الوكيل العام لمحكمة الجزائر عُيّن قنصلا في تونس بعد اغتيال بوضياف
يونس جنوحي
عقد هشام عبود مقارنة بين محاكمتين وقعتا في الفترة نفسها، نخلص إلى أن الجنرالات تعاملوا بانحياز، ومارسوا الشطط وأعدموا القانون في الجزائر. يتعلق الأمر بقضية الحاج بطو الذي أرسله محمد بوضياف إلى السجن بتهمة الاتجار في السلاح، وبومعرافي الذي قتل بوضياف. الأول كان مدنيا بينما الأخير كان جنديا في الجيش الجزائري.
الحاج بطو اعتقل بعد أن كشف بوضياف وجود عصابة قوية داخل الجزائر يتزعمها الجنرالات، من أنشطتها الاتجار في السلاح والتهريب، وكان هذا الاكتشاف هو السبب الرئيسي وراء اغتيال الرئيس. ولأن بوضياف كان غاضبا، فإن الجنرالات لكي يمتصوا غضبه قدموا الحاج بطو إلى المحكمة العسكرية، واعتبروه كبش فداء لكي لا تطير رؤوسهم. وتفرغوا للتخطيط لاغتيال بوضياف حتى لا يتكرر السيناريو.
بينما بومعرافي الذي كان عسكريا، واغتال الرئيس بدم بارد، نظمت له محاكمة مدنية وسلمه الجنرالات للقوات التابعة لهم لكي يحققوا معه وانتزعوه بالقوة من مخافر الشرطة لكي يكون تحت أعينهم وبرعايتهم.
كان التناقض في الحالتين واضحا جدا. بعد اغتيال بوضياف، أصبح كل شيء في الجزائر مُباحا.
مُكافآت
لم يكن الجنرالات يقدمون الهدايا للآخرين من جيوبهم. لذلك كانوا أسخياء جدا ما دام الأمر يتعلق بالمال العام الجزائري. يقول هشام عبود إن الجنرالات وضعوا هدايا وترقيات لأطر الجهاز القضائي الذي كان يشرف على محاكمة بومعرافي مدنيا، وأغروهم بالمال، قبل أن يتمكنوا من جره إلى المحكمة العسكرية لكي يبقى بعيدا عن أعين الرأي العام الوطني والدولي، وينعموا عليه بالطريقة التي يرونها مناسبة.
كان الوكيل العام لمحكمة العاصمة الجزائر، عبد المالك السايح، قد تلقى مكافأة ملغومة لكي يبعده الجنرالات عن طريقهم، حيث عُين قنصلا في تونس وجمع حقائبه وغادر البلاد، وتمكن الجنرالات بسهولة شديدة من تحويل ملف بومعرافي إلى المحكمة العسكرية.
كان هناك تخوف من الانتقادات الدولية في حال احتج الجهاز القضائي في العاصمة الجزائر على تلك المسرحية المريرة. لكن بوضع الامتيازات وتقديم الهدايا للمسؤولين القضائيين المدنيين، كان كل شيء ممكنا.
يقول عبود إنه في بلد مثل الجزائر، حيث يُرسل أي جزائري بسهولة إلى السجن بتهمة إهانة الجنرالات سواء بالسب أو بكتابة مقال معارض لهم، لم يكن الجنرالات يتخوفون من أي انتقاد بخصوص تحويل محاكمة بومعرافي إلى الاختصاص العسكري وما تحمله الخطوة من دلالات. لقد كانوا يعرفون أن كل من يريد مهاجمتهم في الصحافة، سوف يفكر مليا قبل أن يقدم على خطوة مماثلة، لأن مصير الذين ينتقدون الجنرالات وسيطرتهم على البلاد مباشرة بعد اغتيال بوضياف، كان معروفا.
.. مع بتشين
يقول هشام عبود: «التقيتُ الجنرال محمد بتشين، المدير السابق للأجهزة الأمنية، في منزله بعد أيام على اغتيال بوضياف. لم يستطع أن يشرح لي كل الملابسات والمعطيات المتعلقة بالقضية في جهاز الأمن. ولخص لي الأمر قائلا:
-لو كنت مكان الجنرال توفيق، لأطلقتُ رصاصة لرأسي مباشرة».
المقصد كان واضحا. الجنرال توفيق كان في فوهة الزجاجة، بما أنه كان المسؤول الأكثر أهمية في الجيش وهرم عصابة الـ11 عسكريا الذين يقتسمون الجزائر، بعد أن أزاحوا الجنرال بتشين في آخر لحظة، حتى يمتصوا قليلا غضبة بوضياف عليهم عند عودته من المغرب أسابيع قبل اغتياله.
انتحار الجنرال توفيق، في نظر الجنرال بتشين، كان الحل الأسهل لطي ملف اغتيال بوضياف. بخبرته الأمنية الطويلة ودرايته الكبيرة بتشعبات ملفات جرائم زملائه الجنرالات، كان بتشين مدركا جدا لما كان يقوله. قضية اغتيال بوضياف بتلك الطريقة على الهواء وعلى مرآى من العالم، لن تمر أبدا مرور الكرام ولن ينساها الشارع بسهولة، ولا بد أن تبعاتها سوف تطول أسماء أكبر من بومعرافي، لذلك رأى أن الطريقة الوحيدة لضمان هروب من العقاب القضائي والقانوني، هي الانتحار.
لكن شخصا مثل الجنرال توفيق، كان يملك ألف وسيلة للتسلل من المأزق، بل إن الجنرالات لم يكونوا يرون أساسا أنهم في مأزق، بل احتفلوا وأصبحوا أقوى من السابق.