وقف مرة رئيس وزراء كندا أمام الرئيس الأمريكي “نيكسون”، الذي حكم الولايات المتحدة بداية السبعينيات، وخاطبه أمام وزرائه وأمام الصحافيين قائلا: “يا سيادة الرئيس إننا في كندا قدرنا أن ننام بجانب فيل ضخم”.
وكان يقصد بالفيل الولايات المتحدة طبعا. هذه المُزحة التي تنطوي على حكمة قديمة في أمريكا الشمالية، وفي ثقافة أهلها، أن الجلوس أو النوم بجانب فيل ضخم، قد يحمل لصاحبه الكثير من المشاكل، هذا إن استطاع النوم طبعا.
هذه المقولة تداولها الكنديون كثيرا في ذلك الوقت، كلما رأوا الرئيس الأمريكي على التلفاز أو في صفحات الجرائد وهو يتناول القضايا العالقة بين البلدين، قبل أن يغادر نيكسون البيت الأبيض سنة 1974، على خلفية ما عرف وقتها بفضيحة “ووترغيت”. إذ كانت العلاقات الأمريكية الكندية منذ نهاية الخمسينيات إلى نهاية السبعينيات، متأزمة للغاية بسبب الخلافات الاقتصادية والسياسية أيضا.
واليوم خفتت حدة كل تلك الخلافات بين البلدين ووضعت جانبا لأن المصالح المشتركة اقتضت هذا الأمر.
وفي الجهة الأخرى، صرّح الملك الراحل الحسن الثاني مرة في خطابه قائلا: “حتى يعلم الناس مع من حشرنا الله في الجوار”، هو يتطرق إلى موضوع الأزمة السياسية والدبلوماسية مع الجزائر أيام الهواري بومدين.
إذ أن المغرب فعلا ينام بجانب بلد يُسيره مسؤولون ليسوا مسؤولين أبدا عندما يتعلق الأمر بنا. ينتفي المنطق في تصريحاتهم ويقع تزوير كبير للتاريخ وللجغرافيا، والهدف واحد، سرقة كل ما هو مغربي أو طمسه. والحمد لله أن هؤلاء المسؤولين الحاليين ليس لديهم أي صداقات مباشرة مع زعماء مؤثرين في العالم، وإلا لكان علينا أن نتبع مسؤوليهم أينما ذهبوا، لكي نصحح وراءهم.
يهون كثيرا النوم بجانب فيل، كما يفعل المُروضون المحترفون، وقد لا يكون سببا للمشاكل. لكن النوم بجانب الحمقى أمر مكلف حقا، ويعرض صاحبه لكثير من المتاعب.
أزمة الحدود على رأس المشاكل بين البلدين. وتتأذى بسببها ملايين الأسر. نعم ملايين الأسر بدون أية مبالغة أبدا.
إذ أن الأسر المغربية التي جرى ترحيلها منذ دجنبر 1975 وحُرم أفرادها ومعيلوها من منازلهم وممتلكاتهم في الجزائر، لا يزال ملفهم عالقا بعد مرور نصف قرن على واقعة الطرد. وهو أمر يمس الآن ملايين المغاربة من الجيل الذي وُلد في خضم المشكل وانتقل منهم إلى أبنائهم. أي أحفاد المطرودين. ومثل هذه الملفات لا يمكن أبدا أن تتساقط بالتقادم.
سكان المنطقة الحدودية، يعانون مع الجزائر بسبب استمرار قرار إغلاق الحدود البرية والجوية. وقرار إغلاق هذه الأخيرة، نعلم جيدا أنه جزائري، وقد أثر سلبا على الجزائريين الذين يعملون في المغرب، وعلى المغاربة الذين اعتادوا أن يصلوا رحمهم مع عائلاتهم الموجودة في الجزائر.
وهذه النقطة تحديدا تشكل مصدر إحراج ومساءلة أيضا. كيف يستطيع هؤلاء الناس التنكر لتاريخ بأكمله، متناسين أن هناك مئات الآلاف من الجزائريين الذين يمتلكون تاريخا عائليا مشتركا، ويعلمون أن آباءهم عاشوا طيلة حياتهم متنقلين بين المغرب والجزائر إلى أن أصبحوا يستحقون الجنسيتين معا؟
يونس جنوحي