شوف تشوف

الرأي

النظرية النبوية العائلية في الحكم (1- 2)

بقلم: خالص جلبي

 جلس الرسول صلى الله عليه وسلم بين سبعين من الصحابة المقربين، بما هو أكثر من أصحاب الشجرة والبيعة الكبرى في غدير خم فقال: انظروا جيدا لقد استخلفت عليا من بعدي، واحذروا من الانقلابيين والمروانيين. وبعد علي يرشح ابن الرئيس وينتخب مرة أخرى، ولكن هذه المرة إلى الأبد إلى الأبد… ولكن الملاعين من الانقلابيين خطفوا الصولجان، ونصبوا رجلا من جماعتهم. وهكذا ضاعت الخلافة الراشدة، فوجب إحياؤها مرة أخرى تحت ولاية الفقيه.

هذا باختصار هو الجدل الشيعي التاريخي حول قصة حديث الغدير المزعوم، وهذا باختصار هو بناء العقيدة الشيعية على حدث تاريخي. وهذا باختصار هو مصيبة الانشقاق الإسلامي الأعظم إلى ثلاث فرق، المروانية والشيعية والخوارج، يلعن بعضها بعضا، كل فرقة تدعي وصلا بالأصولية النقية.

ـ فأما الشيعة فقد «جيروا» الإسلام لحساب عائلة.

ـ وأما المروانيون فقد «جيروا» الإسلام لحساب قبيلة، تحت حديث الأئمة من قريش.
ـ وأما الخوارج فكانوا أكثر ديموقراطية، حين قالوا إن الحاكم لا يشترط له سوى أن يكون مطابقا لهذا المنصب الحساس، حتى لو كان رأسه زبيبة، وعبدا أسود يلمع من شدة السواد.

ومن سخرية التاريخ أن يكون أبسطهم وأشدهم عنفا وذبحا للمسلمين، هم الخوارج «ومن نسلهم خرجت داعش وأشباهها»، في الوقت الذي يدرس الشيعة الفلسفة. أما البيت المرواني فاجتهد في نبش أحاديث الردة، وتوزيعها لتصفية المادة الرمادية في بقايا المجتمع الإسلامي المنتهب منذ وقعة الحرة، واستباحة نساء الأنصار، وذبح آل البيت جميعا في تطبيق عملي للآية: «لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى»!

وهكذا انتهت رحلة الإسلام في التاريخ قبل أن تبدأ، حتى يعاد إحياؤها من جديد، صدقا وعدلا. وصدق النبي العدنان؛ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، كما ضرب الكل رقاب الكل؛ من مرابطين وموحدين، وأيوبيين وفاطميين، وعثمانيين ومماليك، ومن شايعهم أجمعين، وكما يضرب العراقيون اليوم رقاب بعضهم تحت كلمة مجللة بالعار: شيعي وسني وخلفي وسلفي ووهابي وصوفي.

وكلها أسماء سموها ما أنزل الله بها من سلطان. إلى حين صحوة العقل من السبات الشيعي السني، إلى ملة إبراهيم حنيفا وما كان من سافكي الدم المفسدين.

ما دفعني إلى كتابة هذه الكلمات، هي الدعوة التي تلقيتها من مركز الإمام علي لحضور «السيريموني» في مركزهم بأقصى الأرض، وأنا في أدنى الأرض، بعد أن محى الإنترنت المسافات، فأصبح الناس بنعمته إخوانا.

وهذه المسألة تحركت عندي على نحو حاد مع الثورة الإيرانية عام 1979م، حين ارتج الغرب وخاف، فلما دخل الخميني الحرب مع صدام، وضع الغرب رجله في ماء دافئ، يناسب صقيع أوروبا وكندا وبلاد الإسكيمو.

ويومها دعيت لحضور المناسبة الثانية للثورة الإيرانية، وكنت في ألمانيا، وكان الداعي أخ جزائري أعرف فيه العقل والتنوير، هو من أفضل تلامذة المفكر الجزائري مالك بن نبي، فلبيت الدعوة؛ لأكتشف أن الأخ «العاقل المثقف» قد فقد عقله تماما؛ فكان يقفز معهم كالقردة في طهران وعبدان، مثل مظاهرات الرفاق الحزبية، فهنا كان الهتاف يقص الحنجرة عجل الله فرجه، وهناك: «بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم».

