثلاث ساعات في دائرة أمنية بالرباط.
«كان يدخن كثيرا، والسيجارة لم تكن تغادر شفتيه، حتى عندما كان يتكلم، وبالتالي كان على المستمع بذل مجهود لفهم ما يقصده الحسين بالضبط، وكانت كلمة «إيه.. إيه» لازمة له»، يضيف عاجل الذي كشف عن محاولة انتحار فاشلة لحوري في مهرجان مسرحي بمدينة آسفي.
وقع حادث لم يثر إبانها الاهتمام اللازم، إلا بعد مدة، ففي إحدى الليالي رأى أحد رفاق دربه الفني صديقه الحسين وهو يحاول أن يلقي بنفسه من النافذة، في البداية لم يأخذ نجاح ذلك على مأخذ الجد، فحوري كثيرا ما كان يفاجئ أصدقاءه بمواقف غير متوقعة، لكن عندما وصله خبر انتحار حوري الحسين في المحمدية، تذكر ذلك المشهد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى