زكرياء بن الحسين
الاحتفاء بأفضل المعدلات في البكالوريا في المغرب نهاية كل عام دراسي، يطرح مشكلة ما بعد الاحتفاء، إذ إن حصول المتعلم على معدل مرتفع ليس نهاية المسار، بل بدايته، وفي خضم القراءات المختلفة للنتائج والتي من بينها أنها، أي النتائج، دليل على الحالة الجيدة التي توجد عليها المدرسة العمومية، أصبح مألوفا كل مرة أن يقول المتعلم بعد نجاحه إنه يحلم بولوج كلية الطب أو مدرسة المهندسين، وذلك كلما سئل عن طموحه. فمهنة الطب أو الهندسة أفضل ما يمكن الطموح إليه، بناء على التمثلات الاجتماعية لعدد كبير من أبناء الوطن.
من جهة أولى، الحلم بمهنة طبيب طموح مشروع، وحسب التصورات السائدة، هذه المهنة تحقق قدرا من الرفاهية لصاحبها وتنتقل به من طبقة البسطاء إلى طبقة الأثرياء، وهل هناك هدف للمتعلم بعد نهاية مساره الدراسي غير وظيفة أو مهنة جيدة، بعد أن اجتهد وسلك كل السبل من أجل شهادة بكالوريا لا تصلح لشيء، ما لم تكن مشفوعة بميزة وبيان نقط ممتاز؟ هذا الهدف هو هدف كل أسرة أيضا، إذ يرى كل أب وأم في ابنهما أو ابنتهما مشروع شخص ناجح على المستوى المهني والاجتماعي.
من جهة أخرى، وهنا يكمن البعد الآخر للقضية، يُطرح التساؤل حول ماذا تكسب الدولة من تفوق تلميذ اتجه إلى كلية الطب وأصبح طبيبا؟ الكسب هنا لا يتعلق بوظيفة يملؤها طبيب في أحد مستشفيات الدولة، بل يتعلق بالمستوى الاستراتيجي والمدى البعيد. لهذا، إذا كانت الدولة تكتفي بتدبير شؤونها اليومية، فإن مهنة الطبيب تحقق المبتغى كباقي الوظائف والمهن، لكن هذا لا يجدر بدولة تقول إنها تسير في طريق التنمية. فالحالة الراهنة والواقع البين يقولان إن مهنة الطب مثلا ليست رافعة تتحقق بها التنمية والانعتاق من حالة التخلف، لأن الظاهر أن الدولة لا تمتلك استراتيجية للتنمية مبنية على المعرفة يكون عصبها الطالب المتفوق، ولا تمتلك مشروعا مدروسا للتطور عبر استثمار إنجازات التلاميذ التي تنعت بالتميز، والأمر يشبه إهدار ثروة، ولو كانت هنالك استراتيجية لاستثمار التفوق الدراسي لوفرت للمتميزين مسالك أخرى متنوعة تصب في اتجاه تأسيس البحث العلمي بشروط صحيحة، وفي اتجاه إنشاء التخصصات (الغائبة عندنا) التي تخدم التنمية وتواكب مستجدات العلوم، بدل ترك المتعلمين المتفوقين حيارى بين آراء الأصدقاء والأهل والجيران، التي لا تكون دائما صائبة.
هل كل ما تجيشه الدولة من إمكانات ووسائل لتشجيع التمدرس ولمحاربة الهدر المدرسي (وهذه بالمناسبة مهمة مستحيلة) يقف عند هذه العتبة؟ سيكون هدرا إذا كان الأمر كذلك.
الحل أن تنهج الدولة الطريق الذي سلكته ألمانيا بعد الحرب، وسلكته دول أخرى غيرها، فتحتضن المتميزين من الطلبة، وتدمجهم في مسالك يحتاج إليها مستقبل المغرب، إذا كان هم الترقي بهذه البلاد واردا، أما الاقتصار على تدبير الوضعيات في حيزها الزمني الضيق، فهو ضياع للعلم والمعرفة قبل أن يكون ضياعا للوطن.