مع دخولنا مطار مهاباد، وفي حي الأمين بدمشق، حملت أطنانا من كتب الشيعة للبهبهاني والطبطبائي والمراجعي والتسخيري والعاملي والجاعلي… وكلها كتب تعود لألفية كاملة إلى الخلف، في استرجاع الشخير الشيعي السني.

وقلت في نفسي يومها خالص راجع نفسك، ففيك بقية من عقل، فإن كان مذهبهم حقا، وطريقتهم صدقا، فيجب أن تعلن ولاءك للفقيه، وتلتحق بالمرجعيات، وتضرب نفسك بالسلسال والساطور في يوم محرم وعاشوراء.

وفعلا وضعت السؤال المحرج أمام عيني، وقرأت واستغرقت لفهم هذه المعضلة التاريخية، وكان ذلك مع انفجار الثورة الإيرانية، وبدء الحلم العظيم في استيقاظ المارد الإسلامي؛ بل لقد كتبت كتابا في الثورة الإيرانية، وألقيت محاضرة بحماس في مركز ميونيخ، عن أسباب وفلسفة الثورة الإيرانية «ثورة شريعتي والطالقاني وبازركان»،  وكان الغرب يرتعش خوفا، وينتفض كمدا، بعد أن تحركت الجماهير بأذرع عارية، كما وصفها روجي غارودي، في أعظم ثورة لا عنفية، منذ أن بعث النبي. وسبقت إيران أوروبا الشرقية في التخلص من الطغاة، ولكنها تحالفت مع الطغاة مثل الأسد وتشاوشيسكو، في انقلاب من الثورة إلى الدولة، كما هي حال كل الثورات، التي حذرنا منها أرسطو قبل ثلاثة آلاف سنة.

واكتمل الكسوف بعد أن قتلت الأطفال السوريين في الغوطة، لأنهم أبناء يزيد، وتحالفت مع طاغية دمشق وهي تعرفه يقينا، وهي الآن في طريقها لبناء صنم نووي على طريقة بني صهيون؛ فيقولوا كما قيل لموسى بعد الخلاص من فرعون وعبور البحر: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة! هذه المرة في غياب كامل لموسى، أن يقول إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون.

ثم ذهبنا إلى إيران، وقابلت أنا شخصيا الخميني، وكان شخصية لا توصف إلا أنها مميزة وكارزمائية، ووجه صادق صارم لا يخيب. ثم اجتمعت بجماعة كيهان «نشرة الثورة»، ثم قابلت يزدي وزنكنا والخلخالي وآخرين، في مجلس نوابهم. وفي سؤال ليزدي عن معنى

استمرار الإعدامات بدون توقف؟ غضب الرجل، واعتبرني من مناهضي الثورة. أما زنكنا الذين قلنا له إن حماة تدمر بيد حافظ الأسد، فهل تتدخلوا عند صديقكم وحليفكم الاستراتيجي لإيقاف سفك دماء ثلاثين ألفا من المدنيين، يلحقهم خمسة آلاف مقرنين؛ بيد سرايا الدفاع ووحدات الصراع ينهبون سوق الذهب، ويقتلون خمسين امرأة مسكينة هاربة من الجحيم في قبو مظلم، بما تورع عنه النازيون، في حمامات دم لم يفعلها بنو صهيون؟ غضب زنكنا وقال: إنهم إخوان مجرمون يستحقون الذبح من الوريد إلى الوريد.

نعود إلى الأسطورة التي تقول إن الرسول (ص) جمع سبعين من أصحابه في غدير خم، فقال لهم: إن الحكم يجب أن يكون في علي ونسله إلى يوم القيامة، وهو حديث يقول عنه ابن خلدون: أمور يقولونها ولا يسلم لهم بها. ولكن الإيديولوجيات بنيت دوما على الأساطير، مثل رومولوس في قيام روما، والأساطير النوردية، أو النرتية عند الشراكس، وأوزيس وأوزرويس حول ألوهية الفراعنة، وحول الملوك الثلاثة يجتمعون من أقطار الأرض، لمباركة الوليد يسوع في مهد حظيرة خراف.

 

نافذة:

سبقت إيران أوروبا الشرقية في التخلص من الطغاة ولكنها تحالفت مع الطغاة مثل الأسد وتشاوشيسكو في انقلاب من الثورة إلى الدولة

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى