حسن البصري
تقاطرت على ولاية أمن الدار البيضاء شكايات من أولياء أمور لاعبين ناشئين، تعرضوا للنصب من طرف سيدة تتحدر من إحدى دول جنوب الصحراء، كانت تبيعهم وهم احتراف أبنائهم في أندية أوروبية لكرة القدم.
تجاوز عدد الضحايا عشرات اليافعين، عاشوا شهورا فوق سحاب حلم الاحتراف في كبريات الأندية العالمية، ثم اكتشفوا أن السحاب مجرد كتلة «لواط»، لا تصلح إلا لملء وسادة. زينوا منصات «إنستغرام» بشعارات أندية سكنت وجدانهم، وحين طال أمد الانتظار وتبين أن كورونا بريء من تهمة تأخير سفرهم، قرروا استرجاع أموالهم بالحسنى، ونشروا قبالة دكان بائعة الأحلام أصحاب النوايا الحسنة من جنسيتها، أملا في سل الشعرة من عجين القلق.
قدمت الوسيطة عشرات الأعذار، وطالبت بتمديد مهلة التسوية، وأعادت عبثا جدولة الأحلام، قبل أن تحرض العلبة الصوتية لهاتفها المحمول وتدعوها إلى طرد المتصلين، ثم تقرر الاختفاء عن الأنظار، بعدما جنت أزيد من مليون درهم في أقل من سنة.
وضعت عناصر الشرطة القضائية بمنطقة أمن أنفا بالدار البيضاء، يوم الجمعة الماضي، كمينا انتهى بإيقاف السيدة القادمة من إحدى دول إفريقيا جنوب الصحراء، لتورطها في «قضية تتعلق بالنصب والاحتيال على الراغبين في الهجرة». تعرف عليها الضحايا، لكنها أنكرت وتمسكت بالقول المأثور: «يخلق الله من شبه المحتالين أربعين».
تبين للضحايا أنهم كانوا في حالة شرود حين صدقوا رواية الاحتراف السهل، واعترفوا بقدرتها على إقناعهم بسعيها الجاد إلى تهجير الأقدام الموهوبة إلى أعتد النوادي الأوروبية، وأن تصنع للمغرب حكيم زياش وحكيمي وبونو في شهر واحد، مع ضمانة وصيانة بعد البيع.
تم الاحتفاظ بالمشتبه فيها تحت تدبير الحراسة النظرية رهن إشارة البحث، الذي يجري تحت إشراف النيابة العامة المختصة، واكتشف آباء وأمهات اللاعبين أنهم كانوا يطاردون خيط دخان، وأن النصاب هو العنصر الوحيد القادر على هزم الطماع.
وما زال عشرات بائعي وهم الاحتراف لليافعين واليافعات يستدرجون الضحايا، يروجون لسلعة «إلا مجابها القلم يجيبها القدم»، وهم يتأبطون «كاطالوغ» تزينه صور نماذج أتقنت اللعبة. ولأن النصب والاحتيال كخيط «نيلون» سرعان ما ينساق وراء جرة واحدة، فإن الملف قد يكشف عن ضلوع صحافيين وصناع محتويات ومدربين في هذه النازلة.
قبل عامين وضعت السلطات الأمنية يدها على شبكة تنشط في قطاع «تصدير واستيراد» اللاعبين إلى الخليج، وتبين أن تجار ملاعب القرب يجنون من هذه التجارة ملايين الدراهم، لكنهم في الحقيقة كانوا يجنون على اللاعبين وأولياء أمورهم، ويمارسون من حيث لا يدرون نوعا آخر من الاتجار في البشر.
إلا أن أم المفارقات وأغرب نوادر «الحريك» الكروي، حصلت في السعيدية، حين باءت محاولات أحد لاعبي فريق نهضة بركان والمنتخب الوطني الأولمبي بالانتقال إلى الضفة الأخرى، وتحالفت عليه الأحوال الجوية وغضب الأمواج، فقرر التخلص من الوسطاء والاعتماد على «التشغيل الذاتي»، بعد أن اقتنى رفقة أصدقائه، الذين يتقاسمون معه حلم الاحتراف نفسه، قاربا وأعلنوا الاستعداد ليوم الرحيل.
وأوضح اللاعب البركاني، في شريط فيديو متداول على وسائط التواصل الاجتماعي، أنه تحمل المسؤولية ونوى الخير له ولأصدقائه، وأضاف: «كنا نخرج لنتجول بالقارب، وفي اليوم الذي قررنا «الحريك» اعترضنا الأمن»، ففشلت العملية وغرق الحلم في جوف مياه المتوسط.
للصبر حدود وللحلم حدود أيضا، فلا يمكن التسوق من دكان وسيط يبيع عقود الاحتراف بالتقسيط، ولا يمكن السكوت عن مشاهد الاتجار في طموح الشباب الحالم باحتراف من تحت الجسر لا من فوقه، فالصمت ليس حكمة والقانون يحمي المبلغين عن جرائم الاتجار في الأقدام.
كفى من بيع المواهب في المزاد العلني، بمقدم غير قابل للاسترجاع. ألسنا اليوم في حاجة ماسة إلى قانون يحمي المغفلين.