النيل.. والحل المنتظر
محمود خليل
قلق الناس على النيل مشروع.. فعلامَ يقلق الإنسان إذا لم يقلق على مصدر حياته؟
منسوب القلق لدى المصريين كان يرتفع بمتوالية عددية مع اقتراب الموعد الذي حددته إثيوبيا لبدء الملء الثاني (أول يوليوز الجاري)، ومع حلول الموعد أصبح منسوب القلق يرتفع بمتوالية هندسية.. وبات السؤال الرئيسي على ألسنة الناس: ماذا سنفعل؟
المواطن يسمع كثيرا.. وكل ما يسمعه يعمق إحساسه بالقلق.
يسمع من بعض الخبراء أن الملء الثاني معناه تحصين السد ضد أي ضربة عسكرية، ويضع مصر أمام خيار وحيد هو خيار مواصلة التفاوض، ويتوقع أن أي تفاوضات مستقبلية لن تختلف كثيرا عن المفاوضات الحلزونية التي دخلنا فيها على مدار 10 سنوات، بل إن إثيوبيا ستكون أشد عنادا وتعنتا في أي مفاوضات مقبلة لأنها تشعر بامتلاك الموقف، كما أن هناك تصريحات عديدة خرجت على ألسنة المسؤولين هناك تقول إن أديس أبابا ستجعل من موضوع «حصص المياه» موضوعا أساسيا على أجندة أي مفاوضات مقبلة.
يسمع المواطن كل هذا الكلام فيخلص إلى أن طريق المفاوضات بات مسدودا، ومع حيوية موقع النيل في تاريخ وجغرافية مصر، وحساسية موضوع المياه بالنسبة إلى المصريين، يصبح الخيار العسكري هو البديل الأكثر موضوعية في التعامل مع تحدي السد الإثيوبي الذي يهدد بتغيير وجه الحياة في مصر.
ما إن يستقر المواطن على هذه النتيجة حتى يبادره آخرون بأحاديث تذكره بمخاطر الحرب وتأثيراتها الداهمة، ويدعونه إلى التفكير في النتائج التي يمكن أن تترتب على الخيار العسكري على المستويين القاري والدولي.
ويستغرب أصحاب هذا الطرح من المواطن حين يتقمص دور «جنرالات المقاهي» ويبدأ في التنظير للكيفية التي يمكن ضرب السد بها، في مشاهد تتشابه مع ما حدث قبل العدوان الثلاثي عام 1956 ونكسة يونيو عام 1967، وظني أن هذا التحليل يُسقط العديد من الفروق الأساسية بين الأمس واليوم، ففي عام 56 كنا ندفع عدوانا عن أنفسنا بعد قرار التأميم، وفي 67 كان هناك اندفاع وتسرع من القيادة السياسية، لكن لم يكن ذلك السبب الوحيد في ما جرى، بل تضافرت أسباب أخرى عديدة أدت إلى ذلك.
التأني في القرار مطلوب، بشرط ألا يتحول إلى تباطؤ. وعلينا أن نأخذ في الاعتبار أن الكل متفق على أن كل يوم يمر يُصعب من خطوة التعامل مع السد، بسبب ما يتراكم وراءه من مياه، كما أن مرور إثيوبيا بهذا السد سيدفعها إلى بناء المزيد من السدود، وقد أكد السيد سامح شكري، وزير الخارجية، أمام البرلمان، أن لدى إثيوبيا خططا لبناء سدود أخرى غير سد النهضة، بل وأعلن آبي أحمد، رئيس وزرائها، أنه يخطط لبناء 100 سد صغير آخر.
فى ظل هذه الوضعية لا يجد البعض سبيلا للتعامل مع السد سوى توجيه ضربة له، وأنا على ثقة من أن المصريين جميعا على استعداد لتحمل كلفتها، لأنهم ببساطة يقارنون ما بين خيارين أحدهما مر وهو خيار التحرك العسكري، وخيار أشد مرارة وهو خيار عدم الحصول على حصتنا كاملة من ماء النيل، فيميلون إلى الخيار الأول.
كلفة التحرك العسكري أقل بكثير، إذا قيست بكلفة سرقة مياه المصريين.