النصب و«الاحتياج»
حسن البصري
يبدو أن فيروس كورونا قد ألهم كثيرا من المحتالين لابتكار أساليب جديدة في النصب والسرقة عن بعد، مع مراعاة شروط التباعد وضوابط الوقاية من الوباء.
ساعد الفيروس المجرمين على ابتكار خدع جديدة في النصب، وساهمت الكمامات والأقنعة في إخفاء معالم الجريمة.
تعرض اليوم على أنظار المحكمة الابتدائية بمراكش قضية الوكيل الرياضي، الذي باع وهم النجومية في قنينات تارة وعلب تارة أخرى، لكثير من اللاعبين والمدربين والصحافيين والمسعفين.
بدأت الحكاية في عز الحجر الصحي، وانكشفت في أول أيام تخفيف إجراءات الحجر. فقد أنشأ الوكيل الرياضي موقعا خاصا على شبكة الإنترنت أثثه بعبارات احترازية أملتها الظرفية الوبائية، وخصص في موقعه ركنا لرغبات اللاعبين والمدربين وزاوية للرد على استفساراتهم، وحين وسع هامش زبائنه وانفتح على الأفارقة، احتفل بالنسخة الفرنسية لموقع لا فرق بينه وبين المصيدة إلا بصبيب إنترنت.
ما أن حصل انفراج في الحالة الوبائية حتى حركت مصالح الشرطة القضائية بولاية مراكش، مسطرة البحث عن شاب قيل إنه وكيل رياضي عالمي، أو هكذا تقول بطاقة زياراته المنمقة، عرض عشرات الشباب بمراكش والنواحي لعمليات نصب نوعية وغير مسبوقة، من خلال انتحال صفات ينظمها القانون.
جرى اعتقال المتهم في وضعية تلبس بأحد المقاهي المصنفة وهو يفاوض شابا غير مصنف، في إطار عملية نصب مدبرة، على مبلغ مالي مقابل الشروع في ترتيبات انتدابه لاعبا محترفا بأحد الفرق الأجنبية، قبل أن يتبين أن عددا كبيرا من الشباب قد شربوا حتى الثمالة من نفس كأس وهم النجومية.
ظل الوسيط المقنع يوزع أقراص الوهم على شبان صدقوه وبايعوه وكيلا عنهم، كان يسرد على أنظارهم عروضا سخية، كما يفعل النادل في مطعم «كلاس»، ولأن الكذاب هو الشخص الوحيد القادر على الإطاحة بالطماع، فقد نجح «الوكيل» في إشعال شمعة النجومية في دواخل شباب آمنوا بالقول المأثور «إلا ما جابها القلم يجيبها القدم». بل وظلت تلك الشمعة حارقة متوهجة في قلوب تواقة إلى وصال النجوم.
في مرات عديدة كان يخيل للضحايا المغاربة والأفارقة أن صناعة النجومية حلم، ومرات أخرى يقتنعون بأن صناعةَ النجومية وهم.. وبين الحلم والوهم سيناريوهات صاغها الوكيل بحبكة عالية، حتى خيل لكثير من الضحايا أن الرجل من سلالة أقطاب «السماوي».
كشفت تصريحات عشرات الضحايا الذين جرى الاستماع إليهم وبينهم مهاجرون أفارقة، خاصة من إفريقيا جنوب الصحراء، أن المتهم كان يقدم نفسه مسؤولا رياضيا ورئيسا لناد محلي، يشغل مهمة وكيل دولي للعديد من اللاعبين المحترفين، كما كان يحرص على مظاهر البذخ والأناقة وتوظيف سيارات فخمة مملوكة لشركات الكراء، خلال تنفيذ عمليات النصب والتفاوض مع الضحايا. لقد كان يؤمن بأن الغفلة بين البائع والمشتري تفرض التفاوض في فنادق مصنفة، والاستثمار في الوجاهة بأدق تفاصيلها حتى يسقط الضحايا تباعا بنصف كلمة ونصف وعود غالبا ما تولد ميتة.
كانت للرجل قدرة فائقة على الإقناع، حتى أولئك الذين لا يملكون موهبة في الكرة يبتلعون أقراصه، حين يقنعهم بلعب دور الكومبارس، ويؤكد لهم إمكانية سرقة النجومية من المشاهير بقبول دور ثانوي في الفريق.
تبين من خلال تفاصيل القضية أن بائع الأوهام هو الوكيل، وأما المشتري فهو الشاب المعطل والسلعة هي وهم النجومية، والثمن آلاف الدراهم بالعملة السهلة والصعبة، مع شرط الدفع «كاش».
صحيح لا يوجد معهد تتخرج منه دفعات وكلاء اللاعبين، ولا يوجد تخصص في هذا المجال، ولا دورات تأهيلية في القانون الرياضي وفي تقنيات التفاوض والمحاسبة المالية، ما يجعل المهنة «مهنة لا مهنة له»، لذا غالبية القضايا التي وصلت إلى ردهات المحاكم «سجلت ضد مجهول»، خاصة حين يكتفي الضحايا بتسجيلات صوتية ومكالمات ترفع قيمة اللاهثين وراء النجومية، وتجعلهم يصدقون أن كرة القدم أحوج إليهم أكثر من احتياج كوكب الأرض لميسي.