شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الوباء القادم

في نهاية العام قبل الماضي حذر الملياردير الأمريكي، بيل غيتس، من خطر وباء قادم قد لا يكون العالم مستعدا له، رغم الدرس الذي تعلمته البشرية من وباء فيروس كورونا الأخير.

ولأن الرجل، وهو مؤسس شركة «مايكروسوفت» التكنولوجية، قرر منذ فترة طويلة تخصيص وقته وجهده وملياراته لمساعدة البشرية على مواجهة الأمراض المزمنة والمتوطنة، بالتبرع لمشروعات تطوير اللقاحات وغيرها، فهو مهموم بالبحث العلمي والتكنولوجي الذي يمكن البشرية من مواجهة أي خطر محتمل.

وسبق لغيتس أن حذر قبل وباء كورونا بسنوات من أن العالم ليس مستعدا لمواجهة وباء، لكن تحذيره لم يثر حماس السلطات حول العالم، حتى جاء الوباء وسارع البشر إلى الاستثمار في تطوير اللقاحات والاهتمام بالبحث العلمي. وبنهاية 2021، أعرب الملياردير المتفرغ للعمل الخيري أن سهولة الوصول إلى المعلومات والبيانات تزيد من مخاطر «حرب بيولوجية»، ولو بشكل غير مقصود. وأن على العالم الاستمرار في استثمار المليارات في البحث العلمي والطبي، للاستعداد لأي احتمال قادم.

لكن الحقيقة أن الأمر قد لا يحتاج حربا بيولوجية ولا تعديلا جينيا لفيروسات، كما حدث على الأغلب في الفيروس الذي سبب وباء كورونا، لتتعرض البشرية لوباء جديد قد يكون أشد فتكا من كورونا، أو على الأقل مختلفا عنه بالشكل الذي يجعل ما طوره البشر لمواجهة الوباء الأخير غير مفيد.

وبغض النظر عن السبب الحقيقي وراء فيروس كورونا، سواء تسرب من مشروع بحثي بالصين شاركت فيه أمريكا وفرنسا، أو أنه تحور عبر طفرات داخل عائل من حيوانات ثديية ليصبح معديا للبشر، فإن ما نعرفه عنه حتى الآن أنه متحور جديد من عائلة الفيروسات التاجية التي تصيب الجهاز التنفسي للبشر، وأنه سريع الانتشار والعدوى. كذلك إن رد فعل الجسم على الإصابة به، قد يؤدي إلى فشل الأعضاء الحيوية والوفاة.

وإذا سلمنا بالافتراض الأكثر شيوعا أن التعديل الجيني لفيروس تاجي، مثل فيروس أنفلونزا الطيورH5N1، الذي ظهر في الصين عام 1997، هو الذي جعل «كوفيد- 19» سريع الانتشار والفتك بالبشر، فإن الأمر قد لا يحتاج تدخلا مقصودا من البشر بتعديل التركيب الوراثي لشريط الفيروس المفرد، لجعله أكثر قدرة على الانتشار والفتك بإصابة البشر. بل إن عدة طفرات وراثية في تركيب أي فيروس تاجي يمكن أن تنتج سلالة جديدة معدية وممرضة بين البشر.

تحذر المنظمة العالمية لصحة الحيوان WOAH من خطر حدوث طفرات غير متوقعة، نتيجة «خلط» عدد من فيروسات الأنفلونزا داخل عائل من الحيوانات الثديية، يؤدي إلى طفرة وراثية تنتج فيروسا سريع الانتشار يصيب البشر. وحتى الآن، تظل أنفلونزا الطيور محدودة الانتشار بين البشر، إذ لم تسجل سوى أقل من ألف حالة حول العالم منذ عزل الفيروس قبل نحو ربع قرن، وذلك لأن H5N1 لا ينتشر بسهولة بين البشر. وإلا كان سبب وباء أشد فتكا، إذ إن معدلات الوفاة بأنفلونزا الطيور تصل إلى 50 في المائة، في المقابل لم تزد معدلات الوفاة من وباء كورونا على 3 في المائة.

ومنذ خريف عام 2021، انتشرت أنفلونزا الطيور في أماكن مختلفة حول العالم «بشكل غير مسبوق»، حسب المنظمة العالمية لصحة الحيوان. طبعا المنظمة معنية أساسا بتهديد الأمن الغذائي والتوازن البيئي، مع انتقال الفيروس من الطيور إلى حيوانات مثل الثعالب وحيوان «المنك»، كما حدث أخيرا في إسبانيا، ثم في بريطانيا.

ومنذ زيادة حالات انتقال أنفلونزا الطيور إلى الحيوانات الثديية، أخيرا، يعكف علماء الفيروسات على دراسة وبحث احتمالات أن يؤدي اختلاط أنواع مختلفة من فيروسات الأنفلونزا في جسم عائل من الحيوانات الثديية إلى تطور طفرة وراثية جديدة تصيب البشر. أي أن تعمل أجسام الثعالب والمنك وغيرها – دون قصد- كما فعل البشر في تعديل التركيب الوراثي لفيروس أنفلونزا الطيور لإنتاج «كوفيد- 19» مثلا. لن يحتاج الأمر إذا إلى إرهاب بيولوجي من جماعات تستطيع الوصول إلى المعلومات والبيانات وطرق التعديل الوراثي بالقرصنة، إنما سيكون الأمر مسارا تشقه الطبيعة.

ولأن الفيروسات المسببة للأنفلونزا الموسمية عددها كبير جدا ويتباين تركيبها الوراثي حتى من منطقة لأخرى، فضلا عن أنفلونزا الطيور وكوفيد بسلالاته المختلفة، فإن اختلاطها في جسم عائل ثديي يمكن بسهولة أن يؤدي إلى طفرة معدية للبشر.

ليس القصد نشر «التخويف» والرعب غير المبرر بين البشر، خاصة ونحن في فصل الشتاء، حيث تزيد حالات الإصابة بالأنفلونزا الموسمية ونزلات البرد التقليدية. لكن من المهم أخذ تحذيرات العلماء على محمل الجد، وضرورة إسراع الحكومات إلى دعم البحث العلمي والطبي بمليارات الدولارات، كي لا نفاجأ بوباء مثل كورونا. ومن المهم أيضا ألا يترك الأمر فقط للشركات، حتى تلك التي روجت تجاريا لابتكاراتها في لقاحات كورونا غير الحيوية (المخلقة معمليا)، مثل «فايزر» و«مودرنا» و«جونسون» وأمثالها. ففي النهاية، ومع عدم التشكيك في كفاءة العلماء بتلك الشركات، يظل الهدف الرئيسي للأبحاث والتطوير فيها هو الربح التجاري. أما البحث العلمي في الجامعات والمراكز المدعومة حكوميا، فهو أفضل السبل ليجنب البشرية كارثة وباء جديد ليست مستعدة له.

أحمد مصطفى 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى